من انتصر في مباراة "فلسطين - الجزائر"؟
20 فبراير 2016
لعل المناصرين الجزائريين هم الوحيدون الذين هتفوا بفرح عميق لهدف سجله الفريق الخصم في شباك فريقهم، وكانوا يدعون من قلوبهم أن يعجز فريقهم عن تعديل النتيجة، ولعل اللاعبين الجزائريين أيضًا هم الوحيدون الذين كانوا يلعبون بنية الخسارة، من غير أن يتلقوا رشوة، إنها الخسارة المقدسة.
لعل اللاعبين الجزائريين أيضًا هم الوحيدون الذين كانوا يلعبون بنية الخسارة، من غير أن يتلقوا رشوة
حدث ذلك في المباراة التي جمعت الفريق الجزائري بنظيره الفلسطيني، يوم الأبعاء في ملعب "5 جويلية" رمز أمجاد الرياضة الجزائرية، في مقابلة استحقت فعلًا أن تسمى ودية.
لست هنا بصدد التذكير بدوافع المحبة المشتركة بين الفلسطينيين والجزائريين، وما الذي فعلته الجزائر من أجل الحق الفلسطيني، فقد فعلتُ ذلك سابقًا في "الترا صوت" نفسها، لكنني بصدد رصد بعض الحالات الإنسانية التي سبقت أو رافقت أو أعقبت المباراة، لأنها جديرة بالتأمل والدراسة والتحليل، من طرف مخابر عربية معنية كثيرة، أما المخابر الإسرائيلية، فليست بحاجة إلى من يذكّرها بوجوب ذلك، لأنها قائمة على عنصر التفاعل العفوي مع هكذا حالات.
كنت، قبل المباراة بيومين، في مدينة معسكر التي تبعد عن الجزائر العاصمة بـ400 كيلومتر غربًا، ووقفت على تجمع لشباب لا يتجاوزون الخامسة والعشرين، كانوا أربعةً، في حديقة باستور وسط المدينة، وكانوا في حالة انتظار لشخص يتاجر في الهواتف المستعملة، وعدهم بأن يشتري منهم هواتفهم، ليتمكنوا من الانتقال إلى العاصمة لحضور المباراة المقدسة. تأخر عليهم ساعة، فراحوا يتصلون به بلهفة، ثم توقعوا تراجعه، فراحوا يدرسون الطرق التي يمكنهم أن يحصلوا على المال من خلالها. أطلّ الفتى أخيرًا، فانطلق الشباب في رقص وهتاف: "فلسطين الشهداء"، وهو الشعار الذي لم يغب عن الملاعب الجزائرية أبدًا.
تعودتُ على أن يقلل التاجر، في مثل هذه الحالات، من قيمة السلعة المعروضة عليه، حتى يشتريها بثمن زهيد، إلا في هذه الحالة، فقد رأيت الفتى يشيد بالهواتف الأربعة، ويقول إنها تستحق مبلغًا محترمًا، أدخل يده إلى جيبه وأخرج منه ما قيمته مئتان وخمسون دولارًا، فأغرقه الفتية بالعناق والتهليل. لقد فعل ذلك من باب تمكينهم من حضور المباراة المقدسة. في المدينة نفسها وفي اليوم نفسه، قرأت حزنًا صاهلًا في عينَيْ شاب مسرحي عودني على أن يكون منطلقًا دومًا، سألته فقال لي وهو غارق في سيجارته: "وعدني أبي بأن يأخذني معه إلى مباراة فلسطين، في سيارة صديقه، ثم طرأ ما يلغي ذلك". لن أنسى دمعة سقطت منه، لن أنسى قولة طلعت منه: "لو كان الحضور مشروطًا بالدم، لقدمت نصف دمي".
غادرت مدينة معسكر إلى مدينة مستغانم، ومنها إلى الجزائر العاصمة، في سيارة أجرة شكلت لنا حلمًا حين أطلت فجرًا، إذ كان العثور على سيارة في ذلك اليوم، يشبه العثور على القمر في الجيب، فالكل كان ينوي الذهاب إلى "الدزاير" لحضور المباراة المقدسة. قلتُ: "إن الملعب لا يتسع إلا لعدد معين، وهو لا يكفي حتى العاصميين، خاصة أن الدخول مجاني، فكيف ستجدون أماكن" لكم؟". قال أكثرهم حماسًا: "إن العبرة ليست بالدخول، بل بالحضور. هذه فرصة لنقول للفلسطينيين إننا منكم وأنتم منا، وإن محاولات أن ننساكم، في خضم الربيع العربي، حيلة لا تنطلي على الجزائريين".
كانت المباراة فرصة ليقول الجزائريون للفلسطينيين إننا منكم وأنتم منا، وإن محاولات أن ننساكم حيلة لا تنطلي علينا
لم يكن السائق بحاجة إلى من يوصيه بمضاعفة السرعة، ليس فقط بسبب أن الشرطة تساهلوا معها في ذلك اليوم، بل لرغبته الشخصية في الوصول باكرًا أيضا، كان مناصرًا ولم يكن تاجرًا، والدليل أنه رفض العودة لأخذ آخرين، رغم ما يدر عليه ذلك من أموال. وصلنا إلى محطة "الخروبة" البرية، فوجدناها تغلي بالشباب الهاتفين: "فلسطين الشهداء"، وقد تفرغت سيارات الأجرة والحافلات لنقل الشباب إلى الملعب في الشق الآخر من العاصمة، رغم أنه بقيت عشر ساعات عن المباراة.
بعضهم عمل حسابه، فأحضر أكلًا وشرابًا، والبعض لم يفعل، وأبدى استعداده لأن يصبر عن الأكل والشرب حتى اليوم الموالي. حدثني صديقي نسيم الذي قدم من تلمسان: "حضرت مقابلات سابقة في الملعب نفسه، وكانت متأخرة، فكنا نعاني من الوصول إلى قلب العاصمة، إلا هذه المرة، فقد كان الجميع يتبرع بنقل من يمكنه نقلهم. وكنا نتقاسم السندويتشات وقارورات الماء المعدني، من غير أن يعرف المانح الممنوح له، وقد عجزنا عن الحصول على سرير في فندق، أو العودة إلى مدننا في الليل، فأنت تعرف أن النقل في الجزائر يُشل ليلًا، فبتنا في الشوارع. لقد نزلت الأسر العاصمية بالطعام والشراب، ورفضت مقاه كثيرة أن تأخذ منا مالًا بعد أن فتحت أبوابها فجرًا".
كنت نائمًا وقت المباراة، إنها إحدى هواياتي المفضلة: النوم أثناء المقابلات المصيرية، فعلت ذلك أثناء مقابلة الفريق الوطني والفريق المصري في أم درمان عام 2010، بكل ما ترتب عنها من كوارث، وفي كل مقابلات الفريق في كأس العالم بالبرازيل، بما فيها تلك التي جمعته بالفريق الألماني، وإذا بي أسمع العمارة اهتزت بالزغاريد والهتافات، فلم أعرف أيَّ فريق سجل. فعلًا.. من انتصر في المبارة، فلسطين أم الجزائر؟
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

تأمّلات صيفية في موسيقى الرّاي
لطالما جلست خلال فترات الصيف في خلوتي، بين فترات الكتابة المتقطّعة أو الترجمة، أشتكي من حرّ لا يطاق في مدينتي الداخلية، قسنطينة، شرق الجزائر، ولم يكن أنيسي سوى الموسيقى.

في ذكرى اغتيال معطوب لوناس.. حين لا يقدر الرصاص على قتل القصيدة
في ظهيرة 25 جوان 1998، انطفأ صوت من الأصوات التي لم تكن تُغنّي فحسب، بل كانت تصرخ بالحقيقة، لقد اغتيل معطوب لوناس برصاص الغدر بمنطقة ثالة بونان ببني دوالة واخترقت جسده 78 رصاصةً.

عن السياج الذي قتل الرفاق وابتلع فرحة التاج التاسع
في المساء الذي كان من المفترض أن يُكتب فيه المجد بحروف خضراء وحمراء، تحوّل التتويج إلى تابوت، والمدرج إلى هاوية. لم يكن أحد يتخيّل أن مباراة احتفالية على أرضية ملعب 5 جويلية، بين مولودية الجزائر ونجم مقرة، ستُختتم بجنازات ولجنة تحقيق، لا بأغنية النصر المعتادة.

في حضرة البكالوريا.. تُطفأ البلاد لتُضاء ورقة الامتحان
في كل عام، مع حلول امتحانات البكالوريا، تنفصل الجزائر عن العالم. لا إعلان حرب ولا كارثة طبيعية، فقط قرار رسمي يقضي بقطع الإنترنت كإجراء احترازي للحد من ظاهرة الغش وتسريب الأسئلة. هكذا، ومنذ سنوات، تحوّل الحدث التربوي الأهم في البلاد إلى ما يشبه "طوارئ رقمية".

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

إجماع سياسي على إدانة العدوان الإسرائيلي على سوريا.. وتحذير من توسيع دائرة الصراع
أدانت مختلف الأحزاب السياسية في الجزائر العدوان الإسرائيلي على سوريا، معتبرة أنه انتهاك لسيادة دولة عربية ومسّ بأمنها واستقرارها، في وقت عبّرت فيه الجزائر رسميًا عن رفضها لهذا التصعيد ودعت إلى تحرك أممي لوقف الاعتداءات.

وفاة الصحفي علي ذراع بعد صراع مع المرض
توفي مساء أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الإعلامي علي ذراع عن عمر ناهز 78 سنة بعد صراع مع المرض، حسب ما أفاد به أقاربه.

طقس الجزائر: حرّ شديد ورعد وضباب
توقعت مصالح الأرصاد الجوية، اليوم الأربعاء 16 تموز/جويلية 2025، تسجيل موجة حر وتساقط أمطار رعدية معتبرة محليا على عدة ولايات من الوطن.