يبدو أن الأحداث السياسية في الجزائر، غطّت على الأحاديث والنقاشات التي كانت تُثار في هذه الفترة من كل سنة حول الأعمال التلفزيونية الخاصّة بشهر رمضان، إذ توجهّت الأنظار إلى بلاتوهات الأخبار والبرامج السياسية والجدالات الفكرية، ولم يعد الإعلان عن الشبكة البرامجية الرمضانية شيئًا يحظى باهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي.
غطت الأحداث السياسية الراهنة على النقاشات التي كانت تثار هذه الفترة من كل عام حول الأعمال التلفزيونية الرمضانية
في مثل هذا الوقت من السنّة الماضية، كان الإعلان عن الشبكة البرامجية على القنوات الخاصّة، يشغل المساحة الأوفر من الإعلانات، إذ تضمّنت هذه "البروموهات"، عددًا من المسلسلات الدرامية المحليّة والمدبلجة، وبرامج "السيت كوم" و"الكاميرا الخفية" إلى جانب البرامج الدينية.
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. فوضى البرامج في رمضان
بين السياسة والفن
رغم أن الوضع السياسي في الجزائر كان مستقرًّا نسبيًا العام الماضي ولم يشهد توتّرات كالتي تعرفها البلاد اليوم، إلا أن بعض الأعمال التلفزيونية الخاصّة بالشبكة البرامجية في رمضان، لم تسلمْ من المصادرة والتوقيف، إذ مَنعت السلطة قناة الشروق الجزائرية من إكمال تصوير مسلسلي "تلك الأيام" و"الرايس قورصو"، لأسباب تبيّن فيما بعد أنها سياسية، إذ حامت شكوك السلطة حول مساسها بشخص رئيس الجمهورية بحسب ما أعلن عنه مدير القناة في وقت لاحق.
مرّة أخرى يتأثّر الفن بالتجاذبات السياسية؛ فالأعمال الفنيّة الممنوعة من البث بالأمس، تم إطلاق سراحها هذه السنة بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولكن عودتها شهدت معركة من نوع آخر بين قناتين خاصّتين، حول حقوق ملكيتهما الفكرية.
أعمال قديمة جديدة
في العام الماضي، أعلنت قناة الشروق الجزائرية عن شبكتها البرامجية الرمضانية، ووعدت جمهورها بـ"أعمال درامية ضخمة"، وكان من بين تلك الأعمال "الرايس قورصو" و"تلك الأيام".
بالنسبة للسلسلة الكوميدية "الرايس قورصو"، فهو عمل مقتبس من رواية "الكونت دي مونت كريتسو" للروائي ألكسندر دوما، حظيت بإخراج تونسي مصري مشترك. وأعلنت القناة أنه سيكون "مفاجأة" الموسم، وأن العمل تمّ تصويره في استوديوهات مسلسل "حريم السلطان" التركي الشهير. أمّا "تلك الأيّام" فهو مسلسل درامي تدور وقائعه حول العشرية السوداء في الجزائر وتتناول قصّصًا حول التطرّف الديني والإرهاب.
بعد سنة كاملة، عادت قناة الشروق لتُعلن عن شبكتها البرامجية لشهر رمضان القادم، وإطلاق سراح الأعمال المتوقّفة، وقامت ببث إعلانات لعدد من الأعمال الكوميدية والدرامية من بينها تلك الأعمال "الرايس قورصو"، و"دقيوس ومقيوس" و"مشاعر".
ما حدث بعدها، هو أن وجهة بث هذه الأعمال تغيّرت لصالح قناة النهار التي أعلنت "فجأة" بأنها مالكة حقوق بث هذه الأعمال، وبأنها ستعرضها على شبكتها البرامجية بعد أيّام قليلة.
حرب تصريحات
بعد تصريحات قناة النهار الجزائرية، دخلت القناتان في حرب تصريحات، تهدّد فيها إحداهما الأخرى باللجوء إلى القضاء، وتتسابق كل واحدة منهما إلى إثبات ملكيتها للأعمال التلفزيونية .
في اليوم التالي، وبالتحديد في 14 نسيان/ أبريل الماضي، تصدّر الجريدة التابعة للقناة عنوان "مؤامرة دولية تنتهي بسرقة مسلسلات مملوكة للشروق"، وجاء في المقال حديث عن "الاستيلاء على أعمال تلفزيونية من طرف من أوكلت له مسؤولية تسيير إنتاج هذه الأعمال ومتابعتها في الداخل والخارج".
في المقابل، نُشر مقال على جريدة النهار التابعة لمؤسّسة القناة نفسها، بعنوان "الرايس قورصو ودقيوس ومقيوس على شاشة النهار خلال رمضان"، تُعلن فيه ملكيتها للأعمال، وتفاصيل شرائها لحقوق ملكيتها.
لم يقتصر هذا سجال على تصريحات القناتين، بل دخل بعض الممثلين وكتاب السيناريو والمخرجين على خط المواجهة، وحاول كل واحد منهم الانتصار لأحد الأطراف المتخاصمة.
فنانون على الخط
بالنسبة للمسلسل الكوميدي "الرايس قورصو"، ظهر البودكاستر أنس تينا في تسجيل مصوّر على مواقع التواصل الاجتماعي، وادعى من جهته أنه صاحب السيناريو، وأنه قناة النهار قامت بالسطو على مجهوده، وهدّد بتسريب تفاصيل العمل المكتوب قبل بثه على القناة.
مباشرة بعد هذا التصريح، خرج المخرج المصري عادل أديب الذي أشرف على إخراج "الرايس قورصو"عن صمته، وشرح تفاصيل بيع العمل لشركة أخرى بسبب تأخّر صاحب قناة الشروق عن دفع المستحقات المالية، على حدّ قوله.
ومن جهتها قامت جريدة النهار بنشر وثائق تفنّد فيها ما ذهب إليه الفنان أنس تينا بشأن كتابته للسناريو، وأكدّت أن صاحب السيناريو هو الكاتب المصري وائل محمد عبد الحميد محمد.
أما بالنسبة لعمل "دقيوس ومقيوس"، الذي بثّ الجزء الأوّل منه على قناة الشروق، فخرج الممثلان نبيل عسلي ونسيم حدوش، اللذان قاما بإنتاج العمل، ببيان مشترك، شرحا فيه موقفهما من تنازلهما عن العمل لصالح القناة المنافسة، وأكّدا أنهما لم يتلقيّا مستحقاتهما المالية، على حدّ قولهما.
إنتاجات تلفزيونية شحيحة
رغم أن الإنتاج التلفزيوني في الجزائر كان شحيحًا هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية حسب ما أُعلن عنه لحدّ الآن، إلا أن الصراع كان حادًا، وتشهد القنوات الخاصّة في هذه الفترة من كل عام، منافسة كبيرة على شراء ّأو إنتاج أعمال فنية خاصّة بهذا الشهر، للظفر بالحصّة بأكبر عدد من المتعاملين في مجال الإشهار.
وإن كانت الأسباب السياسية في البداية، هي من أدّت إلى توقّف عدد من الأعمال الفنية، فإنه سرعان ما تحوّل الصراع "الفني" حول ملكية هذه الأعمال التلفزيونية بين القنوات التلفزيونية، إلى صراع سياسي مرّة أخرى، إذ قامت كل من القناتين بتوظيف الخلفية السياسية للصراع، وتقاذفا الاتهامات بالتواطؤ مع نظام بوتفليقة السابق.
"العصابة" مجدّدًا
في مقال نشرته جريدة الشروق قبل أسبوعين، اتهمت فيه صاحب القناة المنافسة بـ"بالتحرّك ضدّها بتحريض من بقايا العصابة التي ساهمت الشروق في إسقاطها" على حدّ تعبيرها، في مقابل ذلك قالت جريدة النهار في تحذير لها نُشر على صفحتها، إن منافستها "بدّدت أموالًا عمومية" بسبب ما وصفته بـ"العصابة البائدة"، وهو ما يُشير بأن الصراع بدأ سياسيًا وانتهى سياسًا كذلك.
وفي مجال السياسة أيضًا، يبدو أن المسلسل الكوميدي "دقيوس ومقيوس"، الذي عالج مواضيع اجتماعية في الجزائر، مثل الهجرة غير الشرعية وحقوق المرأة والبطالة، يبدو أنه سيتناول قضايا سياسية، كما يكشف الفيديو الدعائي الذي أعلن على صفحتهم الرسمية، وسيواكب هذه السنة الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
بعيدًا عن الأجواء المشحونة بين السياسة والفن، ظهرت إعلانات لافتة لبروموهات، تنبئ بوجود أعمال جادة ستعرض على الفضائيات الجزائرية
بعيدًا عن الأجواء المشحونة بين السياسة والفن، ظهرت إعلانات لافتة لبعض "البروموهات" التي تنبئ بوجود أعمال جادة، قد تلفت انتباه الجمهور في قادم الأيّام، منها سلسلة "بوبالطو" من نوع الفنتازيا، وهي ما أعلنت عنها قناة نوميديا الجزائرية مؤخّرًا، إلى جانب السلسلة الفكاهية "بلا حدود" والمسلسل السوري "ورد أسود" من إخراج سمير حسين، اللذان سيُعرضان على قناة الشروق العامة.
اقرأ/ي أيضًا: