02-ديسمبر-2019

السلطة وظّفت تدخّل البرلمان الأوروبي لصالح الخيار الانتخابي (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

جاء توقيت لائحة البرلمان الأوروبي حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، ليُعطي فرصة قوّية للسلطة لتجنيد وتعبئة الرأي العام ضدّ خصوم خيارتها السياسية، الرافضين لإجراء انتخابات الرئاسية، وتوجيه الأنظار إلى العدوّ الخارجي.

 رئيسة الاتحاد الأوروبي: "نُعلن احترامنا الكامل لسيادة واستقلالية دولة الجزائر ووحدهم الجزائريون من يقرّرون حاضر ومستقبل بلدهم".

في هذا السياق، وُصف بيان وزارة الخارجية الجزائرية، على أنه شديد اللهجة، حيث لوّح بمباشرة "تقييم شاملٍ ودقيقٍ لعلاقة الجزائر مع كافّة المؤسّسات الأوروبية، قياسًا بما توليه هذه المؤسّسات فعليًا لقيم حسن الجوار والحوار الصريح والتعاون القائمين على الاحترام المتبادل".

اقرأ/ي أيضًا: رسميًا.. مناظرات تلفزيونية لمرشّحي الرئاسة يوم 7 ديسمبر المقبل

 في مقابل ذلك، وفي إشارة تمت قراءتها على أنها توضيحٌ لتباين موقف السلطة التنفيذية والسلطة الاستشارية داخل هياكل الاتحاد الأوروبي، نشر سفير الاتحاد الأوروبي في الجزائر، جون أوروك، تغريدة على تويتر، بها مقطع لتدخّل رئيسة الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني أمام أعضاء البرلمان الأوروبي، جاء فيها أنّ "الجزائر ليست بلدًا جارًا وحسب، هي أيضًا وبالأخص بلد شريك. شريك سياسي واقتصادي، وبلد صديق. وبالنسبة للكثير من المواطنين الأوروبيين، الجزائر تمثل العائلة".

وأضافت رئيسة الاتحاد الأوروبي: "نُعلن احترامنا الكامل لسيادة واستقلالية دولة الجزائر، أعتقد أنه من المهمّ إعادة التأكيد على هذا من خلال هذه المناقشة بطريقة أكثر قوّة وأكثر وضوحًا. وحدهم الجزائريون، وهم فقط من يقرّرون حاضر ومستقبل بلدهم".

المبادئ الأممية

 من جهته، أكّد الإعلامي المختصّ في الشأن الدولي، فريد بلعمري، أنّ لائحة البرلمان الأوروبي حول الأوضاع في الجزائر جاءت متناقضة مع المبادئ الأساسية المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة، لا سيما ما تعلّق منها على الخصوص بمبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول وكذا عدم انتهاك سيادة دولة عضو.

وأضاف المتحدّث في حديث مع "الترا جزائر"، أن من بين ما جاء في اللائحة لا يعكس الواقع الجزائري تمامًا، لأن الجزائر وخلال تسعة أشهر، لم تشهد أي نوع من أشكال العنف، معتبرًا أن قوّات الأمن الجزائرية أصبحت تكتفي بتشكيل الأحزمة الأمنية لتأمين المتظاهرين وتسهيل سيرهم، على حدّ تعبيره.

ويُقارن بلعمري بين الحراك في الجزائر و"السترات الصفراء" في فرنسا قائلًا: "نسجّل أن قوّات مكافحة الشغب الفرنسية أفرطت في استعمال العنف ضدّ المتظاهرين، وتم تسجيل قتلى ومئات الجرحى وآلاف الموقوفين والمعتقلين، معاتبًا موقف الاتحاد الأوروبي الذي لم يُبرمج أيّة جلسة لمناقشة الأوضاع في فرنسا، رغم أن أولئك البرلمانيين مُنتخبون من طرف الشعوب الأوروبية، ومن بينهم رافائيل غلوكسمان المنتخب عن فرنسا".

السلطة تستغل الوضع

من هنا، يرى الناشط السياسي الحاج عيسى، في حديث مع "الترا جزائر" أن الخرجة الأخيرة للبرلمان الأوروبي، هي بمثابة طوقِ نجاةٍ للسلطة، استغلّته أحسن استغلالٍ لحشد الدعم وتجنيد أكبر عدد ممكن من الشعب، وأشار الحاج عيسى، أن حراك الجمعة الـ 41 عرف تنديدًا واسعًا، واستهجانًا للتصريحات الأخيرة للبرلمان الأوروبي بخصوص الوضع السياسي في الجزائر.

وعلى هامش الجمعة الماضية، وتعليقًا على موقف الحراك من لائحة الاتحاد الأوروبي، قال الكاتب والأستاذ الجامعي بوجمعة رضوان، إنّ الحراك السلمي تواصل في هذه الجمعة حاملًا عدّة رسائل سياسية، أولها رفض الاستقواء بالخارج، والتأكيد أن الوطنية أفعالٌ وليست أقوال.

 وَأضاف المتحدّث، أنّ الحراك اتهم السلطة بمحاولة الاستقواء بالخارج، "وقد حاولت السلطة منذ انطلاق الثورة القيام بذلك من خلال إيفاد لعمامرة ولخضر الإبراهيمي لأكثر من عاصمة غربية، كما فعل رئيس الدولة ذلك شخصيًا وهو يتودّد للرئيس الروسي بشكل مهين".

يعتبر رضوان أن السلطة سارعت إلى المصادقة على قانون المحروقات الاستراتيجي، الذي تمّت صياغته في عهد بوتفليقة من قبل شركة أمريكية متخصّصة في صياغة وتسويق القوانين، وهو ما تكفّل به البرلمان بغرفتيه برئاسة سليمان شنين الذي يعتقد أن الوطنية أقوال وتنديد وشجب، على حدّ تعبيره.

هنا، يوضّح الأكاديمي أن كثيرين ممّن يتشدّقون بالوطنية، يجهلون آليات عمل البرلمان الأوروبي وحدوده، وعلاقاته بالآليات التنفيذية، كما لا يعرفون أو يتجاهلون وجود سياسات خارجية مختلفة داخل الفضاء الأوروبي، واستند موقف المتحدّث، إلى التموقع الإسباني إلى جانب السلطة الجزائرية، ومحاولات الخارجية الفرنسية التأثير على باقي البلدان لمساعدة السلطة على الخروج من مأزقها.

وخلص بوجمعة رضوان إلى أن المسيرة الشعبية، أرسلت رسالة مفادها أن التبعية للخارج هي أكبر تهديدٍ للدولة ولكيانها، وبأن "هذه التبعية سببها نظام حكمٍ قام على الإقصاء والعنف والكراهية. نظام حكم عاش في الرداءة وتغذّى بها وأصبح يشكّل خطرًا اليوم على وجود الدولة وعلى تماسك الأمّة".

بوابة التدخل الأجنبي

وبخصوص موقف الطبقة السياسية من اللائحة الأوروبية، عبّر النائب البرلماني، ناصر حمدادوش، عن موقفه ضّد التدخل الأجنبي في شؤون البلاد الداخلية، مهما بلغت اختلافات وجهات النظر بين مكوّنات الحياة السياسية في البلاد، واستطرد النائب عن "حمس"، في حديثه إلى "ألترا جزائر"، أن السلطة هي من يتحمّل مسؤولية هذا "الترهّل" في الجبهة الداخلية، مضيفًا أن المنظومة الحاكمة هي من فتحت بوابة التدخّل الأجنبي، وهذا بسبب العقلية الأحادية والفوقية في إدارة الأزمة، التي ينبغي أن تكون وفق التشاور والتوافق الجاد والمسؤول، على حدّ قوله.

 تدخّل البرلمان الأوروبي ما هو إلا عملية جسّ نبض للشارع الجزائري من قبل هيئة إقليمية، يتمّ عبرها قراءة ردود الأفعال المحليّة

جس نبض الشارع

 من جانبهم، يستبعد بعض المتابعين، حدوث أزمة دبلوماسية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، فتدخّل البرلمان الأوروبي ما هو إلا جسّ نبض للشارع الجزائري من قبل هيئة إقليمية، يتمّ عبرها قراءة ردود الأفعال المحليّة، والشركاء الدوليين للجزائر، كروسيا، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية، ويستند هذا الرأي إلى اقتصار اللائحة البرلمانية على المطالب المتعلّقة بحقوق الإنسان والحرّيات، بينما لم يصدر أيّ موقف معادٍ للعملية السياسية أو معارضٍ للانتخابات الرئاسية؛ فالعواصم الأوروبية تدرك جيّدًا وجود وعاء انتخابي في الجزائر، والدليل على ذلك زيارة سفراء بعض الدول الأوروبية، لعدد من مرشّحي الرئاسيات المقبلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المغرب في الحملة الانتخابية.. مرشحو الرئاسيات يفتحون الملفّات الشائكة

مرشّحو الانتخابات الرئاسية.. أقرب من النّظام وأبعد من المعارضة