20-أبريل-2019

عرى الحراك الشعبي المنظومة الإعلامية الجزائرية (تعبيرية/ ياسين بوعزيز)

كسبت الجزائر خلال ربع قرن من الزمن، مساحة من حرية التعبير والصحافة والإعلام عمومًا، وذلك منذ قانون 1989 الذي فتح المجال أمام الممارسة الإعلامية للصحف الخاصة، التي ولدت بدورها من رحم الصحف العمومية. 

عرى الحراك الشعبي الساحة الإعلامية الجزائرية التي كانت تتناول المشاكل قبله بنظرة أحادية، وتسوق لأجهزة النظام

وهو مكسب بات على مرّ السنوات الماضية في اتساع حينًا وتراجع أحيانًا كثيرة أخرى، خصوصًا مع التطرق للقضايا الكبرى المرتبطة بالشقّ الأمني في سنوات الأزمة الأمنية، ومع المسائل المتعلقة بالمجال السياسي منذ مجئ الرئيس الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة في 1999.

اقرأ/ي أيضًا: الأخبار الكاذبة.. سيف على رقبة الحراك الشعبي

وعرف الإعلام الجزائري انفتاحًا "ظاهريًا" غير مسبوق، في فترة ما تسمى بثورات الربيع العربي، التي ربحت الجزائر معها معركة فتح قطاع السمعي البصري. غير أن هذه القنوات الخاصة "ولدت هجينة"، كما يقول الباحث في علم الاجتماع الإعلامي نور الدين بن ققة، كونها تمارس مهامها في ظل قوانين مبهمة. 

تيه إعلامي

وفقًا للباحث الإعلامي نور الدين بن ققة، في حديث مع "الترا جزائر"، فإن المكسب الإعلامي من الحرية أصبح مهددًا في الجزائر بسبب "التيه الإعلامي داخل المؤسسات في نشر الأخبار دون التثبت من مصادرها أو باستعمال مصادر مجهلة، أو بث أخبار بلا مصدر، وأحيانًا يأتي التثبت بعد النشر".

تراجعت الجزائر 5 نقاط في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2019

يجعل هذا من المعلومات والأخبار "حمالة أوجه عديدة من التفاسير والتأويلات"، يقول بن ققة، مضيفًا: "خاصة إذا كانت معلومات تقوم مواقع التواصل الاجتماعي بتداولها، ما يخلق حالة من الفوضى في المعلومة".

هذا وعرفت الجزائر نقاط ظلام في تعاطي الإعلام مع مجريات الحراك الشعبي، لذا فإن بن ققة، يعتبر أن الحراك الشعبي "عرى الساحة الإعلامية الجزائرية"، والتي كانت مهتمة قبل 22 شباط/فبراير بتناول المشاكل من زاوية أحادية النظرة، وتعمل على "التسويق لأجهزة النظام"، على قول بن ققة.

من جانبه، لاحظ الأستاذ الباحث في الإعلام توفيق ذباح، أن الحراك الشعبي أحدث منافسة وصفها بـ"غير شريفة" بين القنوات الخاصة والعمومية، "وذلك كله على حساب المهنية وصدقية الأخبار"، على حد تعبيره.

ودعا ذباح، في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى "ضرورة تحرك سلطة السمعي البصري في هذا الوقت بالذات، لوقف بعض الممارسات التي باتت تشوه المعلومات، وتخلق فوضى غير أخلاقية، ذهب بعضها حتى إلى ترهيب المواطنين من خلال بث أخبار عاجلة كاذبة". 

خسارة بعد فوز

احتلت الجزائر عربيًا المرتبة 141 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الأخير لعام 2019 الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود، وبذلك تكون الجزائر قد تراجعت خمس نقاط عن العام الماضي.

تقول الإعلامية صوراية بوعمامة لـ"الترا جزائر"، إن قطاع الإعلام في الجزائر، "أخذ مكاسب كبرى ولم يحافظ عليها ولم يعززها تماشيًا مع الممارسة وسياق الظروف"، مشيرةً إلى أن الهيئة الحكومية المعنية بسلطة السمعي البصري، باتت "شكلية، فيما تعرف القنوات الخاصة وضعًا غير قانوني، إذ تنتظر منذ سنوات بدل تراخيص عمل تمنح لها بالتقطير وبجرعات".

وفي هذا السياق، قال الكاتب الصحفي عثمان لحياني، إن "المشهد الإعلامي مؤسس على أرضية هشة تشريعيًا وقانونيًا"، موضحًا لـ"الترا جزائر"، أن القوانين المنظمة للعمل الإعلامي في الجزائر "لم يطرأ عليها أي تغيير في ظل الحراك الشعبي، والأكثر من ذلك أنه لوحظ وجود ضغوط في المؤسسة الإعلامية منذ الحراك، لتبني خط تحرير معين، وحتى بعد تنحي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من الحكم، فصحيح حدث انفتاح تدريجي، لكن الضغوط ظلت قائمة بشان الخيارات والخطوط الحمراء".

هشاشة الممارسة

يبدو إذًا أن الحراك الشعبي أبان عن ممارسة إعلامية جزائرية ضيقة الأفق، وهو ما تتفق مع الصحفية زهور شنوف، قائلة: "منذ الجمعة الأولى للحراك أبرز الإعلام العمومي والخاص، أنه لا يؤدي وظيفته لصالح المجتمع، ولا يضمن حتى الحق في المعلومة".

وترى شنوف أن ذلك كان جليًا أمام مطالبات الشارع الجزائري لبوتفليقة بعدم الترشح لعهدة خامسة، في حين انحاز الإعلام لما أسمته شنوف بـ"تظليل" المعلومة الأساسية بكلمات مثل "الشعب يردد شعارات ومطالب بالتغيير".

الإعلام الجزائري
أبان الحراك الشعبي عن ممارسة إعلامية ضيقة الأفق

وتتفق زهور شنوف مع الكاتب الصحفي عثمان لحياني في أن الوضع لم يتغير كثيرًا بعد استقالة بوتفليقة: "فحتى بعد اتضاح الرّؤية وتنحي الرئيس بوتفليقة وتأجيل الانتخابات، سريعًا ما اكتشفنا أنه إعلام عصبوي، أي أنه يخدم عُصب وجماعات ضيقة، ويؤدي دورًا مهمًا لصالحها، وهو الدور الذي يجرده من وظيفته حتى في التغطية الإعلامية".

كما أكدت شنوف في سياق حديثها، أنه خلال الفترة الأخيرة لم تكن هناك مبادرة من قبل وسائل الإعلام، فالإعلام العمومي، حسبها، "كان يؤدي وظيفة حكومية، أما الخاص فكان ينتظر إشارة من وكالة الأنباء ليبث المعلومة".

ولفتت زهور كذلك إلى الدور الذي مارسته مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرة أنها تمكنت من "إسقاط عرش الإعلام"، رغم الحذر العالمي من دور هذه المواقع في الأخبار الكاذبة، لكن وفقًا لزهور، فإن الحراك الشعبي "قلب الموازين"، فانخرطت وسائل الإعلام الرسمية في تضليل الجمهور، في حين لعبت مواقع التواصل دور التصحيح، وهو ما تعتبره شنوف "دلالةً على هشاشة المنظومة الإعلامية في الجزائر".

يتفق صحفيون وإعلاميون جزائريون على أن الحراك الشعبي أبان عن ممارسة إعلامية جزائرية ضيقة الأفق، لا تراعي أخلاقيات المهنة

وجد الإعلام الجزائري الساحة اليوم ملغمة في وضع حرج، لعدم احترامه أخلاقيات المهنة التي تتطلب التثبت من المعلومة أساسًا، ومعالجة القضايا من زوايا مختلفة. وفي مقابل ذلك، هناك الكم الهائل للمعلومات التي يمطرنا بها الفضاء الافتراضي، والتي بدورها جعلت الصحفي سجين تدفق هائل للمعلومات لا يمكن مسايرتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تعتيم إعلامي على حراك الشعب الجزائري.. الرد في الشارع وفيسبوك

حجب الإعلانات عن قناتين جزائريتين بسبب تغطيتهما "الواضحة" للحراك الشعبي!