12-مايو-2022
محطة قطار بالجزائر العاصمة (تصوير: بلال بن سالم/أ.ف.ب)

ينتظر أن تفرج الحكومة الجزائرية شهر حزيران/جوان المقبل عن مشروع قانون الاستثمار الجديد، حيث سيكون لقطاع السكك الحديدية دورًا بارزًا في نجاحها، لذلك باشرت الجزائر في السنوات الأخيرة سلسلة من الاستثمارات في قطاع السكك الحديدية لتوسيع شبكتها الوطنية، والتي ستربط مختلف جهات البلاد بخطوط القطارات، وحتى توصيلها إلى بعض الدول الأفريقية المجاورة كالنيجر.

الشركة الجزارية للسكك الحديدية تظلّ إلى اليوم غارقة في الديون رغم الإعانات المقدمة  لها سنويًا

 ويشكّل الاستثمار في قطاع السكك الحديدة تحديًا كبيرًا للحكومة بالنظر إلى العائدات الاقتصادية المرجوة من وراء هذه المشاريع، وكذا بالنظر إلى الوضعية المضطربة التي تعيشها الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية المثقلة بالديون والإضرابات المتكررة للعمال.

ولأن تنفيذ شبكة متشعبة من السكك الحديدية في بلد قارة يتطلب رصد إمكانات مالية ضخمة، فكيف ستوازن الحكومة بين تنفيذ هذه المشاريع، والمحافظة على التوازنات المالية للبلاد؟.

مشاريع عديدة

تنشر الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك يوميًا،صورًا لمشاريع عديدة تشرف على تنفيذها تتنوع بين نقل المسافرين والبضائع وللقطارات العادية والشريعة عبر مختلف ولايات البلاد.

وبحر هذا الأسبوع، قدم المدير العام للوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة الإستثمارات في السكك الحديدية عز الدين فريدي  في لقاء مع وزير النقل عرضًا حول مختلف المشاريع الهيكلية الهامة التي تم إنجازها والمشاريع قيد الإنجاز والأهداف المسطرة ضمن البرنامج الوطني لتطوير النقل بالسكك الحديدية.

وقال فريدي  شهر آذار/مارس الماضي للإذاعة الجزائرية أن  المشاريع التي أطلقتها الحكومة مكنت من ربط جميع موانئ البلاد بشبكة السكك الحديدية، ويجري الإعداد لانجاز وربط الأقطاب الصناعية الكبرى بالموانئ البالغ عددها 25 منطقة صناعية .

وأشار فريدي، إلى أنه يجري حاليًا الإعداد لإطلاق بعض المناقصات للشروع في إنجاز عدد من المشاريع التي تتضمن ربط الشمال بمدن الجنوب  لنقل البضائع والمسافرين ، حيث تم استكمال الدراسة المتعلقة بانجاز الخط الرابط بين الشفة - المدية – بوقزول.

وأضاف أن الأشغال جارية من أجل إنجاز الخط الرابط بين بوقزول- الجلفة –الأغواط بطول 250 كلم، حيث بلغت نسبة الأشغال 80 بالمائة وقد تم تجهيز قاطرات الركاب لقطار يكون بسرعة 220 كلم في الساعة.

وتحدث المسؤول ذاته، عن مشروع الخط الرابط بين الاغواط- غرداية-المنيعة-عين صالح، وخط عين صالح -تمنراست بطول 670 كلم، وخط بشار- تندوف- غار جبيلات، إضافة إلى مشروع  خط السكك الحديدية لنقل الفوسفات من جبل العنق إلى مصنع التحويل الكائن على طريق واد كبريت – عنابة -سوق أهراس –تبسة  على مسافة 177 كلم.

وترتكز استراتيجية الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية على الوصول إلى 55 مليون مسافر و12 مليون طن من البضائع سنويًا في آفاق 2025، حسبما قالته فتيحة بوعبد الله مسؤولة بهذه المؤسسة العمومية في يوم دراسي حول قطاع السكك الحديدية نظم مؤخرا بالعاصمة الجزائر، مع العلم أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى الوصول بطول شبكة السكك الحديدية في الجزائر إلى 15 ألف كلم عام 2025.

ويوضح خبير الاستثمار عبد القادر سليماني لـ "الترا جزائر" أن "قطاع السكك الحديدية أحد شرايين الاقتصاد في العالم لأنها تدخل إلى المناطق والأقطاب الصناعية لربطها بالموانئ والمطارات، لذلك لها أهمية حيوية واقتصادية لما توفره من قاعدة لوجيستية لنقل مختلف السلع  المواد النهائية والمنتجات النهائية والمسافرين.

يستطرد المتحدث: "لطالما نادينا بأن تكون المناطق الجنوبية قريبة من الشمال المصانع والمطارات، فالسكك الحديدة ستساهم في نقل المواد الأولية إلى المصانع لإعادة تصنيعها أو تصديرها من الأقطاب الاقتصادية الجديدة كتندوف والوادي وتمنراست بالشمال، إضافة إلى المدينة الجديدة بوغزول التي ستكون الرابط بين الجنوب والغرب".

مشكل تمويل 

هنا، يعترف عز الدين فريدي بأن تنفيذ الإستراتيجية الجزائرية للسكك الحديدية يبقى مرتبطًا بمدى الحصول على التمويلات اللازمة سواءً داخلية أو خارجية، ومنها مشروع خط عين صالح - تمنراست الذي يبلغ طوله 670 كلم، الذي يتطلب تمويلًا حقيقيًا بالنظر إلى  مسافته الكبيرة.

ويعتقد خبير الاستثمار عبد القادر سليماني  في حديثه مع "الترا جزائر" أن "الجزائر لن تمول هذه المشاريع كلها من مواردها الخاصة، إنما سيكون التمويل خارجيًا، من مؤسسات كالبنك الكويتي والصندوق القطري لتمويل المشاريع وبنوك أفريقية، إضافة إلى الصين التي قد تمول هذه المشاريع في إطار سياستها الاستثمارية في القارة الأفريقية".

و نهاية شباط/فيفري الماضي، وجه الرئيس عبد المجبد تبون تعليمات لوزير النقل تتمثل في"إطلاق الدراسات التقنية، فورًا، لمد خطوط السكة الحديدية وتوسيع شبكتها من الشمال إلى الجنوب الكبير بين العاصمة وتمنراست وأدرار، طبقًا لبرنامج الرئيس الانتخابي".

وكان الرئيس تبون قد أشار في لقاء جمعه بالجالية الجزائرية لدى زيارته الدوحة في شباط/فيفري الماضي وفي الصدد، إلى أن العلاقات بين البلدين تملك "آفاقًا واعدة  وذات أهمية في العديد من القطاعات، كالفلاحة وبناء المدن والمنشآت  القاعدية والسكك الحديدية".

وأشار إلى وجود "محادثات بين البلدين تسمح بتطوير شبكة  السكك الحديدية الجزائرية ومدّها إلى كل من تمنراست وأدرار وحتى إلى خارج  الوطن كالنيجر".

وأضاف أن "هاته المشاريع تأتي موازاة مع مشروع توسيع ميناء  جنجن بجيجل وهو المشروع الذي يهدف لجعله ميناء أفريقيا، بربطه بشبكة السكك  الحديدية التي تمتد إلى أفريقيا".

مشاكل مالية

لا يشكّل قطاع السكك الحديدية في كثير من الدول مجرد وسيلة نقل عادية فقط، إنما يعتبر من القطاعات المدرة للثروة الداخلية، وهو ما لا ينطبق على الشركة الجزارية للسكك الحديدية التي تظل إلى اليوم غارقة في الديون بالرغم من المساعدات التي تقدمها لها سنويًا، ورغم احتكارها لهذا القطاع وعدم وجود منافسين لها سواء في نقل المسافرين أو البضائع.

من جهته، قال المدير المركزي بالشركة الوطنية للسكك الحديدية جمال شعلال، في تصريحات  سابقة لقناة "الشروق نيوز" الخاصة  شباط/فيفري الماضي أن خسائر الشركة  بلغت 18.3 مليار دينار في السنة الأولى لوباء كورونا (2020)، مشيرًا إلى أن مداخيلها لا تتعدى 18 مليار دينار سنويًا، مقابل مصاريف تتعدى 33 مليار دينار سنويًا، ما يعني أن الشركة تسجل عجزا قدره 15 مليار دينار كل عام.

ولم يُنكر مسؤولو الشركة الجزائرية للسكك الحديدية أن الإضرابات المتتالية التي يقوم بها العمال بمختلف درجاتهم وبالخصوص السائقين تتسبب في خسائر معتبرة، والتي تقدر بـ80 بالمائة من المداخيل اليومية للتي تحصل عليها المؤسسة.

وأصبحت الشركة لا تقبل الإضرابات المفاجئة لعمالها، وتلجأ إلى العدالة لوقفها معتبرة إياها توقفًا عن العمل وليس إضرابًا.

ومع تعويل قانون الاستثمار الجديد  كثيرا على قطاع السكك الحديدية، وجب اليوم الإسراع في حال هذه المعضلات المتكررة، خاصة وأن تنفيذ المشاريع الكبرى في هذه القطاع من الوعود الانتخابية التي قدمها الرئيس تبون لدى ترشحه للرئاسيات في 2019.

ويرى المحلل الاقتصادي عبد القادر سليماني أن "المشكل في شركة السكك الحديدية يتعلق بالتسيير لافتقارها لرؤية اقتصادية، باعتبارها تظل إلى اليوم وسيلة للنقل الاجتماعي ولا ننظر إليها على أنها شركة تسعى إلى الربحية الاقتصادية والنمو".

وطالب سليماني في حديثه مع "التراجزائر" بالعمل على وقف الإضرابات المتكررة، وإعادة النظر في التسيير والموارد البشرية، والتحول إلى الرقمنة واستعمال التكنولوجيا الحديثة، وأخذ العبر من دول كاليابان وكوريا اللتان لديهما شبكة سكك حديدية متطورة وتسعى إلى الربحية الاقتصادية والنمو.

ورغم كل هذه المشاكل، يعتقد خبير الاستثمار أن هذا الوضع لن يستطيع إعاقة الحكومة في تنفيذ المشاريع المسطرة لأنها ستعمل على المحافظة على قطاع السكك الحديدية، كونها مجبرة اليوم على إعادة هيكلة الشركة لتحويلها إلى مؤسسة اقتصادية فعلية.

عبد القادر بوسليماني: الحكومة مجبرة اليوم على إعادة هيكلة شركة السكك الحديدية لتحويلها إلى مؤسسة اقتصادية فعلية

ويبدو أن هذا الهدف قد أصبح يمثل تحديًا حقيقيًا للسلطات، إذ أسدى الوزير في لقائه الأخير مع المديرين المعنيين بقطاع السكك الحديدية توجيهات تركزت حول تحديث نظم التسيير وجعلها أكثر نجاعة، ووضع نظام معلوماتي شامل خاصة فيما يتعلق بتسيير القدرات البشرية.