19-أكتوبر-2019

غلاف كتاب "var..القصص السّريّة لأبطال أفريقيا" لـ نجم الدين سيدي عثمان

يكاد الاهتمام بكُرة القدم وتتبّع أخبارها وتفاصيلها ووجوهها، يُهيمن على اهتمامات الجزائريّين. سواءً تعلّق الأمر بالبطولة الوطنيّة والفريق الوطنيّ، أو بالبطولات والفرق الأجنبيّة. فلا حديث من أحاديثهم، بكلّ أجيالهم، في قاعات الحلاقة ووسائل النّقل والمقاهي والمطاعم والمجالس الواقعيّة الافتراضيّة يخلو من كرة القدم، وقد انضمّت الجزائريّات إلى هذا الشغف، في السّنوات الأخيرة، فصارت مجالسهنّ مفخخة أيضًا بالكرة.

 استحوذ حارس الفريق رايس مبولحي على حصّة الأسد في قصص الكتاب بستّ قصص

تفاقم شغف الجزائريّين بـ"الجلد المنفوخ"، بعد أن عادت الرّوح إلى الفريق الوطنيّ، بتعيين المدرّب جمال بلماضي (1976) على رأسه، في شهر آب/أوت من عام 2018، حيث لم يمض عام واحد على تعيينه حتّى أهدى للجزائرييّن كأس الأمم الأفريقيّة في دورتها الثانية والثلاثين في مصر، بعد غياب دام قرابة ثلاثة عقود.

اقرأ/ي أيضًا: إلى كريم بنزيمة.. اذهب إلى الجزائر!

رغم هذا الانخراط الشّعبيّ الجزائريّ في الهواجس المتعلّقة بكرة القدم، لا نكاد نعثر على مصنّفات أدبيّة تشتغل على هذه الهواجس وتستثمر في عوالمها ومناخاتها ووجوهها. وتتّخذ من الملعب أو غرفة تغيير ملابس اللّاعبين أو الحافلات والطّائرات التّي تنقلهم أو الفضاءات التّي تستوعب مناصريهم من مختلف الشّرائح، فضاءاتٍ مكانيةً لرواياتٍ أو قصصٍ أو كتب سرديّة. فهل هو مؤشّر على انفصال الكتّاب الجزائريّين عن الشّغف العام للشّارع، أم هو ثمرة لتعاليهم عمّا يعتبرونه هواجس شعبويّة وسطحيّة؟

يقول الصّحافي الرّياضي والرّوائي نجم الدّين سيدي عثمان (1984) لـ"الترا جزائر"، إنّ أدب كرة القدم بات أدبًا قائمًا في كثير من المشاهد الأدبيّة الغربيّة، خاصّة في أميركا اللّاتينية، بالنّظر إلى ارتباط الكتابة الأدبيّة لديهم بمفاصل الحياة الإنسانيّة. وبات له أقلامه المبدعة وقرّاؤه الكثر، "بينما تأخّرنا في الجزائر عن ذلك لاعتبارات موضوعيّة كثيرة منها المفهوم النّخبويّ السّائد للكتابة، بما أسّس لأحادية الاهتمام لدى الكتّاب الأدبيّين والصّحفيين الرّياضيين.

نجم الدين سيدي عثمان في جلسة بيع بالتوقيع

من هنا، يقول سيدي عثمان، إنّه استغلّ كونه صحفيًّا رياضيًّا متخصِّصًا في كرة القدم، وساردًا شغوفًا بالرّواية وأدب الرّحلة في كتابة عشرات القصص المندرجة ضمن أدب كرة القدم، مثل كتاب "كنت في البرازيل"، منشورات دار الأمّة 2018، "الذّي رصدت فيه مرافقتي لكأس العالم في البرازيل عام 2014".

يُضيف محدّث "الترا جزائر"، أنّه أتيح له أن يواكب عشرات اللّاعبين ومسيّري كرة القدم، في يومياتهم خارج المستطيل الأخضر، وأصبح صديقًا مقرّبًا لكثير منهم، "فأتعرّف على مشاكلهم وهواجسهم وأوجاعهم وأحلامهم ومخاوفهم وتطلعاتهم ومواطن الشّغف لديهم، في الوقت الذّي يحلم فيه كثيرون بمجرّد التقاط صور معهم. وكلّها لحظات ومناخات جديرة بأن تلتقطها الكتابة الأدبيّة وتمنحها لقارئ قد يولد من جديد".

في السّياق نفسه، صدر لنجم الدّين سيدي عثمان، هذه الأيّام، كتاب "var.. القصص السّريّة لأبطال أفريقيا" عن منشورات نوميديا في الجزائر. وهو تجربة تُهمل لغة الأرقام والتّحاليل الخاضعة للّحظة الرّياضيّة، وتتوغل في اللّحظة الإنسانيّة لتشكيلة جمال بلماضي التّي أفرحت الجزائريّين، في ظرف قاسٍ وحسّاسٍ جدًّا، ميّزته مناخات الحراك الشّعبيّ والسّلميّ، الذّي كان في أوجّه حين تمّ افتكاك النّجمة الثانية في الـ"كان".

ما يجعل هذا الكتاب ذا أهمّية بالنّسبة للقارئ غير النّخبويّ، أنّه انطلق من هذا السّؤال وأجاب عليه بلغة تؤمن بجماليّة البساطة: هل كان هؤلاء اللّاعبون الذين أهدوا للجزائريّين والعرب عمومًا أفراحًا طائرةً سعداءَ في حيواتهم الخاصّة، قبل أن يصبحوا نجومًا؟

تصادفنا في معرض الإجابة عن هذا السّؤال، 65 قصّة تتعلّق بالحيوات السرّيّة لأبطال أفريقيا، بعيدًا عن روح الإشاعة والتّضخيم أو التّقزيم، قريبًا من روح البوح والاعتراف، من خلال ما سمعه الكاتب من اللّاعبين أنفسِهم أو من أشخاص مقرّبين منهم، بما يرفع الكتاب إلى مقام الوثيقة الرّاصدة لجوانبَ خفيّةٍ ومجهولةٍ في تاريخنا الرّياضيّ القريب، حيث قصّرنا كثيرًا في التّأريخ لهذا الباب، حتّى أنّنا لا نعرف الكثير عن حيوات لاعبين ذهبيّين شكّلوا أمجاد الكرة الجزائريّة، بمن فيهم لاعبو فريق جبهة التّحرير، خلال ثورة التّحرير.

لقد اعتمد الكاتب على طرق لا تخلو من "الشّقاوة" للوصول إلى الأعماق الإنسانيّة للاعبي الفريق الوطنيّ الحالي، وهو ما يمنح مصداقية لعنوان الكتاب "var.. القصص السّريّة لأبطال أفريقيا"، وهي تقنية التّحكيم بالفيديو، وقد استُعملت في الدّورة المصريّة لكأس أمم أفريقيا، حيث هامش التّلاعب ضئيل جدّا، بما يعطي انطباعًا مسبقًا للقارئ أنّه بصدد قراءة تفاصيل موثّقة وموثوقة.

 استحوذ حارس الفريق رايس مبولحي على حصّة الأسد في قصص الكتاب بستّ قصص. أليس حارس العرين؟ وهي قصص إنسانية قد تؤجّل ذكر اللّاعب المعنيّ إلى الأخير، لأنّ البطولة تنتقل من الاسم إلى المسار. وهو ما يؤهّلها لأن تكون سيناريوهات أفلام بامتياز. 

يجد القارئ تفاصيل عن الأموال التي جمعها اللّاعبون بعد مباراة غينيا، ولماذا مُنحت للمدرّب؟ وكيف استغنى الأخير عن مبلغ 60 ألف يورو في جنوب أفريقيا. ويجد قصّة اللّاعب الذي اختار دعم أبناء حيّه، فاشترى لهم سيّارات، بينما انطلق هو من الصّفر في تونس، وهو لا يملك دينارًا واحدًا. وقصّة هروب محرز بدرّاجة مسروقة ومشكلات دولور. دموع عطّال في سيّارة مؤجّرة في مدينة العلمة. وحكاية اللّكمة التّي تعرّض لها، وكيف أنقذ صاحبُ مطعم مشوار بونجاح. وكيف استطاع بلايلي أن ينتشل مستقبله الكرويّ، بعد أن وجد نفسه عاريًا كشجرة ضخمة كانت تستعدّ للانهيار بسبب مشكلة الكوكايين.

يبدو أنّنا بصدد كتّاب شباب، يجمعون بين الشّغف بالكتابة الأدبيّة وكرة القدم معًا

يبدو أنّنا بصدد كتّاب شباب، يجمعون بين الشّغف بالكتابة الأدبيّة وكرة القدم معًا. وهو ما سيجعل مستقبل أدب كرة القدم واعدًا في الجزائر، بما يفتح المدوّنة الأدبيّة الجزائريّة على تجارب ومناخات جديدة، من شأنها أن تخلّصها من جملة التّرهلات التّي أصابتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من انتصر في مباراة "فلسطين - الجزائر"؟

لقاء فلسطين والجزائر.. المستطيل الأخضر للمقاومين