سياسة

السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات.. هل هي مستقلة حقًا؟

25 سبتمبر 2019
GettyImages-1130776490.jpg
المجلس الدستوري يحتفظ بصلاحيات الفصل في الطعون وإعلان النتائج الانتخابات النهائية (تصوير: فاروق باتيش/ الأناضول)
بوبكر بلقاسم
بوبكر بلقاسم صحفي من الجزائر

بلدية بجاية، العاشرة صباحًا، داخل حجرة صغيرة من أربعة أمتار مربّعة، تتوسّطها ثلاثة كراسٍ وطاولة مستطيلة، يعكف موظّفون كلّفهم رئيس المجلس البلدي بإدارة مكتب الانتخابات في البلدية، يستقبل هؤلاء المواطنين في الفترة الصباحية فقط، لتسجيل أنفسهم في القوائم الانتخابية، أو شطب أسمائهم من قوائم أخرى وتحويلها إلى محلّ إقامتهم الجديدة. حين دخلنا إلى المكتب، سألنا موظف الاستقبال عن رئيس اللجنة المحليّة الذي عيّنته السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، كان الجواب أن لا أحد يتولّى المهمّة هنا. موظفو البلدية يقومون بالمهمّة كعادتهم قبل كل استحقاق انتخابي.

استدعاء رئيس الدولة للهيئة الناخبة، وتحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية وُصف بالقرار المتسرّع

تحييد الإدارة

كثيرون وصفوا استدعاء رئيس الدولة للهيئة الناخبة، وتحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية بالقرار المتسرّع، وكثيرون أيضًا من طرحوا بعدها أسئلة عن كيفية تعيين السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وطريقة اختيار رئيسها وأعضائها، لينتقل التساؤل بعدها عن الآليات الجديدة التي ستضيفها هذه الهيئة الجديدة للفعل الانتخابي في الجزائر، وهل ستكون فعلًا ضامنًا كافيًا لإجراء انتخابات رئاسية نزيهة، وهو السؤال الذي وجّه لمحمد شرفي أثناء نزوله ضيفًا على القناة الإذاعية الثالثة، عن إمكانية تنظيم انتخابات نزيهة في ظرف ثلاثة أشهر، فكان جوابه "أنا لا أملك عصا سحرية".

اقرأ/ي أيضًا: إفلاس الأحزاب السياسية.. موسم الهجرة إلى التنسيقيات

في المقابل، وجّه محمد شرفي رئيس السلطة الوطنية المستقلّة للانتخابات، مراسلة إلى الوزير الأوّل نور الدين بدوي، من أجل تحويل صلاحيات بعض الوزارات فيما يتعلق بتنظيم الانتخابات إلى السلطة وفقًا لما ينصّ عليه القانون.

وكانت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات؛ أوضحت في بيان لها الخميس المنصرم أنه و"تبعًا لإمضاء المرسوم الرئاسي المحدّد لتاريخ استدعاء الهيئة الناخبة ليوم الخميس 12 كانون الأوّل/ديسمبر 2019 من أجل الانتخاب لرئاسة الجمهورية، تنهي السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات إلى علم المواطنات والمواطنين أن فترة مراجعة استثنائية للقوائم الانتخابية مدتها 15 يومًا ستفتتح من يوم الأحد 22 أيلول/سبتمبر إلى غاية يوم الأحد 6 تشرين الأوّل/أكتوبر 2019".

لكن الأمر الواقع مغاير لذلك تمامًا، فلحد الآن وبعد مرور يومين يتكفّل أعوان البلديات التابعين هيكليًا لوزارة الداخلية بالمراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية، ولم يعثر "الترا جزائر" على أيّة بلدية من مجمل البلديات التي زارها في ولايتي البويرة وبجاية على عضو تم تعيينه أو تفويضه من طرف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ولا وجود للقضاة الذين تحدثت عنهم الهيئة ذاتها، بل أكّد لنا بعض موظفي مكتب الانتخابات في بلدية البويرة شرقي البلاد، عدم وجود حتّى محاضر بداية العملية، التي يترأسّها في البلدية نفسها، مترشّح سابق في قوائم حزب "الأرندي" المحسوب على نظام بوتفليقة.

ردًا على سؤال متعلّق بالموضوع، أكّد علي ذراع المكلّف بالإعلام لدى السلطة الوطنية المستقلّة لتنظيم الانتخابات في اتصال هاتفي مع"ألترا جزائر"، أنّ السلطة نصّبت لجانًا محليّة في جميع بلديات الوطن دون استثناء، وبعد اطلاعه على وجود بلديات تسهر فيها الإدارة المحليّة على المراجعة الاستثنائية، نفى علي ذراع الأمر، ورفض الحديث عن الآليات التي تمّ بموجبها اختيار هؤلاء الممثلين، موضّحًا أنه مكلّف بالإعلام وليس مسؤولًا عن الهياكل، وبعدها أغلق الخط متحجّجًا بأنّ أسئلة "ألترا جزائر" مستفّزة ومن يريد إجراء حوارٍ معه، فليتقرّب من مقرّ السلطة بنادي الصنوبر، رغم تأكيده قبل يوم في ندوة صحفية، أنه "من واجب الإعلام الكشف عن الانحرافات والتبليغ عنها".

ثغرات قانونية

يرى متابعون أن السلطة الوطنية المستقلّة للانتخابات هيئة غير دستورية، إذ إنّ استحداثها كان يتطلّب مراجعة دستورية لإلغاء المادة 194 التي تنصّ على استحداث "هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات"، كما يتطلّب أيضًا، تحديد كيفية تعيين رئيسها وأعضائها وطريقة عملها وصلاحياتها. التسمية الجديدة أسقطت حتى مصطلح "مراقبة الانتخابات" بعد أن كان المطلب إضافة مصطلح "التنظيم" للمراقبة، وبذلك فإنه لحدّ الآن فالهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، لا زالت مدسترة، ليضاف إليها بموجب قانون عضوي جديد، هيئة عمومية أخرى تتولّى تنظيم الانتخابات دون إبطال الهيئة الدستورية الأخرى.

في هذا السياق، يرى جمال بن يوب، المحامي والأمين الوطني المكّلف بالشؤون القانونية لدى حزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، أنّ "التسرع طغى على طريقة إنشاء هذه السلطة، لأنّه من الناحية الإجرائية، توجد الكثير من الانتهاكات، فمراحل تسجيل ومناقشة وتصديق وتوقيع قانون يأخذ في العادة شهرًا أو شهرين، بينما يمكن أن تستغرق عملية تطهير القوائم الانتخابية أزيد من 6 أشهر، وهذا ما لم يحدث مع هذه السلطة؛ حيث تم تأسيسها وتعيين أعضائها ورئيسها، في مدّة لم تتجاوز أسبوعًا واحدًا".

يجزم بن يوب، أنّ البطاقية الوطنية للهيئة الناخبة هي المصدر الأوّل للتزوير، وهي لا تزال في أيدي الإدارة ولا يملك أحد حتى اليوم حقّ النفاذ إليها، ثم لماذا لَم يوضّح أعضاء السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات كيفية اختيار ممثليها المحلّيين؟ بل كيف يتم اختيار 1541 شخص في وقت وجيز؟ يتساءل المتحدّث.

 يستطرد الأمين الوطني المكّلف بالشؤون القانونية لدى حزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية: "لقد كنّا ننتظر أن تمتلك هذه الهيئة موظّفين مستقلّين معينين بطرق معلومة للجميع، فخلقوا لنا سلطة تدّعي الاستقلالية تُشغّل عمال البلديات، والمكلّف لديها بالإعلام يقول إنّها لا تمتلك ميزانية بل تستفيد من تبرعات وزارات متعدّدة، أين الاستقلالية في ذلك؟".

صلاحيات محدود للسلطة المستقلّة

من جهة أخرى، يرى بن يوب أنّ السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات تعتبر تعديًا صارخًا على أسمى وثيقة في البلاد وهي الدستور، فهذه الهيئة التي تأسست بموجب قانون عضوي لا يمكنها أبدًا أن تعلو على دستور البلاد، وتكون طرفًا في عملية اختيار رئيس للجزائر بطريقة نزيهة، معتبرًا أن هذه السلطة ينتهي عملها بإعلان النتائج الأوّلية، أمّا الطعون والنظر في التجاوزات وعمليات التزوير المحتملة سينظر فيها المجلس الدستوري، على حدّ قوله.

حفناوي غول: "بالأمس حاولت الإدارة ركوب الحراك من خلال تعيين ممثلين عنه، واليوم تحاول تعيين وفرض أعوانها في لجان الانتخابات دون حياء"

يبدو أن الضغط الذي تواجهه السلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، التي يترأسها الوزير الأسبق محمد شرفي، لا يأتي من الشارع فقط، أو الأحزاب التي لا ترى في هذه السلطة ضامنًا كافيًا لتنظيم انتخابات نزيهة، بل إنّ هناك أطرافًا في النظام يحاولون التأثير في قرارات السلطة وتحجيم استقلاليتها، ففي منشور له على فيسبوك قال حفناوي غول أحد أعضاء السلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، إنّه "بالأمس حاولت الإدارة ركوب الحراك من خلال تعيين ممثلين عنه، واليوم تحاول تعيين وفرض أعوانها في لجان الانتخابات دون حياء".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشارع الجزائري يحتفظ بورقة الحراك.. السلطة المستقلة ليست كافية؟

السلطة تستعجل الانتخابات.. وصفات تقنية لأزمة سياسية!

الكلمات المفتاحية

مجلس الأمة ( صورة: أرشيف)

مجلس الأمة وسُلطة التعديل.. كيف تُعيد الغُرفة الثانية صياغة القوانين؟

جاء مِيلاد مجلس الأمة في الجزائر سنة 1996  في سياق سياسي وأمني بالغ الحساسية، حيث لم يكن مجرّد استكمال لبنية البرلمان الجزائري، بل نتاجًا مباشراً لتحولات عميقة فرضتها ظروف تلك المرحلة.


برونو روتايو، وزير الداخلية الفرنسي (مونت كارلو)

برونو روتايو رئيسًا لحزب "الجمهوريين" على أكتاف "الملف الجزائري".. واحتمالات ترشحه للرئاسة الفرنسية تتعزز

في مشهد سياسي فرنسي سريع التغير، شهدت باريس انتخاب برونو روتايو وزير الداخلية الحالي وصاحب النظرة المتشددة ضد الجزائر، رئيساً لحزب "الجمهوريين"، بنسبة 74.31 بالمائة من الأصوات، في انتصار ساحق على منافسه لوران فوكيي.


(الصورة: فيسبوك)

مرشحٌ وحيد.. عزوز ناصري في طريقه لخلافة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة

أعلن رئيس كتلة الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، ساعد عروس، ترشيح عزوز ناصري لمنصب رئيس مجلس الأمة.


مجلس الأمة

خليفة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة.. أسماء تنتظر "الضوء الأخضر"

على بُعد أقل من 72 ساعة من موعد انتخاب خليفة رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، المقرَّر يوم الاثنين الـ19 من الشهر الجاري، في جلسة علنية عامّة ستعرف تنصيب الأعضاء الجُدد لمجلس الأمة بعنوان التجديد النصفي لسنة 2025، يتواصل الغموض حول هوية خامس رئيس للهيئة التشريعية منذ تأسيسها سنة 1996.

كيليا نمور_0.jpg
رياضة

تغييرات مصيرية في مسار كيليا نمور تحضيراً لأولمبياد 2028.. وخط الرياضة يسير مع الفن والتأثير

أعلنت البطلة الأولمبية الجزائرية كيليا نمور عن مرحلة جديدة في مسيرتها الرياضية، تتمثل في تغيير ناديها ومدربها استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في لوس أنجلوس عام 2028، حيث ستخوض هذا التحدي الكبير تحت الراية الجزائرية.

الصحفي رؤوف حرز الله
أخبار

قضية منع الصحفي رؤوف حرز الله من السفر تتفاعل.. منظمات حقوقية تندد ووزير الاتصال يلجأ للقضاء

أكدت منظمة شعاع الحقوقية أن قرار منع الصحفي الجزائري عبد الرؤوف حرز الله من السفر، دون إشعار رسمي أو إجراءات قضائية معلنة، يعدّ انتهاكاً صارخاً للضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حرية التنقل وحقوق المواطنين الأساسية.


دومينيك دوفيلبان, رئيس الحكومة الفرنسية سابقا
أخبار

دومينيك دوفيلبان يهاجم "الخطاب الحربي" لبرونو روتايو ضد الجزائر.. ويشيد بجورجيا ميلوني

انتقد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، بشدة الخطاب العدائي تجاه الجزائر الذي تبناه بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو، محذرًا من العواقب الخطيرة لهذا النهج الذي وصفه بـ"الخطاب الحربي" وغير الواقعي.

طلبة الجامعي
أخبار

إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟

تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.

الأكثر قراءة

1
رياضة

مولودية الجزائر تنفرد بالصدارة وتقترب من التتويج بلقب البطولة


2
أخبار

هل خسرت رونو 120 مليون أورو في الجزائر؟ وزير الصناعة الأسبق يكشف معطيات جديدة


3
أخبار

النيجر ستستقبل 4 آلاف مهاجر رُحّلوا من الجزائر دعمًا لبرنامج "الإعادة إلى الوطن"


4
أخبار

تصعيدٌ مستمر بين البلدين.. الجزائر ترد على فرنسا بشأن فرض التأشيرات على حاملي الجوازات الدبلوماسية


5
اقتصاد

مشروع قانون المناجم في طريقه للتمرير.. مخاوف المعارضة تتوسع من "رهن الثروات الوطنية" و"التبعية للخارج"