محمد بن جبّار، روائي جزائري فرض اسمه في السنوات الأخيرة كصوت أدبي استطاع أن يؤسّس لرؤية روائية مُختلفة؛ ففي روايته "الحركي"، التي صدرت عام 2017؛ تطرّق إلى قضية الحركي، أي العملاء الذين اختاروا العمل في صفوف الاحتلال الفرنسي. وفي الرواية، منح بن جبّار، لشخصية الحركي، الصوت ليعبّر من خلاله عن موقفه من تاريخ ثورة التحرير وما بعدها.
بن جبار: المثقف في الجزائر لا يعول عليه لأنه قد يكون منخرطًا في عملية الاستفادة من الريع الذي توزعه السلطة ثمنًا للسكوت والانبطاح
وفي روايته الأخيرة "هايدغر في المشفى"، تخيّل مصحة للأمراض العقلية لا تضمّ داخلها إلا أتباع الفيلسوفين مارتن هايدغر وكارل بوبر، فقامت حرب بين الفريقين. وفي هذه الرواية قدم بن جبّار نقدًا لاذعًا للسلطة السياسية في الجزائر.
اقرأ/ي أيضًا: حوار | مسعودة لعريط: خروج المرأة إلى الشارع عزّز دلالات الحِراك
لدى بن جبار رؤية للمثقف الجزائري باعتباره "عاجز عن صناعة التغيير"، بل إن أغلب النخب في رأيه "باتوا يبحثون عن تموقع لهم داخل الحراك بعد أن كانوا جزءًا من النظام". في الحوار التالي الذي خصه لـ"الترا جزائر"، المزيد حول رؤى محمد بن جبار.
- ما هي نظرتك إلى حراك 22 شباط/فبراير؟
غالبًا، عندما أخلد إلى الراحة تنتابني أسئلة أعتقدها في غاية الأهمية: وماذا بعد؟ كيف يكون شكل المستقبل؟ مذاقه ولونه؟ أغلب الذين يتحدثون عن المستقبل، أو الذين يستشرفونه في بيئتنا، يرونه بعيون سوداوية، اعتادوا أن يتحدثوا بهذه الطريقة للظهور بمظهر البراغماتية، وكنت دومًا أعتقد أن بصيرتهم قد يتحقق منها شيئٌ ما.
المثقف، باستثناء المثقف النقدي، لا يعول عليه في مثل هذه المجالات، لأنه قد يكون منخرطًا إلى النخاع في عملية الاستفادة من الريع الذي توزعه السلطة ثمنًا للسكوت أو الانبطاح أو للتعمية وتمييع الواقع. إنهم يلعبون الدور المنوط بهم بطريقة أو بأخرى. وكما يقول عندنا الرجل العادي: "راه خالص عليها".
وبمثل هؤلاء لا يمكن استشراف المستقبل أو تغذية وعي الأشخاص، فهم حتى لا ينبهون المجتمع للتحولات المقبلة، ولا يساهمون في التحول السلس، فباستثناء بعض السوسيولوجيين والروائيين القلائل، لم نر قراءة مستقبلية للمجتمع الجزائري، ولو أن التنبؤ يبقى أمرًا في منتهى التعقيد.
- هناك نقاش دائر اليوم في بعض الجرائد الوطنية عن دور المثقف في عمليات التحوّل التاريخية، كيف تقرأ هذا النقاش؟ ألا تظنّ أنّ الوقت قد فات لفتح نقاشات كان يمكن طرحها في أوقات سابقة؟
لذلك نقول إن فتح النقاشات حول دور المثقف في عمليات التحول على ضوء الراهن الجزائري، يحمل الكثير من المغالطة، فببساطة لا دور له في المجتمع الحالي، وقد تجاوزته الأحداث، كما حدث أثناء الثورة التحريرية، حيث كان المثقفون يعقدون اجتماعاتهم تحت حماية البوليس الفرنسي. يمكن مراجعة مبيعات الكتب ونسب المقروئية لتعرف أن المجتمع تجاوز تلك الجماعات التي تسمي نفسها النخبة.
- وماذا عن موقع المثقف من الحراك الشعبي؟
تقريبًا لا نجد أي مبادرة أو استشراف أو مرافقة، ما أن بدأ الحراك، بدأوا يبحثون عن مواقع لهم وقد انتابهم الذعر، وخاصة أولئك الذين لهم موطأ قدم في الوزارات والمصالح والنسب المئوية المضمونة على الطريقة المافوية.
الحراك تجاوز المثقفين. ويمكن أن نقرأ هذا من منطلق أن المجتمع لا يرى أي بادرة خير منهم، كما أن المثقفين ما زالوا أسرى النرجسية و"التكعرير".
- في أعمالك الروائية، لاسيما روايتك الأخيرة "هايدغر في المشفى" نجد نقدًا لاذعًا للسلطة في الجزائر، وأنت في رواياتك تلك استطعت أن تعبر إلى منطقة الاستشراف بما سيقع مستقبلًا. استنادا إلى هذا، ما الذي يجعل الرواية قادرة على رؤية المستقبل؟
بعد صدور رواية "هايدغر في المشفى"، في تشرين الأول/أكتوبر 2018، وخلال حديثي مع أصدقائي، قلت لهم إنني أرى أن النظام يسقط سقوطًا مدويًا. كانوا يرون في حديثي لهم مجرد "Buzz" أو محاولة للدعاية الرخيصة.
ولكن هناك الكثير من القراء اتصلوا بي لأجل إبلاغي أن بعض النبوءات التي جاءت بها الرواية تحققت على أرض الواقع. كان هذا مبعث فخر لي، وقد سعدت كثيرًا بذلك، ما جعلني أندمج مع الحراك، وأقرأ الكثير من الأشياء عجز البعض عن قراءتها.
بن جبّار: تجاوز الحراك المثقفين. ويمكن قراءة هذا من منطلق أن المجتمع لا يرى أي بادرة خير منهم. كما أنهم أسرى للنرجسية
وأكثر من ذلك، خشيت أن تنحرف الأمور عن هدفها، وعن سلميتها، مازلت أشد يدي على قلبي، رغم أن الأمور ستنفلت في النهاية، وفي آخر المطاف يعود النصر للشعب.
اقرأ/ي أيضًا:
حوار | نصيرة محمدي: ولّد الحراك الشعبي سلوكًا تحرريًا
حوار | الهادي بوذيب: العقل الجزائري تشكّل في سياق المقاومة ورفض الإذلال