12-أبريل-2019

الأستاذة الجامعة والباحثة والمؤلفة في النقد والأدب، مسعودة لعريط (فيسبوك)

مسعودة لعريط، أستاذة التعليم العالي بجامعة تيزي وزو، وباحثة مهتمة بالشأن الأدبي والنقدي وبأسئلة المرأة في الثقافة. لها العديد من المؤلفات في النقد والأدب، مع اهتمام كبير بقضايا المرأة ثقافيًا واجتماعيًا.

مسعودة لعريط: ينبغي على الحراك أن يتجاوز الطابع العفوي، ويفكر في وضع هيكلة للطاقات الفاعلة فيه، ورسم خطة عمل واضحة

في هذا الحوار الذي أجراه "الترا جزائر"، تحدثت لعريط عن دور المرأة في الحراك الشعبي، وهو ما يشكل مساهمة طبيعية منها، كون المرأة الجزائرية لم تتخلّف عن المساهمة الوطنية منذ ثورة التحرير.

  • كيف تقرئين الحراك الشعبي اليوم؟

انطلق الحراك الشعبي في الجزائر بصفة علنية وقوية يوم 22 شباط/فبراير 2019 مطالبًا برحيل عبد العزيز بوتفليقة ونظامه الفاسد الذي عبث طويلًا بمصير البلاد والعباد. وفي غضون شهر ونصف من الإصرار على مطلبه السياسي الموحد تمكن من تحقيق انتصاره الأولي وترحيل بوتفليقة،  الذي قدم استقالته بعد  استماتة كبيرة ومناورات عديدة، حاول من خلالها تمديد عهدته الرابعة.

اقرأ/ي أيضًا: حوار | الهادي بوذيب: العقل الجزائري تشكّل في سياق المقاومة ورفض الإذلال

وجاءت استقالة بوتفليقة بعد تنحية أحمد أويحيى وتنصيب نور الدين بدوي وتشكيل حكومة تصريف أعمال، في خطوة استباقية دُبرت بخبث. وكانت بمثابة خارطة طريق ملغمة تهدف إلى اغتيال الحراك وتعقيد الوضع سياسيًا والدفع بالجزائر إلى أفق مجهول ومسدود وخطير.

مسعودة لعريط
لعريط: أثق في قدرة الحراك على التصدي لمناورات تكسيره والالتفاف عليه

والآن وبعد أن تم تفعيل المادة 102، وإعلان شغور منصب الرئيس واستخلاف رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، حسب ما ينص عليه الدستور؛ نلاحظ أن الأمور بلغت درجة كبيرة من التأزم، ذلك أن الحراك الشعبي يرفض تمامًا هذا الشخص البوتفليقي.

كما أنه يرفض أيضًا بدوي وحكومته وبلعيز والمجلس الدستوري برمته. فالحراك يبدو متشبثًا بمطلبه الأول المتمثل في إسقاط النظام بصفة جذرية، وهو مدرك تمامًا أنه الآن في منتصف الطريق، وقد بدأ يلمح في الأفق نقاط الضوء الأولى. 

ومثلما تجاوز فخ الجهوية والعرقية والنوعية (الجنسية) في الشهر الأول والثاني من انطلاقه، وكما تمكن من إلغاء العهدة الخامسة والتمديد وأسقط بوتفليقة وغيره من وجوه النظام؛ أثق في أنه قادر على أن يتصدى لكل مناورة تحاول تكسيره والالتفاف عليه.

غير أنه وبالنظر للعديد من المعطيات الجديدة التي لم تعد في صالح الحراك، ينبغي تجاوز الطابع العفوي، والتفكير في وضع هيكلة للطاقات الشبابية الفاعلة فيه، ورسم خطة عمل واضحة ومحددة تكون بمثابة خارطة طريق مضادة. نعم أعتقد أن الوقت قد حان ليحدد الحراك من يمثله من بين الكفاءات الموجودة في صفوفه حتى يتمكن من مواصلة الدرب الطويل والصعب إلى جمهورية شعبية ديمقراطية قوامها القانون والعدالة الاجتماعية.

  • حضور المرأة كان ملفتًا للانتباه طيلة مسيرات الحراك. كيف تتصورين دور المرأة اليوم في صناعة التغيير؟

 إن حضور المرأة في مسيرات ومظاهرات الحراك كان لافتًا جدًا، غير أنه لم يكن مفاجئًا على الإطلاق، فالمرأة الجزائرية اليوم موجودة بنسب عالية في مختلف قطاعات العمل وعلى كل المستويات، والجامعة الجزائرية أبرز مثال على ذلك، إذ تسجل حاليًا أرقامًا قياسية للطالبات، تتجاوز نسبة الطلاب، لاسيما في تخصصات اللغات والآداب والعلوم الإنسانية.

كما أن خروج المرأة للفضاء العام لأداء عملها وقضاء حوائجها لم يعد يطرح إشكالًا إلا نادرًا في بعض مناطق الظل المعزولة. بل أكثر من ذلك، تعتبر مشاركة المرأة في الحراك أمرًا مستحسنًا في نظر الرجل، لارتباط النضال من أجل الوطن في الذهنية الجزائرية بالمرأة المجاهدة التي قاومت الاستعمار من أجل الكرامة والاستقلال على مر تاريخ الجزائر، من ديهيا وفاطمة نسومر إلى فضيلة سعدان وجميلة بوحيرد وغيرهن.

مسعودة لعريط
مسعودة لعريط في إحدى مسيرات الحراك

بناءً على ذلك، فإن هذا الحراك الذي فجر طاقات الإبداع والجمال والقيم عند الشباب الجزائري، ينبغي أن تستلهمه المرأة لتذهب إلى آفاق أرحب على مستوى الحقوق الفردية، وحقوق الإنسان بصفة عامة، بحسب تموقعها داخل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسة وغيرها، وذلك ليس فقط بالمطالبة وانتظار مجيء التغيير من الخارج أو من الأعلى، إنما من خلال العمل على تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية كممارسة فعلية تتجسد عبر المشاركة في الأدوار التي مازالت تسجل على صعيدها نسبًا محتشمة.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن ننتبه إلى أن نضال المرأة من أجل تغيير وضعها إلى الأفضل، سيؤدي بالضرورة إلى إحداث نقلة نوعية للمجتمع ككل.

  • ما رأيك في صعود التيار النسوي في هذه المسيرات؟ هل هو الوقت المناسب لنطرح اليوم قضايا المرأة وحقوقها؟

إن ما حدت في المظاهرة السابعة بالعاصمة من اعتداءات وعنف لفظي في حق بعض المتظاهرات النسويات اللواتي رفعن لافتات تطالب بحقوق المرأة، هو نوع من العصاب الأصولي ولا يمكن تفسيره، في نظري، إلا ضمن  سياق فشل النظام الجزائري في إرساء دولة حقوق الإنسان ودولة القانون وخلق مجتمع مدني مبني على التعددية والاختلاف.

ولا يخفى أن هذا النظام عمل على تكريس الخطابات الإعلامية الهشة التي تحاول إعادة المرأة الجزائرية التي تشكل أكثر من 50% من المجتمع إلى دوائرها المغلقة، لكي يضمن استلاب حقوقها في العمل وفي السكن ويتخلص بذلك من عبأها. 

إنّ خروج المرأة في هذه المسيرات بكثافة، وأخذها مساحة معتبرة في فضاء الشارع، يُعد عاملًا معززًا لدلالات منطلق الحراك. فضلًا عن ذلك، فإن الحضور النسائي أضفى جوًا عائليًا مليئًا بالتضامن والتفاؤل، فانكسر الخوف وسقطت الحواجز التي خلقتها الحقب الصعبة السابقة، ما سمح بالالتقاء والتقارب واكتشاف المشترك من هموم وأحلام وتطلعات ومصير.

ومن تم فإن صعود التيار النسوي في هذه المسيرات، ومطالبته بحقوق المرأة، هو من صميم معركة الحراك الذي يطالب بالحرية والعدل والمساواة الاجتماعية؛ فالمعركة واحدة والحريات لا تقبل التجزئة والإرجاء.

مسعودة لعريط
لعريط: يشهد التاريخ أن النسويات على مستوى العالم كن في مقدمات حركات التغيير

وفي هذا السياق  يشهد التاريخ أن النسويات على مستوى العالم كنّ في مقدمة الحركات المعادية للأصولية والديكتاتورية، وكمثال على ذلك يمكن أن نذكر بهذا الصدد المعارضات الإيرانيات اللواتي لعبن دورًا نشطا في المظاهرات ضد نظام الشاه عام 1979، وضد السياسات المعادية للمرأة لنظام الحكم الأصولي الذي خلف الشاه. واستولت 15 ألف امرأة على قصر العدالة، مطالبات بحقوقهن. 

وهنالك كذلك "الماريات الثلاث" في البرتغال، اللواتي قدمن للمحاكمة عام 1973 بسبب كتابهن الذي يكشف محنة نظام الحكم العسكري الكهنوتي. وفي جنوب أفريقيا قاومت النساء، وواجهن التقسيمات العرقية بين الرجال والنساء التي خلقها نظام الأبرتهايد.

وفي الجزائر، وضمن هذا الحراك السلمي الحضاري، الذي نال إعجاب وتقدير المجتمع الدولي، على الأجيال الجديدة اليوم ألا تقع في شراك التفرقة الجنسية، لأن الذهاب إلى تأسيس جمهورية شعبية ديمقراطية مدنية لا يمكن أن يقوم إلاّ على أساس المساواة والعدل بين أفراد المجتمع، رجالًا ونساء.

  • بوصفك أكاديمية، ما هو الدور الذي يجب أن تضطلع به الجامعة في مشروع بناء مجتمع جديد؟

رأينا ومازلنا نرى، منذ بداية الحراك، تصدر الطلبة وعدد من الأساتذة مقدمة المسيرات والمظاهرات في كل أنحاء الوطن، ويمكن القول إن الجامعة كانت منطلقًا أساسيًا للحراك، الأمر الذي جعل وزير التعليم يصدر قرارًا بتقديم تاريخ العطلة الربيعية، وتمديدها إلى 25 يومًا بغرض عرقلة مشاركتها في الحراك، لكن ذلك أدى إلى نتيجة عكسية تمامًا، ما يؤكد أن الجامعة هي الفضاء الأول المسؤول عن بلورة وصقل الوعي لذا الأجيال الصاعدة.

الجامعة الجزائرية
عرف الحراك الشعبي حضورًا مؤثرًا للجامعة الجزائرية طلبة وأساتذة

و باعتباري أستاذة جامعية مندمجة فكريًا وميدانيًا في هذا الحراك الشعبي الكبير الطامح إلى إقامة جمهورية ديمقراطية مدنية، أرى أن الجامعة بمختلف تخصصاتها وشعبها وكلياتها من شأنها ومن واجبها أن تخلق حراكًا علميًا موازيًا ومستمرًا من خلال إقامة ندوات ومحاضرات وملتقيات تتمحور كلها حول مشروع بناء مجتمع جديد من منظورات اجتماعية ولغوية وثقافية وسياسية وتخطيطية وهندسية وبيئية وحقوقية، وغيرها.

ذلك أن بناء مشروع مجتمع جديد، هو في الحقيقة ليس بالأمر السهل الذي يمكن أن ينجز فقط بمجرد قرار سياسي، إنما هو بالأساس اشتغال حثيث وطويل على مستوى الذهنيات والسلوكيات الفردية والجماعية في الأسرة وفي الشارع وفي كل المؤسسات.

مسعودة لعريط: أرى أن الجامعة الجزائرية من واجبها أن تخلق حراكًا علميًا مستمرًا، موازيًا للحراك السياسي والحقوقي

إنّ الانتقال من الأحادية إلى التعددية، ومن الإقصاء إلى الشراكة، والتحول من مبدأ التنصيب إلى مبدأ الانتخاب، والذهاب من الفوضى إلى دولة القانون؛ كل ذلك لا يتأتى إلا بالاشتغال على الذات أولًا في حوارها مع الذات ومع الآخر، وفي الممارسة اليومية التي تقطع مع المنظومة الديكتاتورية التجهيلية. من هنا يبدأ مسار التحول الفعلي والارتقاء بإنسانية الفرد الجزائري وتحقيق الحلم بمجتمع جديد.

 

اقرأ/ي أيضًا: