10-مايو-2024
(الصورة: فيسبوك)

لم تعد التقارير الأمنية في السنوات الأخيرة تخلو من معلومات تتضمّن تورط نساء في أعمال إجرامية، في ظاهرة لم يكن يشهدها المجتمع الجزائري بهذا المستوى سابقًا، وبالخصوص في ظلّ عدم اهتمام المجتمع المدني بهذا السلوك الذي ينعكس سلبًا على الأسرة والمجتمع ككل، فما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك، وصولًا إلى تورّطها في قضايا ترويج المخدرات والتهريب والسطو  والاختطاف والقتل.

الأستاذة فوزية ورناني لـ "الترا جزائر": بين الأسباب التي كانت وراء دخول  المرأة عالم الإجرام، هو التغير الاجتماعي الذي حدث في المجتمع الجزائري، وغير في بناء الأسرة وتشكيلتها

بتمعن عابر في مضامين هذه التقارير الأمينة، يتضح أن وقوع المرأة في فخ الإجرام لم يعد ينحصر اليوم على سلوكيات قديمة كالسحر والشعوذة فقط، إنما تعداها حتى إلى الأشكال الجديدة للجريمة، الأمر الذي يحتم معالجة هذه الظاهرة قبل انفلاتها إلى مستوى يصعب ضبطه.

حالات متعددة

قبل أيام قليلة، أعلنت مصالح الأمن الوطني أن عناصر أمن دائرة بئر الجير بأمن ولاية وهران، أوقفت سيدة محل بحث لدى مصالح العدالة، طبقا لـ 51 أمرا قضائيًا، من بينها 40 أمر بالقبض، صادرة عن عدة محاكم بالتراب الوطني.

وأشار بيان الشرطة أن المعنية هي شابة ثلاثينية موظفة بإحدى المصالح العمومية، مبحوث عنها في قضايا التزوير واستعمال المزور في محررات إدارية، وسوء استغلال الوظيفة، وإدخال بطريقة الغش لمعطيات في نظام المعالجة الآلية، وخيانة الأمانة وجرائم سيبرانية.

وبالنظر للتهم الموجهة للمعنية، فإنها متابعة في قضايا جنائية قد تصل إلى المؤبد أو عشرات السنين من الحبس النافذ.

والأسبوع المنصرم، ذكر بيان أمني أن فرقة الشرطة القضائية لأمن المقاطعة الإدارية باب الوادي بالعاصمة، تمكنت من وضع حد لنشاط شبكة إجرامية منظمة عابرة للحدود متكونة من سبعة أشخاص بينهم امرأتان، مختصة في المتاجرة بالمخدرات، مع ضبط  23985 قرصًا من المخدرات الصلبة و 2055 كبسولة من المؤثرات العقلية.

وتواجه السيدتين المنتميتين لهذه الشبكة الإجرامية تهم الاستيراد والشحن والنقل عن طريق العبور، والحيازة والتخزين ووضع للبيع المخدرات الصلبة بطريقة غير مشروعة، على درجة من الخطورة، تهدد الأمن العمومي والصحة العمومية في إطار جماعة إجرامية دولية منظمة عابرة للحدود الوطنية، وتبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة.

وفي  كانون الأول/جانفي الماضي، أوقفت مصالح الأمن بولاية سطيف امرأة تنشط ضمن دولية منظمة عابرة للحدود مختصة في ترويج حبوب الإجهاض والمؤثرات العقلية، باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي.

وفي الشهر ذاته، أوقفت فرقة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية التابعة لأمن ولاية الشلف امرأة تنتمي لجماعة إجرامية متهمة في قضية النصب والاحتيال عبر الإنترنت، راح ضحيتها أكثر من 90 شخصًا من مختلف مناطق الوطن.

وكشفت التحقيقات الأمنية أن المرأة " المجرمة" وشركائها كانوا ينشطون تحت غطاء شركة إلكترونية، تقوم بإغراء ضحاياها بمناصب عمل وهمية وعرض سلع وخدمات بأسعار جد مغرية، مقابل مبالغ مالية وحُلّي من الذهب يدفعها الضحايا.

وبولاية المسيلة الداخلية التي توصف بأنها "محافظة" أوقفت فرقة البحث والتدخل امرأة  متهمة بترويج الكوكايين والمؤثرات العقلية.

ولا يقتصر الأمر هذه الولاية، ففي بداية العام الجاري أوقفت مصالح الامن امرأة  تنشط ضمن شبكة إجرامية منظمة مختصة في المتاجرة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، ويمتد نشاطها انطلاقًا من ولاية تمنراست جنوبي الجزائر إلى العاصمة، وهي القضية التي تم خلالها حجز أكثر من 30 كيلوغراما من الكوكايين.

تعددت الأسباب

إلى هنا، لا تنكر أستاذة علم الاجتماع الجريمة والانحراف بجامعة قالمة الدكتورة فوزية ورناني ظاهرة تورط المرأة في عدة قضايا متعلقة بالجرائم، مؤكدة في حديثها مع "الترا جزائر" أن هذه الظاهرة أصبحت واقعًا معاشًا لابد من دراسته وتسليط الضوء عليه.

وأوضحت ورناني أن من بين الأسباب التي كانت وراء دخول  المرأة عالم الإجرام، هو التغير الاجتماعي الذي حدث في المجتمع الجزائري، وغير في بناء الأسرة وتشكيلتها، فغير تصرفات المرأة التي أصبحت تقوم بسلوكات منافية لقيم المجتمع بسهولة.

وأشارت أستاذة علم الاجتماع الجريمة والانحراف، إلى أنه بالرغم من أن نسب السلوك الإجرامي المسجل لدى المرأة في الجزائر يبقى بعيدًا كل البعد عن الإحصاءات التي تعرفها عدة دول، إلا أنه لا يمكن إغفال هذا الواقع، والتي تعود أسبابه إلى العوامل والتأثيرات النفسية التي قد تتعرض لها المرأة داخل الأسرة، وتحدث أثارًا تترجم في القيام بسلوكيات انحرافية جراء عنف الأب أو الزوج أو الأخ، سواءً كان هذا العنف جسديًا أو لفظيًا.

وعددت الدكتورة فوزية ورناني من بين الأسباب الحاجة التي قد تقع فيها المرأة عندما تتقطع بها السبل كالمرأة المطلقة، إضافة إلى جماعة الرفاق التي قد تظهر فروقًا حياتية تجعل المرأة تنزح نحو الإجرام لتلبية شهواتها لتصبح معادلة لمستوى نظيراتها، إضافة إلى الإهمال العائلي وضعف أداء مؤسسات التنشئة في القيام بالمهام المنوطة بها.

تابوهات 

لا تتوفر إحصاءات رسمية دقيقة بشأن عدد النساء الموقوفات لارتكابهن جرائم، بالنظر إلى أن القانون لا ينظر إلى جنس المجرم إنما إلى الفعل الذي ارتكبه.

وجاء في مقال نشر في مجلة المواقف للبحوث والدراسات في التاريخ والمجتمع تحت عنوان "واقع السلوك الإجرامي لدى المرأة في المجتمع الجزائري" أن المرأة كانت وراء 10.83 بالمئة من الجرائم المرتكبة في دراسة مست الفترة الممتدة من 2005 إلى 2008.

وجاء في المقال أنه "نظرًا لما لحبس النساء والبنات من آثار سيئة على مستقبلهن في المجتمع الجزائري، خاصة بعد إطلاق سراحهن من مؤسسات إعادة التربية، حيث لا يقبلن من طرف عائلتهن ومن المجتمع ككل، فإن رجال الشرطة والقضاء كثيرًا ما يتسامحون معهن تفاديًا لرفض المجتمع لهن وخوفًا عليهن من العودة إلى الجريمة".

ولا توجد أيّة تصريحات رسمية تؤكد هذا التسامح الذي تحدث عنه المقال، لكن في كل الأحكام سواء بالنسبة والرجل يكون لتقدير القاضي دور في حجم العقوبة المسلطة على المتهم.

في هذا السياق، تشير الدكتورة فوزية ورناني أن ارتكاب المرأة للجريمة ما يزال يشكل أحد الطابوهات المسكوت عنها في الجزائر، رغم وجود هذه الحقيقة، حيث أشارت في حديثها مع "الترا جزائر" إلى أن أحد الطلبة الذين تعرفهم أصبح من المدمنين على المخدرات جراء الترويج  لهذه السموم من قبل إحدى زميلاته.

وعند التمعن في نشاط المجتمع المدني، وبالخصوص الجمعيات المهتمة بشؤون المرأة يتضح إغفالها لهذه الظاهرة إما سهوًا أو عمدًا، وهو ما يزيد في كثير من الأحيان بانغماس المرأة أكثر في هذه السلوكات المنحرفة، لذلك ترى الدكتورة فوزية ورناني أنه على المجتمع المدني أن يلعب دوره المنوط به في التوعية بهذا الخطر وعدم  تجاهل والسكوت عن هذه الأفعال التي تهدد المجتمع بكل عناصره والمرأة بالتحديد.

تشير الدكتورة فوزية ورناني أن ارتكاب المرأة للجريمة ما يزال يشكل أحد الطابوهات المسكوت عنها في الجزائر

وتوصي أستاذة علم الاجتماع الجريمة والانحراف بضرورة لعب مؤسّسات التنشئة لدورها كاملًا بداية بالأسرة، وبالخصوص الأم التي يجب أن تحرص على متابعة تصرفات بناتها وبالخصوص في فترة المراهقة، إضافة إلى أن المدرسة مطالبة بالاهتمام بالجانب التربوي والتعليمي وتتفادى  سلوكات العنف الجسدية أو اللفظية التي قد تكون سببا في جنوح المرأة للعنف كرد فعل عما تعرضت له لما كانت تلميذة أو طالبة.