24-مارس-2024

مواطن جزائري يجلس أمام ملصقات دعائية لمرشحين في انتخابات سابقة (صورة أرشيفية/ رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

منذ الرئاسيات السابقة، تغيرت مواقف عدة أحزاب وشخصيات حول الانتخابات الرئاسية في الجزائر، فكثير منها قبل خمس سنوات اتخذت موقفًا سلبيًا في  الـ 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، ورغم أن هذه الاستحقاقات كانت أهمية بالغة بعد الحراك الشعبي ودورًا بارزًا في التغييرات التي عرفتها مؤسسات الدولة، إلا أن مواقف عديد الأحزاب والشخصيات كانت تحت مسمى المقاطعة، فما الذي تغير اليوم ونحن على بعد بضعة أشهر من استحقاقات مماثلة أعلن عن تنظيمها الرئيس عبد المجيد تبون في الـ 7 أيلول/سبتمبر المقبل؟

تغيرت مواقف أحزاب كثيرة كانت قاطعت الرئاسيات السابقة بحجة أنها لن تضمن نزاهة المنافسة  في ظل استمرار القمع والاعتقالات التي طالت نشطاء من الحراك الشعبي

لا بد من المرور على تلك المتغيرات السياسية والاجتماعية التي عاشتها الجزائر قبل خمس سنوات تقريبًا، وتحديدًا في 2019، إذ جرت الرئاسيات الأخيرة في جو مشحون، بسبب فورة الشعبية في الشارع الجزائري، الذي شهد غلياناً بفعل رفض قطاع واسع من الجزائريين لترشح الرئيس بعد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة.

هذا الحراك دفع بمختلف الفعاليات السياسية من أحزاب وشخصيات وطنية إلى تحسس الموقف الشعبي قبل الذهاب للمشاركة في الانتخابات، في حين رأت مجموعة من الأحزاب والشخصيات أن الترشح هو " فرض" تمليه المصلحة الوطنية آنذاك، ومحاولة صانع القرار السياسي في البلاد إلى الدفع إلى استقرار الدولة وتركيز المؤسسات الناظمة للحكم والداعمة لهذا المسعى، وحلّ الأزمة السياسية التي عاشتها خلال تلك الفترة بعد استقالة الرئيس السابق بوتفليقة.

أطراف رفضت الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، بحجة أنها لن تضمن نزاهة المنافسة الانتخابية، في ظل استمرار القمع والاعتقالات التي طالت نشطاء من الحراك الشعبي. وعليه، قاطعت أحزاب كبرى الانتخابات الرئاسية، وهي حركة مجتمع السلم برئاسة عبد الرزاق مقري سابقًا، وجبهة العدالة والتنمية برئاسة الشيخ عبد الله جاب الله، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية برئاسة محس بلعباس، والحزب الديمقراطي الاجتماعي برئاسة كريم طابو وزبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي.

كما قاطعت عدة وجوه سياسية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، من أمثال رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ووزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ومولود حمروش رئيس الحكومة الأسبق، والتزمت هذه الأحزاب بالاصطفاف مع معسكر الحراك الشعبي ومساندة الشعب وعدم المشاركة في تلك الاستحقاقات

لكن بعد هذه الفترة التي شارفت على الخمس سنوات من عهدة الرئيس عبد المجيد تبون، يبدو أن الكثير من الظروف تغيرت، خاصة منها ما تعلق بعامل الاستقرار الذي تعيشه الجزائر بحسب المنخرطين في العملية السياسية في البلاد، ومنها ما يفيد بضرورة التغيير من داخل المنظومة السياسية والمشاركة في هذا التغيير والإسهام فيه ميدانيا وليس الانصهار في ردود الأفعال فقط وتقدير المواقف.

ظروف ومعطيات

اعتبر متابعون للشأن العام في الجزائر أن المواقف تتغير بناءً على المعطيات التي تعكسها ظروف الشأن السياسي في البلاد، فضلا عن أسباب كثيرة، أدت إلى إعادة قراءة الوضع والتحولات السياسية التي تحكم المشهد العام الحالي.

ومن هذا المنطلق، تتجه حركة مجتمع السلم (تيار إسلامي) بقيادة عبد العالي حساني إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية، دون تحديد نوعية المشاركة إما بالتحالفات أو تقديم أحد فرسان الحركة لخوض غمار المنافسة الانتخابية أو تزكية أحد المترشحين.

واعتبر أن الإعلان عن طريقة المشاركة سابقة لأوانها، إذ قال في تصريحات صحفية بأن موقف الحركة "سيكون مرهونًا بما سيقرره مجلس الشورى الوطني وبعد جملة من اللقاءات التنظيمية والتشاورية القاعدية والمركزية''.

كما دعا حساني إلى "توفير جو انتخابي نزيه لضمان شفافية الانتخابات الرئاسية المقبلة"، وذلك للخروج من " الصورة النمطية الناجمة من الممارسات السلبية السابقة''.

مقاطعة " حمس" لرئاسيات 2019، راجع بالأساس إلى الحراك الشعبي وموقفها الداعم لموقف الشارع، وفي هذا السياق فإن حركة "حمس" تلتجأ دومًا في قراراتها الحاسمة إلى مناقشتها ضمن رأي مجلس الشورى الذي يضم 250 عضواً، والخيار يتم في اقتراع سري عقب مناقشات تستغرق غالبا يومين أو ثلاثة أيام.

واللافت إلى أن رئيس الحركة سبق له أن أجرى لقاءات مع الرئيس تبون في إطار مناقشات القاضي الأول في البلاد مع مختلف الأحزاب السياسية عن الوضع العام الداخلي والخارجي، وهو ما يفسح الطريق أمام حمس لأن تكون حاضرة وفاعلة بقوة في الاستحقاقات المقبلة.

جبهة القوى الاشتراكية (أقدم الأحزاب المعارضة في الجزائر)، بدورها كانت من المقاطعين لانتخابات 2019، ولكنها اليوم باتت ترى في دعم المصلحة الوطنية الخط الناظم للمشروع السياسي فهل يتجه الحزب نحو موقف إيجابي من الانتخابات؟

وبالرغم من أن الحزب لم يبد لحد الساعة قرارا بشأن موقفه من الانتخابات، إلا أن الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، اعتبر أن مشاركة الحزب في المواعيد الانتخابية هي “محاولة لاكتساب مساحات نضالية جديدة من أجل دولة الحق والقانون والترويج لمشروعنا السياسي".

ودعا خلال تصريحات صحفية إلى إرساء علاقة جديدة مع الجزائريات والجزائريين، وذلك بـ"إحداث السلطة قطيعة مع منطق الأبوة والوصاية تجاههم وباحترام حقهم في التعبير، في التنظيم الحر وفي المشاركة عبر ممثليهم الشرعيين في تسيير الشأن العام.

كما عبر القيادي في جبهة القوى الاشتراكية عن الأمل في أن تكون الرئاسيات كمحطة مهمة في الجزائر تمنح شرعية أكبر للمؤسسات وتعبد الطريق للتنمية في شتى المجالات.

من جهتها، أعلنت القاضية السابقة ورئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والترقّي"، زبيدة عسول ترشحها رسميًا لخوض الانتخابات الرئاسية، بالرغم من أنها كانت من قيادات خيار المقاطعة.

وبذلك تحولت كليًا عسول من معسكر المقاطعين إلى المشاركة والترشح، وهذا ما سيمنح المنافسة تنوعا في المنافسين.

على خلاف الأحزاب المذكورة، لم يشذ التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عن قاعدة المقاطعة التي تبناها في الكثير من الاستحقاقات، وإلى حدّ إقرار عكس هذا الموقف الحاد، وهو ما تستبعده الكثير من الأصوات، فإن "الأرسدي" روج في خطابه السياسي بعدم قبوله للعملية السياسية برمتها، ويرى أن الانتخابات مجرد " مسرحية" وهو ما يفيد أن الحزب سيبوح بالمقاطعة ورفضه المشاركة في هذه الانتخابات.

تقوية الجبهة الداخلية

وهنا لا مفر من طرح أسباب دفعت إلى تغيير المواقف، والتي تعود أساسًا إلى حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، وضرورة تعزيز دولة القانون، فضلًا العودة إلى المديان وعدم البقاء في خانة المقاطعة والجمود الحزبي.

ويذهب المحلل السياسي، محمد رابحي إلى القول أن الرئاسيات القادمة ستكون حاسمة للعديد من الأحزاب السياسية وذلك لمعطيات كثيرة أهمها عوامل مرتبطة بالأحزاب نفسها في علاقتها بالقاعدة الشعبية لها.

وفي هذا الطرح، أكد رابحي لـ "الترا جزائر" أن الفرصة اليوم بالدخول في المنافسة الرئاسية والمشاركة فيها سواء من خلال تقديم مرشحين أو دعم مرشح من شأنه أن يعيد للأحزاب حركتها في الساحة بعد الجمود الذي تعيشه في الفترة الأخيرة.

وهذه الحركية -يضيف المتحدث- هي بداية للاستعداد أيضًا لقادم الاستحقاقات التي ستعقب الرئاسيات كتجديد البرلمان في الانتخابات التشريعية وتجديد المجالس المحلية في الانتخابات البلدية والولائية.

التماسك الداخلي

في سياق آخر، ينظر المتابعون للشأن العام في البلاد أن جميع الأحزاب والمكونات السياسية والمدنية من مجتمع مدني في الجزائر، أمام موقف تاريخي في البحث عن "قواسم مشتركة مع جميع القوى السياسية" من أجل دعم أسس الدولة والحفاظ على تماسكها الداخلي.

لأستاذ محمد عرفة لـ" الترا جزائر": مهما كانت توجهات الأحزاب فهناك توافق فيما بينها حول ضرورة التماسك الداخلي

وفي هذا المجال، يقول الباحث في العلاقات الدولية، الأستاذ محمد عرفة لـ" الترا جزائر" أنه مهما كانت توجهات الأحزاب، فهناك عناصر التوافق فيما بينها، حول ضرورة التماسك الداخلي. وفي حين السلطة فرضت خياراتها في التبكير بالرئاسيات، إذ كشفت وكالة الأنباء الجزائرية – على ضرورة تعزيز وحدة وانسجام البلاد داخليًا، برئيس وجيش ومؤسسات بجاهزية لمواجهة الأزمات الخارجية، والتي هي بالفعل على أبوابنا مستهدفة سيادتنا وأمننا”.وهو ما يفسر، صعوبة الوضع الخارجي، وما تحمله المسائل الإقليمية والدولية من توترات، ومخاطرها القائمة تحتاج إلى تقوية الجبهة الداخلية في البلاد.