07-مايو-2024
انتخابات الجالية الجزائرية (ألو بلادي)

انتخابات الجالية الجزائرية (ألو بلادي)

لطالما اقترنت خطابات السياسيين والمجتمع المدني في الجزائر، بالتحذير من الأيادي الخارجية وضرورة الالتفاف حول السلطة، خاصّة قبل المواعيد الانتخابية، انسجامًا مع خطابات السلطة التي لا تفتأ أن تطلق خطابات من حين لآخر، تتضمن دعوة للتصدي لأعداء البلاد وعدم الانسياق إلى دعاة الفتن وما إلى ذلك، دون أن تحددّ في الغالب هذه الجهات.

تُثار أسئلة كثيرة حول وجود ما يصطلح على تسميته بـ "الطابور الخامس" في الجزائر، وهل هذه التحذيرات لها ما يبررها واقعيًا؟ وهل هناك تحرّكات أمنية تتوافق مع هذا الخطاب الرسمي؟

إلى هنا، جدّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الحديث عما وصفه بـ "الطابور الخامس"، وحذّر ممن وصفهم في السابق والآن بـ "المتآمرين على الجزائر"، إلا أنهم "فشلوا في زعزعة استقرار البلاد"، هذه التحذيرات كثيرًا ما نبّه لها القاضي الأول في البلاد، منذ اعتلائه منصب رئيس الجمهورية في نهاية 2019، وقبل فتح ملفات الفساد، لتعود مرة أخرى أشهرًا قليلة قبل انتهاء عهدته الرئاسية الأولى وقبل تنظيم الانتخابات الرئاسية في السابع أيلول/سبتمبر المقبل.

تحذيرات الرئيس تبون، وجّهها ضد ما وصفه باستمرار محاولات "تجنيد" جزائريين لخدمة أجندات أجنبية ضد وطنهم، اتهم فيها مباشرة سفير دولة لم يذكرها "كان ولا يزال يعمل ضدّ مصلحة الجزائر"، وقال إنه مازال يوجه سهامه ضد الجزائر إلى يومنا هذا، على حدّ تعبيره.

في هذا السياق، تُثار أسئلة كثيرة حول وجود ما يصطلح على تسميته بـ "الطابور الخامس" في الجزائر، وهل هذه التحذيرات لها ما يبررها واقعيًا؟ وهل هناك تحرّكات أمنية تتوافق مع هذا الخطاب الرسمي؟ أم أن الأمر مجرد خطاب للاستهلاك السياسي، وتحذير يندرج في خانة تحجيم المعارضة وكبح الاحتجاجات الاجتماعية وقمع التظاهرات قبل موعد الرئاسيات؟ ولماذا تبقى الاتهامات موجهة ضد مجهول غالبًا دون تسمية هذه الجهات التي تسعى لخراب البلاد؟

مواجهة

في مقابل ذلك، أو بالموازاة مع ترديد مصطلح  "الطابور الخامس" كرّر الرئيس تبون أيضًا، خلال خطابه اللافت بمناسبة العيد العالمي للعمال، استنجاده الدائم منذ بدء تنفيذ وعوده الانتخابية والإيفاء بالتزاماته السياسية بمن أسماهم "الوطنيين الأحرار"، في مواجهة مع "أعداء الجزائر" كما وصفهم الرئيس سواءً في السرّ أو في العلن.  

مصطلح "الطابور الخامس " الذي أصبح متداولًا في خطابات السياسيين، له تاريخ في الماضي من حيث استعمالاته في الزمن وفي المكان وحسب الظروف أيضًا، إلا أنه تحوّل خلال العقود الماضية إلى وصف خصوم محتملين ضد البلاد، يشتغلون لصالح أجندات أجنبية وفق ما يُفهم من هذه الخطابات.

والحقيقة التي لا مرية فيها، أن هذا المصطلح أضحى أحد المصطلحات الذي تتكئ إليها المنظومة السياسية الحالية، في سياق ما تسميه مكافحتها للفساد ومواجهة مختلف أذرعه على نطاق واسع، كما يُستعمل أيضًا في سياق فتح ملفات سياسية واقتصادية قاتمة من بوابة " التخابر" و" الإرهاب"، خلال العقدين الأخيرين من تاريخ الجزائر.

لقد اختار الرئيس تبون هذه المناسبة لتقديم حصيلة منجزات، وإعطاء مقارنة بما ورثه بعد توليه الحكم في نهاية 2019، من حصيلة اقتصادية واجتماعية، ومخلفات الفساد وحجم تداعيات مشاكل ضعف الحِكامة في البلاد، ومن بين تلك العقبات التي تشكل المخاوف "قضية الطابور الخامس" أو " العملاء" والدخلاء الذين " عاثوا في الدنيا فسادًا".

ملفات خطيرة

في الظاهر، لعلّ ما جاء في خطاب الرئيس في الاحتفال بيوم العمال، كان موجهًا لطبقة العمال، والمواطن عمومًا بالدرجة الأولى، إذ حمل رسائل طمأنة للجزائريين، في مقابل ذلك تحذيرات موجهة للخارج أيضًا، خصوصًا وأن ملف " الطابور الخامس" وقع بين أيدي "الأحرار الوطنيين".

 وعرج على مختلف القرارات التي أقبل عليها منذ أول أيام وصوله إلى الحكم، خصوصًا وأن الملفات السياسية الكبرى كان حقلًا ملغمًا، إذ أخذ منه الوقت الكثير في علاقة بتعديل الدستور وإجراء الانتخابات التشريعية والبلدية موازاة مع متابعة ملف قضايا الفساد واسترجاع المال العام المنهوب، ومحاولات البعض في زعزعة استقرار البلاد.

عودة "الطابور الخامس" كأحد المصطلحات المستخدمة من قبل الرئيس تبون في خطابه السياسي، لها ما يبررها واقعيًا وميدانيًا، إذ يدخل، بحسب الباحث في العلوم السياسية عبد الكريم سالمي، في خضم عملية استباقية لما يسمى بـ" تقدير المواقف" تجاه أي حدث أو أيّة معلومات مغلوطة يتم ترويجها بطرق ملتوية، من أجهزة وأشخاص محسوبين على المعارضة في الخارج.

ويفترض الباحث أن السبب الأساسي هو بعض الوقائع السياسية التي قدمت لما تتحدّث عنه السلطة والرئيس شخصيًا نوعًا من الحقيقة في الميدان، وذلك من خلال اثباتات وقائع ارتباط مجموعات مسلحة بالخارج ومجموعات اقتصادية مرتبطة بدوائر بالخارج وبعض حالات الفساد التي مست عديد القطاعات تهدد أمن واستقرار البلاد.

ومن جانب آخر، قال الأستاذ سالمي لـ" الترا جزائر" إن مخاوف السلطة مازالت قائمة في إمكانية استغلال بعض الأفراد لخلق "البلبلة" أو "حالة تشويش" من خلال الوسائط الاجتماعية أو وسائل التواصل الاجتماعي، واستعمالهم في تهدد استقرار الجزائر خاصة خلال هذه الفترة.

وواصل قائلًا إن الفترة الحالية التي تعيشها السلطة السياسية في الجزائر هي "فترة تقييم المُنجزات"، بل " هي حصيلة إيجابية نظرًا لحل بعض المشكلات العالقة لقطاع واسع من الموظفين"، بالإضافة إلى "تحديد واستشراف إتمام المشاريع المتبقية من العهدة الرئاسية للرئيس تبون.

ويلي ذلك، يضيف مسألة "التخطيط لتنظيم المنافسة الانتخابية، في صورة استحقاقات سياسية تتطلب الهدوء"، علاوة على التوجه نحو البحث عن استجابة لتحقيق آمال الشعب الجزائري من جهة، وتمكين الجزائريين من التعرف على مرشحين الرئاسيات للاستمرار في تنفيذ مشاريع بناء الجزائر الجديدة، من جهة أخرى.

في إطار ذي صلة، فإنه لا يمكن أن تستثني مخاوف السلطة من" بقايا العصابة" بحسب المتحدث، إذ تحاول بعض الأطراف دومًا "الاصطياد في المياه العكرة"، كما أن مختلف الإنجازات الاقتصادية المحققة في الفترة الأخيرة والأرقام والإحصائيات والاستجابة لمطالب فئات مختلفة في المجتمع، لا تروق للبعض، بل و" لا يمكن أن تكون إلا مثار أحقاد البعض" واستخدام فئة غير معلنة من "الطابور الخامس" في سياق "تحطيم المنجزات أو التشويش عليها".

سياسيًا، ينتظر أن تنظم الجزائر في الخريف المقبل الاستحقاقات الرئاسية، وهي فترة تتزامن مع الدخول الاجتماعي، إذ ينتظر منها أن تعيد الكثير من الوجوه السياسية إلى واجهة الشأن العام، في صورة تحسن الأوضاع مقارنة لما قبل سنة 2019، فيما تعود عجلة "الطابور الخامس" للدوران في شكل مختلف وصورة مغايرة تمامًا.

وعكس "الطابور الخامس" يستعمل الرئيس تبون كلمتي "الوطنيين الأحرار" الذي وقفوا لجانب الدولة في مشروعها السياسي في بناء المؤسسات وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد، وهنا يقرأ كثيرون خطاب الرئيس بأنه ذو حدين؛ يحمل جانبًا من التحذير وآخر بالاستعداد للثناء والمكافأة، في حين يؤكّد البعض أن تحذيرات الرئيس توحي أن المرحلة الحالية هي فرصة سانحة لـ"بقايا العصابة" من وجوه انطفأ اسمها وخفت صوتها وتوارت بصمتها عن الساحة، للعودة مجددًا بأوجه أخرى.

المواقف والمنجزات

قبيل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية، يتوقع البعض من المتابعين للشأن العام في البلاد، بأن تكون هذه المرحلة "مفصلية" بالنسبة للرئيس تبون، خاصّة وأنه أطلق تصريحات في الكثير من المناسبات، ضد ما أسماها بـ" بقايا العصابة".

وبالرغم من ثقة الرئيس الكبيرة في تجاوز مختلف "القلاقل" يؤكّد الناشط السياسي فريد. علوان أن منجزات المرحلة السابقة المحققة " فعليُا وميدانيا"، لحدّ الآن- وهو ما تستجليه الأرقام والإحصائيات، والمشاريع المنجزة على الأرض خاصة منها الجزائرية مائة بالمائة، ستقلب كفة الميزان، لفائدة تبون، إلا أن المخاوف مازالت تحدق بالجزائريين، لوجود جهات تستخدم "المجموعة- الطابور الخامس- العملاء" لتنفيذ مشروعاتها المسمومة، عبر الورقة الانتخابية للضغط مجددا على الجزائر.

وفي هذا السياق، فسّر الناشط علوان أن من يقصدهم الرئيس تبون، "هم أولئك الذين تعودوا على العمل من وراء الستار"، خاصة مع اقتراب الانتخابات، وتوقعات ترشحه لعهدة رئاسية ثانية، وذلك عبر استغلال أشخاص في الداخل الجزائري يستطيعون بفضلهم خدمة مصالح اقتصادية أو لوبيات المال والأعمال وحتى دول.

ولفت الناشط علوان في تصريح لـ" الترا جزائر" بأنه عقب فترة الحراك الشعبي هناك توجه عام للسلطة السياسية في الجزائر، الرافضة للإملاءات الخارجية، في مقابل انفتاحها على عديد البلدان في الشرق والغرب والجنوب لتحقيق توازن ومن مبدأ نقطة قوة.

"الطابور الخامس" أضحى مصطلحًا تتكئ عليه المنظومة السياسية الحالية، في سياق ما تسميه مكافحتها للفساد ومواجهة مختلف أذرعه على نطاق واسع

وتحسبًا للانتخابات، يرى بأن ترشح الرئيس له ما يبرره، ومخاوفه أيضًا لها ما يبررها على أرض الواقع، خصوصًا وأن تقوية الداخل كان أحد أعمدة الممارسة الميدانية لهرم السلطة في البلاد، وضخ أموال ضخمة لإعادة إطلاق المشروعات وتنفيذها في الميدان.