07-مارس-2024

زبيدة عسول (صورة: فيسبوك)

شكّل إعلان زبيدة عسول رئيسة الاتحاد من أجل التغيير والرقي، الترشح للانتخابات الرئاسية، مفاجأة لكثيرين، بالنظر لمواقف هذه الشخصية المعارضة، الرافضة للانخراط في المسار الانتخابي حتى في فترة ما قبل الحراك الشعبي.

عسّول: لقد جرّبنا المقاطعة، فهل حققت ولو جزءًا بسيطًا من أهم مطالب أغلبية المواطنين؟

ولا تخفي عسول في حديثها مع "الترا جزائر" أن موقف الترشح يعدُّ تغيرًا جوهريًا في نظرة حزبها، لكنها تؤكد أن هذا التطور لم يأت صدفة، فهو نِتاج قراءة عميقة كما تقول، لواقع الحياة السياسية في الجزائر والمتغيرات العديدة التي طرأت على المشهد والتي لم تكن بنفس التأثير في السابق.

بين المشاركة والمقاطعة

تقول القاضية السابقة في ردّها على جدلية المشاركة والمقاطعة: "لقد جرّبنا المقاطعة كغيرنا من الأحزاب، فمنذ اعتماد الاتحاد سنة 2013 لم نُشارك في أية انتخابات، بحيث فضّلنا إعطاء الأولوية للتكوين والعمل الجواري والمساهمة في رفع الوعي العام، من خلال تقديم مقترحات حول الحوكمة في البلاد باقتراح مشروع دستور يضمن الفصل والتوازن الحقيقي بين السلطات وسلطة قضائية مستقلة تضمن حقوق وحريات المواطن". لكن الإشكال، حسبها، أن "السلطة القائمة لم تُعِر أي اهتمام لمقترحاتنا بل استمرت في التعنت والانفراد بالقرار للبقاء في السلطة". 

وجاء بعد ذلك الحراك الشعبي، الذي جعل أن "هناك جزائر ما قبل شباط/فيفري 2019 وأخرى بعده".  وتقول عسول إن "خروج الشعب الجزائري بالملايين في كل مناطق الوطن وفي عواصم كبريات دول العالم بالنسبة لجاليتنا في الخارج أحدث الفرق، حيث طالب لأكثر من سنة وبسلمية برفض الاستبداد واستمرار نظام الحُكم وإقامة دولة القانون والحريات وبقضاء مستقل". 

واليوم في تقييمها، بعد 5 سنوات من هذا الهبة الشعبية السلمية، "نُلاحظ تراجعًا كبيرًا عن حقوق وحريات كنا نعتقد انها من المكتسبات". وتصل عسول في مقاربتها إلى مجموعة من المتغيرات جعلتها تتخذ قرار المشاركة.

متغيّرات ما بعد الحراك

الأول وفق ما تقول، "معاناة المواطنين والمواطنات وعائلاتهم الذين تمت متابعتهم ومحاكمتهم من أجل رأيهم أو في إطار ممارسة عملهم كما هو الشأن بالنسبة للصحفيين والنشطاء السياسيين والجمعويين والنقابيين". 

أما الثاني، "فمعاناة شريحة كبيرة بما فيها جزء كبير من الطبقة المتوسطة من تبعات سياسات التضخم وانعدام الرؤية لسياسة اقتصادية لتنويع الاقتصاد والخروج من حتمية التبعية المزمنة لاقتصاد الريع". ويدخل في خانة ذلك أيضًا "سياسة الإقصاء والتهميش لكل الكفاءات والقدرات الوطنية داخل وخارج الوطن للمساهمة في إخراج البلاد من الوضع المتردي في الحوكمة".

والمتغير الأخير، حسب رأيها، هو "ما يشهده العالم من تحولات وحتى إضرابات تستدعي اعتماد سياسة خارجية تحمي مصالح البلاد مبنية على الحوار وتذليل الصعوبات والخلافات".  فالمخاطر في عالم اليوم -تضيف- حقيقية، لذا يجب أن تكون سياستنا الخارجية تعمل على المساهمة في تحقيق السلم والأمن الدوليين. 

أهمية المشاركة في الرئاسيات

وتنتهي رئيسة الاتحاد من أجل التغيير والرقي في إجابتها بطرح السؤال: لقد جربنا المقاطعة، هل حققت ولو جزءا بسيط من أهم مطالب أغلبية المواطنين؟ وتتولى الإجابة بنفسها بشكل قطعي: "بالتأكيد لا بل فقدنا حتى الجزء المتواضع من الحقوق والحريات". 

لهذا -تقول- "قررنا المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2024 لنجعل منها فرصة لجمع كل المواطنين والمواطنات داخل وخارج الوطن في هبة شعبية وطنية عن طريق الصندوق، في إطار مشروع يحمل أهم تطلعات الشعب المتمثلة في دولة الحقوق والحريات. يكون القضاء المستقل ركيزتها الأساسية ضامنة لكل مواطن ومواطنة حقوقه وواجباته، ليندرج في سياسة تنموية شاملة يكون معيار الكفاءة والاستحقاق هو الفيصل". 

ضمانات الانتخابات

في السنوات الأخيرة، كان حديث المعارضة بمناسبة الانتخابات يتركز دائمًا على مسألة الضمانات الخاصة بنزاهة الانتخابات، فهل تغير الأمر اليوم؟

تجزم عسول في جوابها أن الضمانة الأولى والأهم هي أن "يخرج الشعب الجزائري داخل وخارج الوطن بقوة لاختيار مرشح التغيير الذي طالما نادى به وأن يراقب أصواته حتى ظهور النتائج الأولية".

أما عن الضمانات الأخرى، فتُشير إلى أنها لم تتوقف عن مطالبة الدولة مع العديد من الأحزاب والشخصيات، وما تتمناه اليوم إذا كانت "السلطة القائمة صادقة في مسعاها بتنظيم انتخابات مفتوحة"، هو "ضمان تكافؤ الفرص لكل المرشحين وتساويهم أمام القانون، مع تهيئة مناخ يشجع على منافسة شريفة بين البرامج والرؤى". كما أن إطلاق سراح سجناء الرأي، حسبها،  "سيُساهم دون شك في إضفاء مصداقية على هذه الاستحقاقات، وسيبعث مؤشرًا إيجابيًا يمكن أن نستعيد من خلالها ثقة المواطن والمواطنة وحتى شركاء الجزائر". 

المرشح التوافقي

لكن لماذا تدخل الانتخابات مرشحة منفردة وهي التي ناضلت منذ سنوات في إطار تكتلات سياسية وحزبية، سؤال آخر يطرح نفسه على عسول، فتُجيب: "لم أخفي يوماً طموحي في توحيد صفوف المعارضة، بل لم أدّخر أي جهد من أجل ذلك، فقد شاركت رفقة العديد من الأحزاب السياسية ونشطاء المجتمع المدني والنخب في عدة مبادرات، مثل حركة مواطنة التي كنت ناطقاً رسمياً لها خلال سنة 2018، مبادرة البديل الديمقراطي من 2019-2021."

لتكمل: "أما في 2023، فقد توجّهت بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة لاعتماد الحزب بنداء لكل الطبقة السياسية وكل القوى الحية لنعمل معاً على حد أدنى من نقاط التوافق ونتقدم بمرشح توافقي، لكن لم نتوصل إلى تجسيد هذا الطموح، ولكن أظل أطمح في تحقيق هذا الهدف". 

أولويات البرنامج

ولأن أكثر ما يعلق من الانتخابات الرئاسية، هو ما سيقدمه المرشح من برامج وأفكار وما سيدافع عنه من مشروع مجتمع، تجيب عسول من وحي تجربتها كقاضية ومحامية ورئيسة حزب، أن "حلّ الأزمة السياسية هي الأولوية لأن الانتخابات هي وسيلة وليست غاية، لذلك يفرض الوضع ضرورة الحوار مع كل القوى السياسية لإضفاء الشرعية على المؤسسات".

أما مشروع المجتمع الذي أطمح لتحقيقه -تتابع- فملامحه تقوم على "بناء دولة يعيش فيها كل الجزائريين والجزائريات بحرية دون تمييز في الحقوق والواجبات، دولة تتسع لكل أبنائها وبناتها بكل توجهاتهم السياسية في ظل الاحترام المتبادل وقوانين الجمهورية".