17-سبتمبر-2019

علي بن فليس، رئيس حزب طلائع الحرّيّات (نصر الدين زبّار/ Getty)

لم يؤكّد ولم ينفِ علي بن فليس، رئيس الحكومة الأسبق ورئيس "حزب طلائع الحرّيّات"، إن كان سيترشّح في الانتخابات الرئاسية القادمة أم لا، وكانت إجابته عن سؤال متعلّق بقرار ترشّحه، في حوار جمعه مع "الترا جزائر" بأنّ "هذا القرار لا يُتّخذ قبل أوانه". غير أنّه وفي بيان صادر عن الحزب أمس الإثنين، أبدى بن فليس نيّته في الترشّح، موعزًا قرار مشاركته من عدمها، إلى اللجنة المركزية للحزب، "وذلك طبقًا لقوانين الحزب والنظام الداخلي للجنة المركزية".

علي بن فليس: "لا أومن بصرح ديمقراطية يتمّ بناؤه على أساس التعيينات والإنتقاءات العشوائية"

علي بن فليس المرشّح "المحتمل" للانتخابات الرئاسية القادمة، المزمع إجراؤها في 12 كانون الأوّل/ ديسمبر المُقبل، خاض معركة الانتخابات مرّتين ضدّ الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في سنتتي 2004 و2014، وهو الذي شغل منصب رئيس حكومة في عهدته، وكان سيواجه بوتفليقة للمرّة الثالثة قبل أنّ يغيّر الحراك الشعبي وجه الخارطة السياسية في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: حوار | محمد بن جبّار: الحراك الجزائري تجاوز المثقف والنخبة

يتحدّث بن فليس في هذا الحوار، عن سبب اعتراضه على خيار المجلس التأسيسي، وتفضيله الطرح الثاني لحلّ الأزمة، وهو الذهاب إلى انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، يقول "لا أومن بصرح ديمقراطية يتمّ بناؤه على أساس التعيينات والإنتقاءات العشوائية"، وأن تجسيد طرح المجلس التأسيسي على أرض الواقع "غامضة ومبهمة"، ويصف هذا الخيار بأنّه " الطريق الأخطر والأعلى تكلفة والأكثر مغامرة بمصير الدولة الوطنية".

  • ما هو موقف طلائع الحريات من استدعاء الهيئة الناخبة؟

استدعاءُ الهيئةِ الناخبة يوضّح الرؤية ويحدّد آفاق العودة إلى المسار الانتخابي الرئاسي؛ وبإمكانه أيضًا أن يُلفت الانتباه إلى أنّ الأزمة السياسية قد طالت أكثر ممّا يُمكن للبلد تحمّله، وأنّ الوقت قد حان للإسراع في إيجاد حلٍّ لها؛ وبإمكان هذا الاقتراح أخيرًا أن يؤكّد أن هذا الحلّ السريع والنهائي للأزمة، لا يزال في متناولنا إن صدقت النوايا وتوفّرت الإرادة السياسية الحقيقية وكانت الغلبة للصالح العام على المصالح الأخرى مهما كانت أحقيّتها أو مشروعيتها.

فنحنُ أمام محاولة ثالثة لإجراء انتخاباتٍ رئاسية، والإخفاق في هذا المسعى غير مسموح به؛ لما قد ينجرُّ عنه من تداعيات داخلية وخارجية، غير مسموح به كذلك لأنّه قد ينال من مصداقية خيار الرئاسيّات كمخرجٍ للأزمة، والإخفاق في هذا المسعى غير مسموح به؛ لأنَّ عواقبه معروفة؛ أي أنّ الانسداد السياسي والدستوري والمؤسّساتي سيزداد تعقيدًا، وأنّ الأزمة ستزدادُ احتدامًا وأن حلّها سيزداد تكلفةً ومشقةً بالنسبة للبلاد.

و من هذا المنظور، فإن اقتراح تاريخ لاستدعاء الهيئة الناخبة بغرض انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية السنة، يضع الجميع أمام مسؤولياتٍ وطنيةٍ وتاريخية؛ وعلى الجميع أن يتحمّلها حسب ما تمليه عليه الضمائر والقناعات والمصالح الحيويّة للوطن.

و من هذا المنظور أيضًا، فإن لبَّ المعضلةِ ليسَ في استدعاءِ الهيئة الناخبة؛ وإنّما في إقناعها بضرورة الاستحقاق الرئاسي وتبديد الشكوك التي تُساورها حول ظروف وشروط انعقاده، وطمأنتها على أن هذا الاستحقاق لن يكون في أي حال من الأحوال مثل سابقيه، وأنّه سيُحاط بكل ما هو مطلوب من شفافية ونزاهةٍ ونقاوةٍ وحياد.

إنّ الاستحقاق الرئاسيَّ القادم؛ يُمثّل منعطفًا لم يسبق للبلد أن عرف له مثيلًا أو نظيرًا؛ فلا يوجد له بديل أقلّ خطرًا أو مشقة على البلاد؛ ولا يوجد خيارٌ غيره لضمان تسوية عاجلة ونهائية للأزمة الراهنة؛ ولا يوجد طريق أسلم من الطريقِ الذي يُوفّره، لتحقيقٍ هادئٍ وهادفٍ ومنظّمٍ للمطالب العادلة والمشروعة، المعبّر عنها من طرف الثورة الديمقراطية السلمية.

  • ما هي الشروط السياسية والتقنية التي يرى الحزب ضرورة توفّرها قصد الذهاب إلى انتخابات رئاسية شفافة؟

هناك شروطٌ سياسية وشروط مؤسّساتية وشروط قانونية، تحدّثت وكتبتُ عنها كثيرًا؛ كما أنّني أبلغتها مباشرةً وبصفة جدّ صريحةٍ للجنة الوساطة والحوار في لقائي بها.

فالشروط السياسية تُعيدنا إلى سؤالكم السابق؛ إذ أن الهدف من هذه الشروط السياسية ليس الإغراء، وليس تلميع صورة الرئاسيات، أو الرفع من مستوى جاذبيتها؛ لا يُمكن لأيّ شاهد موضوعيٍّ ومتجرّد من أيّ حكمٍ مسبق، أن يُنكر أنّ البلد برمّته يعيش أزمة ثقة، وأن أصدق النوايا يتمّ الطعن في صدقها بمجرّد الإفصاح عنها؛ وأنّ أنزه القناعات تتعرّض للخدش والتشكيك فيها بمجرّد التعبير عنها؛ وهذا ما يحدث اليوم لكلّ من يرى صادقًا ومخلصًا في خيار الرئاسيات مخرجًا آمنًا وهادئًا وسريعًا للأزمة.

في هذا السياق، تَطرح الشروط السياسية للاقتراع الرئاسيّ نفسها بقوّة؛ فالأمرُ يتعلّق بتنقية الأجواء وتهدئة الأوضاع، وإحياء الطمأنينة والثقة والارتياح في صدور الجزائريات والجزائريين؛ والأمرُ يتعلّق أيضًا بإعطاء مصداقية كاملة غير مبتورةٍ للاستحقاق الرئاسي القادم؛ والأمرُ يتعلّق أخيرًا بتمكين هذا الاستحقاق من الارتقاء إلى مستوى تطلّع الشعب إلى اختيار أوّل رئيس للجمهورية بكل سيادة، وإلى تحميله مهمّة تحويلِ الدولة الوطنية إلى دولة الحقِّ والقانون.

من هنا؛ تتجلّى أهميّة هذه الشروط السياسية المتمثّلة في تدابير الثقة والتهدئة الواجب اتخاذها وفي ذهاب رموز النظام القديم، ولا سيما الحكومة التي يُغذّي بقاؤها الانسداد الحاصل، ويُطيل عمر الأزمة، ويضرُّ بالتكفّل الحسن بشؤون الأمّة.

أمّا عن الشروط المؤسّساتية؛ فهي معروفة وتتمحورُ أساسًا حول إحداث سلطة مستقلّةٍ يعهد لها تحضير وتنظيم ومراقبة سائر المسار الانتخابي الرئاسي، من ألفه إلى يائه، أيّ من إعداد القوائم الانتخابية إلى حوصلة نتائج الاستحقاق الرئاسي؛ ويعني هذا أن تحظى هذه السلطة بالاستقلالية الكاملة سياسيًا وإداريًا وماليًا.

وبخصوص الشروط القانونية؛ فإنّها تصبُّ في ضرورة تعديل قانون الانتخابات لتكييفه مع متطلّبات إقامة السلطة الجديدة المكلّفة بالاقتراع الرئاسي القادم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لتطهيره من مواطن الغشّ السياسي والتزوير الانتخابي؛ وذلك عن طريق تحويل كلّ صلاحيات الجهاز السياسي/ الإداري في مجال الانتخابات إلى السّلطة الانتخابية الجديدة.

  • ولكن حزب طلائع الحريّات أبدى تحفّظه على بعض ما ورد في تقرير لجنة الوساطة والحوار؟

لقد سلّمت شخصيًا للّجنة مذكّرة مطوّلة ومفصّلة، ضمَّنْتها تحليلي للأزمة الراهنة، وسُبل إخراج البلد منها، وكذا تصوّري للشروط السياسية والمؤسّساتية والقانونية الواجب توفيرها لإنجاح الاستحقاق الرئاسي القادم.

من باب الإنصاف، يتوجّب علي الاعتراف بأن اللجنة قد أخذت بعين الاعتبار جزءًا لا يُستهان به من مقترحاتنا المقدّمة إليها؛ ومن باب الإنصاف أيضًا، يتوجّب عليَّ أن ألاحظ أن اللجنة لم تستنسخ القانونين السابقين المتعلّقين على التوالي بالهيئة الانتخابية القديمة، وبالقانون الانتخابي كما زعم البعض، أو بتعديلهما السطحي والهامشي كما ادعى البعض الآخر؛ فاللجنة خطت خطواتٍ معتبرةٍ وذات ثقلٍ ومعنىً في اتجاه إقامة هيئة تحظى بصلاحيات عملية، تؤهّلها لقيادة وتسيير المسار الانتخابي الرئاسي.

لجنة الوساطة والحوار، بلورت أيضًا تشريعًا انتخابيًا جديدًا يُساهم في رفع قبضة الجهاز السياسي- الإداري القائم عن المسار الانتخابي ذاته؛ وعليه فإن التحفّظات الجديّة التي أثارتها لدينا، تعلّقت أساسًا ببعض المواضيع الدقيقة؛ فاللجنة أضفت طابع الديمومة على السلطة الانتخابية، وفي هذا تجاوزٌ واستباقٌ للأمور، لأنّ الدستور القادم للجمهورية هو الذي سيقوم بدسترة هذه السلطة وبإقرار ما يتوجّب إقراره بشأنها؛ كما قامت اللجنة بتوسيع صلاحياتها المربوطة بالرئاسيات إلى التشريعيات والمحليّات القادمة، وفي هذا أيضَا تجاوزٌ واستباقٌ للأحداث؛ وأخيرًا تمسّكت اللجنة بالاستقلالية الإدارية والمالية للسلطة، وأهملت استقلاليتها السياسية، بإقحام رئاسة الدولة في تعيين أعضاء مجلسها.

غير أن اللجنة عالجت هذه التحفّظات كما أظهر تقريرها النهائي، ولا سيما طريقة إفراز التركيبة البشرية للسلطة الانتخابية التي كُلّف بها منسق هيئة الوساطة والحوار.

مُجمل القول في هذا الموضوع، أنّ إقامة السلطة الانتخابية والتعديل المعمّق للنظام الانتخابي في تكاملهما، قد أحدثا نقلةً نوعيةً لا يُمكن الاستهانة بها في تطوير الممارسة الانتخابية في بلادنا.

فالسلطة الانتخابية، أصبحت سيّدة في تحضير وتنظيم ومراقبة الانتخابات؛ وتمّ رفع القبضة الحديدية للجهاز السياسي- الإداري عن المسارات الانتخابية؛ وخوّلت للسلطة بصفة شبه كاملة صلاحيات تسيير وقيادة المسارات الانتخابية، من إعداد القوائم الانتخابية إلى إعلان النتائج، حتّى وإن احتفظ المجلس الدستوري بصلاحيات البتّ في الطعون المتعلّقة بالترشّح وإعلان النتائج النهائية والرسمية للانتخابات؛ وحتّى وإن لم يتمّ القضاء نهائيًا على كل بؤر التدليس السياسي والانتخابي، فإن النظام الانتخابي الجديد قد ذهب إلى حدٍّ بعيد في تجفيف منابع السطو على إرادة الشعب والعبث بسيادته.

  • خيار حزب طلائع الحرّيات هو العودة إلى المسار الانتخابي، ماهي خلفيات هذا القرار؟

أكاد أجيب أن وضوح النهار ليس بحاجةٍ إلى بيان أو دليل؛ فدواع ميولي إلى خيار الرئاسيات واضحة وضوح النهار؛ ومردّ انحيازي لهذا الخيار وتمسّكي به، تعبيد للطريق الأقلّ طولًا والأقلّ تكلفة والأخفّ مشقّة ومعاناةً لإخراج البلد من الأزمة السياسية الخطيرة التي يواجهها راهنا؛ وأضيف إلى هذا، أنّ سبيل الرئاسيات هو السبيل الأسلم والأكثر ضمانًا للشروع السريع في تحقيق مطالب وتطلّعات الثورة الديمقراطية السلمية؛ لماذا؟ لأنّه وبكلّ بساطة من المستحيل أن يساور عقل عاقلٍ أيّ شكٍّ، في أنّ العهدة الرئاسية القادمة ستكون لا محالة عهدة انتقالية وأنّ الرئيس القادم للجمهورية سيحسن الشعب السيّد اختياره واضعًا على عاتقه مسؤولية تجسيد أهداف الثورة السلمية، ومسلّمًا له أمانة تحويل الدولة الوطنية إلى دولة حقّ وقانون.

فالدولة الوطنية في هذه الأثناء، بدون مؤسّسات سياسية شرعية تضمن ثباتها وصمودها ومناعتها؛ وفي الأفق يلوحُ خطر تلاقي الأزمة السياسية بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة؛ وعلى الصعيد الخارجي، فإن البلد غائبٌ كليّةً في وقت يشهد تصاعد التوتّرات وتفاقم الهزّات الجهويّة والدولية.

فأحوج الحاجة بالنسبة للبلد اليوم، تكمن في إعادة تأطيره بمؤسّسات شرعية وذات مصداقية، يسترجع من خلالها سُبل الأمن والاستقرار والتقدّم.

  • هناك تيّار يرفض خيار الانتخابات، ويُطالب بفترة انتقالية أو مجلس تأسيسي. ماهو تعليقكم؟

أحترم رأي دُعاة هذا الطرح احترامًا كاملًا، حتى وإن لم يُقنعني إطلاقًا، وكلّ تحفّظاتي عنه لازالت قائمة، وتحفّظاتي على هذا الطرح عدّة: منها ما هو فلسفيٌّ، ومنها ما هو سياسيٌّ، ومنها ما هو إجرائيٌّ ومنها ما هو عملي.

فلسفيًا، لا أومن بصرح ديمقراطية يتمّ بناؤه على أساس التعيينات والإنتقاءات العشوائية؛ فملذّات الديمقراطية تأتي بالتوازي مع مشقّات الاقتراعات، وفلسفيًا دائمًا، لا أؤمن البتّة بمدرسة الفوضى الخلاقة التي تشترط قبل بناءِ أيّ شيءٍ، تحطيم كلّ شيء.

سياسيًا، فإنّني أتصوّر خيار المجلس التأسيسي كمُصنّعٍ للانسدادات بامتياز؛ لقد قُمت بفحص هذا الخيار وبتشريحه من كل جوانبه، ولم أخلص بشأنه سوى إلى معاينة سلسلة من الإنسدادات الحتمية التي ستُعيق لا محالة مجراه من بدايته إلى نهايته؛ فهذا الخيار هو خيار الطريق الأخطر والأعلى تكلفة والأكثر مغامرة بمصير الدولة الوطنية؛ وهذا الخيار لا يحتوي الأزمة في حدودها الراهنة، بل يرشّحها للتفاقم والتوسّع والتصاعد؛ وهذا الخيار لا يسهّل الحلّ؛ بل يزيده صعوبة وتعقيدًا؛ وكلّ مرحلة من المراحل التي ينطوي عليها هذا الخيار، ترمي بالبلد نحو المجهول الذي لا يُمكن أن تحسب حساباته، أو أن تؤتمن عواقبه.

إجرائيًا، فإنّه لمن الصعب جدًا معرفة خريطة طريقه؛ فإذا كانت خريطة الطريق التي تُصاحب خيار الرئاسيات واضحة من خلال شروطها وظروفها السياسية والمؤسّساتية والقانونية، فإنّ خريطة الطريق التي من المفترض أن تُرافق طرح المجلس التأسيسي، لم يستقرّ بعد رأي الداعمين لها لا على منهجيتها ولا على مضمونها ولا على تدابيرها التطبيقية.

عمليًا وأخيرًا، تبقى وسائل تجسيد طرح المجلس التأسيسي على أرض الواقع غامضة أو مبهمة؛ فهناك من يدافع عن تبديل الانتخابات المعهودة "بتنظيم ذاتي للجان شعبية" وهناك حتّى من وصل بهم الأمر إلى اقتراح مرحلة انتقالية بدون سلطات انتقالية.

إنّ في خطورة الأزمة التي يعيشها البلد، ما يكفي ولا يصحّ ولا يحقّ إثقالها بعوامل تعقيد وتأزيم إضافية هي في غنًى عنها.

  • يشهد الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد وضعًا صعبًا بحسب خبراء، هي الإجراءات المستعجلة التي ينبغي اتخاذها في المرحلة الراهنة؟

صحيحٌ أن الوضع الاقتصادي للبلاد في منتهى الخطورة، لكن الخطورة نفسها التي يتّسم بها وضعه السياسي، صَرفت الأنظار عن التهاوي الاقتصادي ووضعته في الصف الثاني من الاهتمامات والأولويات؛ وفي هذه الأثناء، بدأ شبح تلاقي الأزمة السياسية بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية يُخيّم على البلد، مهدّدًا إيّاه ببروز أزمة أكبر وأشمل إن اجتمعت تراكمات الأزمات الثلاثة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كلّ ما حذّر منه خبراء اقتصاديون،  قد شرع في دقّ ناقوس الخطر منذ مدّة، لكن وللأسف، دويُّ الأزمة السياسية قد غطى بصفة شبه كليّة على نداءاتهم وتحذيراتهم.

هذه الخطورة للأوضاع الاقتصادية، من بين العوامل التي تُملي ضرورة الإسراع في إيجاد حلّ للأزمة السياسية قبل فوات الأوان وانفلات الأمور من إطار التحكّم والسيطرة.

ليست هناك أيّة وصفة سحرية؛ فما لا شكّ فيه ولا جدال حوله، أنّ التكفّل بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة يقتضي حلًا للأزمة السياسية، وظهور قيادات سياسية شرعية للبلد لها من الطابع التمثيلي ومن الصدق ومن المصداقية ما يؤهّلها لجمع كل الطاقات الوطنية للنهوض بالبلد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا؛ فلا يُمكن الحديث عن إقلاع اقتصادي واجتماعي إلا في ظلّ استقرارٍ سياسيٍّ، وحوكمة شرعية، ووضوح الطرح والرؤى لدى القيادات السياسية الشرعية التي ينتظرها البلد.

 من هذه الزاوية، كَثُر الحديث عن الانتقال الديمقراطي وتعدّدت التصوّرات بشأنه؛ واللافت أن البعد الاقتصادي والاجتماعي هو الغائب الأكبر عن هذا النقاش؛ والحقيقة التي تفرض نفسها فرضًا؛ هي أنّ البلد في حاجة ماسّةٍ لانتقالٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ بقدر ما هو في حاجةٍ إلى انتقال سياسي.

فهذا الانتقال الشامل والكامل، هو وحده الكفيل بوضع البلد في موقع يُمكّنه من التصدّي للتحدّيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهدّده من كل جانب.

  • هل سيترشّح علي بن فليس للانتخابات الرئاسية القادمة؟

كلّما طُرح عليَّ سؤال كهذا، إلا وأجبتُ أنّ الجسور تُعبَر بعد الوصول إليها؛ فقرارٌ كهذا لا يتّخذ قبل أوانه؛ من الواضح أن شروط وظروف إجراء الانتخابات الرئاسية هي موضوع السّاعة ولم تكتمل بعد الصورة بشأنها؛ وعليه لا يُمكن لي أن أستبق الأحداث، والأجدر بي أن أنتظر اكتمال هذه الصورة قبل اتخاذ القرار في الترشّح من عدمه.

لقد تحدثتُ منذ حين عن ضرورة الانتقال الشامل والكامل بالنسبة للبلد، أيْ ضرورة مشروع وطنيٍّ جديد يضمن له العصرنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ أنا حامل لمشروع بهذا الحجم منعه مرّتين نظام فاسدٌ ومفسدٌ من الوصول إلى صاحب القرار، ألا وهو الشعب الجزائري السيّد، الذي لوّث الغش السياسي حكمه، وصادر التزوير الانتخابي رأيه وصوته.

إن زمن الضائقات هو وحده من يكشف طينة المسؤول السياسي؛ فلا الصعوبة الاستثنائية للأوضاع ولا جسامة التحدّيات المرتقبة، ولا ثقل المهام التي تمليها حساسية المرحلة من شأنها أن تنال من صلابة العزيمة، وثبات الخطوات للمسؤول السياسي الذي ينوي خدمة شعبه؛ وخدمة الشعب تبدأ باحترامه.

  • ما هو موقع الحزب في المشهد السياسي اليوم؟

ممّا لا شكّ فيه، أنّ الثورة الديمقراطية السلمية قد أحدثت زلزالًا في المشهد السياسي الوطني؛ وممّا لا شكّ فيه أيضًا أن الهزّات الارتدادية لهذا الزلزال ستتواصل على المدى القصير والمتوسّط والطويل؛ فهذه الثورة الديمقراطية السلمية قد فرضت إعادة ترتيب الفضاء السياسي الوطني، وأعادت توزيع الأوراق فيه بصفة جذريةٍ وشاملة.

لقد وضعت هذه الثورة حدًا للتصحّر السياسي الذي دأب النظام القديم على تعميمه؛ وحرّرت الأحزاب من طوق الشمولية الذي ضربه ذات النظام حولها؛ وأعادت الاعتبار للفعل السياسي كما استرجعت بفضلها كلمة الشعب سموها؛ وهذه كلها مستجدات فاصلة يتوجب على كل الأحزاب التكيف معها؛ وعليه فإن العمل السياسي والحزبي بعد 22 فبراير 2019 لا يمكن إطلاقًا أن يتواصل في الأشكال والممارسات والأساليب التي تميز بها قبل ذلك التاريخ المفصلي؛ طال الأمد أم قصر فإن الجزائر مقبلة حتميًا على عهد العصرنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ ولا يمكن للأحزاب أن تستثنى من هذا المسار أو أن تبقي نفسها على هامشه.

علي بن فليس: "لقد وضعت هذه الثورة حدًا للتصحّر السياسي الذي دأب النظام القديم على تعميمه"

فالمرحلة الجديدة المفتوحة أمام البلد قد جاءت برؤى وطموحات وتطلّعات خاصّة بها، وتميّزها عن باقي المراحل التي سبقتها؛ وعلى كل الأحزاب استقراؤها على الوجه الصحيح والاتعاظ بدروسها والتأقلّم مع كل ما تنطوي عليه من إفرازاتٍ ومقتضيات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار | نصيرة محمدي: ولّد الحراك الشعبي سلوكًا تحرريًا

حوار| سمير قسيمي: زاد الحراك أسئلتي وأوقفني على عبثية الوجود