نصيرة محمدي، الشاعرة الجزائرية، التي عرفت كلمات أشعارها بعنفوانها الثوري، ورعفت هي بصوتها جهوري الصدى، أنوثي الهوية، التي تدافع عنها وسط "الطغيان الذكوري".
نصيرة محمدي: تجاوز الحراك الشعبي الصراعات الجهوية والخصومات الهوياتية، والتحم مع مسائل كانت معلقة لعقود
كانت نصيرة محمدي من بين النخبة المثقفة التي تفاعلت بقوة مع الحراك الشعبي، وعرفت إلى قوتها، بالموقف الواضح غير الملتبس.
اقرأ/ي أيضًا: حوار | مسعودة لعريط: خروج المرأة إلى الشارع عزّز دلالات الحِراك
التقى "الترا جزائر" بمحمدي، وأجرى معها هذا الحوار لاستشفاف رؤيتها للانتفاضة الجزائرية، وموقفها كإنسانة وشاعرة، وكممثلة للنخبة الجزائرية، من الحراك الذي كان وقوده الشباب.
- هل كان هذا الحراك متوقعًا بالنسبة لكِ؟
نعم، خاصة بعد انهيار المؤسسات وغياب النخبة وتجاوز إحباطات العشرية السوداء. لكنها مع ذلك جاءت كصدمة، صدمة كنا ننتظرها.
- بالنسبة لنصيرة محمدية، كمواطنة جزائرية، وكشاعرة أيضًا، كيف رأت الحراك؟
هذا الحراك المندفع من المجهول يضغط دمي. لقد تجاوزنا فيه الكل: تجاوز الصراع الجهوي، والخصومات الهوياتية، والكثير من المسائل التي كانت معلقة، وكان ينبغي الحسم فيها لتأسيس البلاد، التحم معها الحراك.
يعيد هذا الحراك فتح جراح الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 1988، حيث الآلام التي لم ننساها، واغتيال الوعي في مهده، وكل الرهانات التي قتلت في هذا الوطن.
لذا فإن هذه الانتفاضة السلمية، هي الأمل الجديد بعد عقود هضمت الحقوق، وضييقت على الحريات في الإعلام والكتابة، واحتكرت الفضاءات. وفي المقابل، كان هناك شباب يتشكل بوعيه في العالم الرقمي، لم نكن نستمع له. وعيه هذا هو الذي كسر الجمود، وقد تشكل في الهامش بعيدًا عن النخبة.
- كيف يعمل الشعر على توثيق اللحظات التاريخية في حياة الشعوب؟
الشاعر يتأمل التجربة، وقد لا يكتبها في حينها. فإلى غاية هذه اللحظة لم أكتب إلا نصًا واحدًا منذ الحراك، لكني واقعة في حالة من التأمل والحلم بعيدة عن اليأس وفقدان للمعنى، أعيد إلى ذاكرتي الراحل طاهر وطار، والراحل يوسف سبتي الذي اغتال، وأعيد إلى المشهد الرموز الشعرية الجزائرية، مثل بختي بن عودة الشاب الذي أثار الأسئلة الثورية والنص المختلف عن الأجيال المقيدة بالأيديولوجية.
إن الفن، بما فيه الكتابة والشعر، هو ضرورة في حياتنا اليومية. أؤمن بقدرة الشعر والكتابة على التفكير وصياغة الأسئلة المهمة. ويبقى الشعراء حراسًا للمعنى ولخلق لغة مغايرة مختلفة تبني شعرية جديدة، وتنخرط في الهم العام بتداخل الهم الداخلي مع الجماعي.
الشعر المتأمل يغير الذهنيات، واللغة تتطور ببطء لتطرح أسئلة الوطن، والحب، والثورة، وتأخذ الوقت وعامل الزمن في الاعتبار، فالشعر يستشرف المستقبل عبر ومضات.
- ما هي الحدود بين الشاعر والسياسي في رؤية الأحداث؟
الشاعر يصنع المستقبل بشعره لأنه يتضمن الجمال، فهو أقوى من السياسي لأنه، أي الشعر، يمتلك عناصر الديمومة. إذًا يذهب السياسي ويبقى الشاعر.
الشعراء ممتدون زمنيًا ومكانيًا في المستقبل: ناظم حكمت، ومحمود درويش، وبابلو نيرودا، وغيرهم. الشاعر يحافظ على نقاء وصفاء القضية من التلوث السياسي. الشاعر يتوجه إلى ذاته ويتخلص من ثقل السياسي وسطحيته.
والشاعر الذي ينتمي للغة والجمال، يتعين عليه الانتماء للجميع بعمق وشفافية وبرسالة نبيلة. فالشاعر مرتبط بالحقيقة والقيم الخالدة والإنسانية.
- كيف ترين المستقبل لانتفاضة الحراك الشعبي؟
نحن أمام أنساق متعددة وخطيرة. لكن ستنتصر الكلمة وسينتصر العقل والفكر الحر، ولن يكون هناك فكر دون حرية. نحن نتحرر من الداخل، ويترجم تحررنا هذا في الخارج من خلال ما نكتبه وما نفكر فيه.
سيولد، بل ولّد الحراك سلوكًا متحررًا من ترسانة العقد والتنميط. سنمتلك مصيرنا، كما اتملكنا الشارع، والتجربة هي التي تصنع الإنسان، وشعوره بقوته هي التي تحرره.
- أنت متفائلة؟!
متفائلة جدًا، فالشباب اليوم قادر على استيعاب وضعه وقدره. لابد من العمل على وضع منظومات معرفية وجسور حوار، وتأسيس للانفتاح على جميع الحسابات.
على المثقف التحرر من التبعية للسياسي، والتخلص من الانتهازية، والعمل على طرح بدائل ومشاريع مبنية على الحوار والعدالة
لكن على النخبة أيضًا دور، لتنفذ هذا التفاؤل للواقع، فعلى المثقف والكاتب، التحرر من عقدة التبعية للسياسي، والتخلص من الانتهازية والوصولية والعمل على طرح بدائل ومشاريع مبنية على الحوار والعدالة والديمقراطية.
اقرأ/ي أيضًا:
حوار | الهادي بوذيب: العقل الجزائري تشكّل في سياق المقاومة ورفض الإذلال
حوار| سمير بلكفيف: الحراك الجزائري خلق فرصة لاستعمال العقل السياسي بشجاعة