27-أبريل-2024
(باتريك باز/أ.ف.ب/GETTY)

(باتريك باز/أ.ف.ب/Getty)

تُثير أحزاب سياسية في الجزائر مسألة الظروف المرتبطة بالبيئة الانتخابية، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة المقررة  في السابع من أيلول/سبتمبر المقبل، على صعيد الحرّيات وضرورة توفير مناخ من الشفافية، واتخاذ إجراءات تهدئة ورفع الاكراهات والضغوط على الممارسة السياسية، تسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية في ظروف أفضل.

كان لافتًا في البيانات الأخيرة للأحزاب السياسية المعنية بالمشاركة في الرئاسيات القادمة، أن هناك تركيزًا ومطالبات متحدة بشأن أن تتخذ السلطة مزيدًا من خطوات الانفتاح والتهدئة

كان لافتًا تضمّن البيانات الأخيرة للأحزاب السياسية المعنية بالمشاركة في الانتخابات القادمة، أن هناك تركيزًا ومطالبات متحدة بشأن أن تتخذ السلطة مزيدًا من خطوات الانفتاح، واعتبار الانتخابات الرئاسية المقبلة فرصةً للسماح لكل الأطراف والقوى السياسية بالتعبير عن مواقفها، إذ حمل البيان الذي أصدره حزب العمال السبت الماضي مطالب بتوفير الظروف المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية نزيهة، و"باستعادة الممارسة السياسية وحرية التعبير وإلغاء التجريم على العمل الفكري والسياسي والنقابي وإلغاء كل القوانين التقهقرية للحرّيات".

في السياق نفسه، تبرز تصريحات رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني الذي قال خلال لقائه قيادات الحزب ونوابه في ندوة استشارة سياسية حول الانتخابات الرئاسية إن "هناك شعورًا بالحاجة إلى أرضية مشتركة لتنظيم انتخابات رئاسية ديمقراطية على قاعدة الشفافية والتنافس الحر".

ودعا حساني إلى "توفير الضمانات القانونية والسياسية لجعل الاستحقاقات الانتخابية فرصة للتنافس السياسي النزيه واستقلالية الهيئات الضامنة للتنافس الانتخابي، ومعالجة مصداقية العملية الانتخابية بإنهاء فكرة الحسم المسبق للانتخابات لصالح مرشّح ما"، مشدّدًا على ضرورة أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة، استحقاقًا وطنيًا يسمح "بالحد من ظاهرة العزوف السياسي وضعف نسب المشاركة في الانتخابات، وحماية الوحدة الوطنية من التفكك والاستهداف، وضرورة معالجة إشكالية مقاطعة . جهات مهمة من الوطن للانتخابات".

وأعلن تكتل أحزاب سياسية فتية أعلنت عن تأسيس "تكتّل أحزاب الاستقرار والإصلاح"، لدعم مرشّح للانتخابات الرئاسية ، بلقاسم ساحلي رئيس حزب التحالف الجمهوري، بهدف ما وصفه بإعادة الاعتبار للفعل السياسي الانفتاح والحوار، وطالب "بتهيئة المناخ المناسب وتوفير الظروف الملائمة لإنجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة"، وانتقد التكتل الذي يضم سبعة أحزاب سياسية، "غياب حوار جاد و موسّع حول الآليات الانتخابية، و عدم توفير الظروف الملائمة لتحقيق التفاف قوي لمختلف شرائح المجتمع حول الورشات والمشاريع الإصلاحية، وتهميش الفعل السياسي والحزبي، ومحاولة تعويضه بمبادرات للمجتمع المدني، واستمرار ممارسات التضييق على الأحزاب السياسية وتهميشها وحرمانها من حقوقها الدستورية والقانونية، وعدم إشراك الأحزاب السياسية والنخبة في القضايا الكبرى للدولة.

بدورها، رفضت جبهة القوى الاشتراكية، استمرار الإغلاق على المجال السياسي والإعلامي في البلاد، إذ كشف السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش أن الفرصة مواتية لاحترام الحق في التعبير وتحرير الممارسة السياسية والفعل النقابي.

تُبرز هذه المواقف أن هناك شعور لدى الطبقة السياسية المعنية بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة بالحاجة إلى مزيد من الانفتاح السياسي والإعلامي في البلاد، ومخاوف من ممارسات وضغوط على الحرّيات السياسية والإعلامية قد لا تساعد على تهيئة جو مناسب للاستحقاق الانتخابي.

كما تعطي هذه المواقف مؤشرًا على تراجع نسق الممارسة السياسية وتراجع الحرّيات في الفترة الأخيرة في الجزائر، كما يتحدث الفاعلون السياسيون، وذلك بسبب إغلاق المجال الإعلامي وضغوط مارستها السلطة على مكونات السياسية المعارضة لتوجهاتها، وهي مؤشرات تشكّل حالة إجماع لدى الطبقة السياسية، ما يفسر توالي المواقف والمطالبات للسلطة بتغيير مقارباتها اتجاه الممارسة السياسية ونظرتها إلى الأحزاب وقضايا الحرّيات.

زخم سياسي

ميدانيًا، يفترض مراقبون أن تعرف الجزائر في هذه الفترة زخمًا سياسيًا، وذلك على ضوء أهمية الاستحقاقات القادمة؛ وذلك بدءًا من انعقاد المجالس الوطنية لمختلف الأحزاب، ورؤيتها حيال الانتخابات شكلًا ومضمونًا، واستدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية الحملة الانتخابية، إذ تتطلب هذه الانتخابات فتح النقاشات سواء في إطار حزبي لدى مختلف الحساسيات السياسية أو في الفضاءات العامة، فضلا عن فتح المجال الإعلامي لمختلف تلك المكونات السياسية.

وقبل ما يقل عن خمسة أشهر من تنظيم الرئاسيات، لم تفصح الساحة السياسية عن مشاريع المرشّحين، فكلّ حزب يغرد حسب ما سينتهي إليه المجلس الوطني من قرارات،رغم أن الظرف السياسي والمناسبة الانتخابية تحتم عليهم أن يعقدوا مجالس مستعجلة تفرضها المناسبة الانتخابية.

ومن الناحية الشكلية، وبالنظر للتكتّلات السياسية والأحزاب التي ستشارك في الرئاسيات، سيكون بين البرامج والأفكار صحيًا وطبيعيا في ظلّ استحقاقات مفترضة سواء كانت لاختيار رئيس الجمهورية أو الاستحقاقات التي ستتبع ذلك سواءً تعلق بالتشريعيات أو المحليات، لكن في المقابل من ذلك فالركود السياسي الحاصل خلال الفترة الأخيرة، مرده -حسب البعض- "حالة الغلق" والتضييق القانوني على الفعل السياسي.

بيئة الحريات

السؤال المطروح حاليًا، يتعلق بحالة الركود السياسي الذي أصاب الساحة السياسية منذ الغليان الشعبي الذي عاشته الجزائر بسبب الحراك، إذ يشدد الناشط السياسي فريد لونيسي على أن السلطة استطاعت أن تمتص الغضب الشعبي أولًا، والتلويح بورقة الانتخابات في نهاية 2019، وما رافقته من تداعيات أزمة كورونا، لافتا في تصريح لـ" الترا جزائر" إلى أنه تمّ امتصاص الرغبة في التعبير في الفضاء العام وقوة الطرح في شتى المجالات في تلك الفترة، مع تشتت الطاقات التي حملت تلك المسؤولية".

ومع خفوت الحراك الشعبي وعدم بروز طبقة سياسية يمكنها أن تحمل أفكاره أو تدافع عن مختلف الرؤى التي طرحها الشارع بشتى توجهاته وأفكاره، وتقديم الفكر النقدي لمخرجات الحكومة، لم تتمكّن مكونات الحراك الشعبي من إبراز وجوه سياسية شابة، في مقابل أنها فرضت منطق آخر يمكنه مواكبة توجهات السلطة بتشكيل منظمات المجتمع المدني.

وفي سياق آخر، قال الناشط السياسي، عبد المالك حميتي، من ولاية الشلف، غرب الجزائر، إنه حتى قبل 2019ـ ومسيرات الحراك الشعبي، كان الحديث البارز في الدوائر السياسية والأكاديمية يدور حول أزمة الحريات، وهي أزمة حسب تصريح لـ"الترا جزائر" قيدت مختلف الفضاءات خاصة منها الإعلامية، بالتحدث عن هشاشة المؤسسات السياسية وضعف أداء الاقتصاد وانتشار مظاهر الفقر والتهميش، وتمركز الحديث عن الشخص الواحد والفردانية في الحكم من وراء حجاب مجموعة رجال أعمال يتحكمون في دواليب القرارات السياسية آنذاك.

 غير أنه لا أحد كان يتصوّر السيناريو الذي حصل بسبب رياح المسيرات الشعبية في الشارع الجزائري وفرضت فكرة احتمال انهيار سريع لـ" أسماء كانت عبارة عن "أصنام تُعبد"، وهو في حدّ ذاته مكسب.

الظاهر أن نهج السلطة يميل إلى منح الأولوية للاستقرار والأمن على حساب أولويات أخرى منها الانفتاح الديمقراطي والتحرير الكلي للحياة السياسية والإعلامية، وهذا ما تدل عليه حالة الإمساك بكل منافذ المعلومات وتمركزها.

خطاب وفضاءات متعددة

 في مقابل ذلك، يعتقد الباحث في العلوم السياسية كريم يخلف بأنه بإمكان الانتخابات القادمة مرحلة تحول في الفعل السياسي خصوصًا وأن مؤشرات ذلك ظهرت من خلال لقاءات الرئيس عبد المجيد تبون مع عديد الفاعلين السياسيين في البلاد، دون إقصاء، وتناول مختلف القضايا في الساحة والاستماع إلى مطالبهم.

وأَضاف الأستاذ يخلف في تصريح لـ" الترا جزائر" بأن الفعل السياسي محكوم أيضًا بجدلية النضال السياسي والتكوين القاعدي للفئات الشبابية في أطر منظمة، تراعي متغيرات الساحة ومتطلبات مسائل الشأن العام.

الأستاذ كريم يخلف لـ" الترا جزائر": التضييق أصبح ملحوظًا على خلاف وعود السلطة في فتح المجال للأفكار وحرية الرأي

وبخصوص حرية التعبير، يرى المتحدّث، أن التضييق أصبح ملحوظًا على خلاف وعود السلطة في فتح المجال للأفكار وحرية الرأي، ويشهد المجال حالة من " التقوقع" وتضييق على منافذ المعلومة أولًا، في ظلّ التسريبات والإشاعات التي تكشف عنها مواقع التواصل الاجتماعي ثانيًا، بينما طغى على الإعلام، الخطاب الواحد والرسمي، الذي يبث وينشر في قنوات و عناوين إلكترونية متعددة.