حصل المطبخ الجزائري في الفترة الأخيرة على إشادات عالمية من مواقع متخصّصة في مجال الطعام، ليؤكّد بذلك تفرده عن باقي المطابخ في المنطقة العربية والأفريقية، إلا أن هذا التميز يبقى يفتقد للتسويق والترويج اللازمين ليصبح مطلوبًا بكثرة داخل المؤسسات الفندقية والسياحية الجزائرية والأجنبية.
جاء طبق الشخشوخة البسكرية في المرتبة الـ 14 عالميًا بين أفضل يخنات العالم حسب تصنيف موقع "تيست أتلاس"
ويكمن ثراء المطبخ الجزائري في تنوعه واختلافه من منطقة لأخرى داخل الولاية الواحدة، ومن ولاية لأخرى، إضافة إلى ارتباطه في الغالب بما يوفره المنتوج الفلاحي المحلي لذلك فهو يمزج بين البساطة والتعقيد في آن واحد.
مراكز متقدمة
أظهرت إحصاءات حديثة تبوء المطبخ الجزائري لمراكز متقدمة في تصنيفات عالمية، والتي اختلفت حسب الطبق أو الحلوى المعنية بالتصنيف، ومدى لذتها وغناها الغذائي، ففي حزيران/جوان الماضي وضع تصنيف لموقع "تيست أتلاس" المطبخ الجزائر في المرتبة الأولى عربيًا والثاني أفريقيًا بعد جنوب أفريقيا في الطبخ اللذيذ.
وجاءت الجزائر في المرتبة 26 عالميًا ضمن قائمة ضمت أفضل 50 مطبخًا من دول عدة من مختلف قارات العالم، فقد تفوق مطبخها على مطابخ خمس دول عربية احتوتها القائمة، حيث جاء في المرتبة الثانية المغرب (31 عالميًا) و سوريا في المرتبة الثالثة عربيًا (35 عالميًا) ولبنان في المرتبة الرابعة عربيًا وتونس في المرتبة الخامسة ومصر السادسة عربيًا.
وبعدها أظهر تصنيف جديد للموقع ذاته أن حلوى مقروط اللوز الجزائرية حصدت المرتبة الرابعة حول أفضل حلوى على المستوى العالمي، محتلّة بذلك المرتبة الأولى عربيًّا وأفريقيًّا، ضمن إحصاء شمل هذه المرة قائمة تضمّ 50 نوعًا من الحلوى اعتبرها الأفضل في العالم.
كما احتل الطبق التقليدي "الشخشوخة" في المرتبة الـ14 بين أفضل يخنات العالم إذ حصلت على 4.6 نقطة من 5، حيث يقصد باليخنة التي صنفت الشخشوخة ضمنها الطبق الذي يتكون من الخضر واللحم والمرق مع العجائن أو الرز.
استفادة
ظلّ المطبخ الجزائري مغيبًا في السنوات الماضية عن المنابر الإعلامية، رغم ثرائه الكبير الذي يتنوع من منطقة إلى أخرى حتى بالنسبة للطبق الواحد، إلا أن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات تلفزيونية متخصّصة في مجال الطبخ ساعد على تسليط الضوء على هذا الثراء الثقافي للبلاد في مجال الطعام.
وساهمت طرق التسويق التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج للأطعمة الجزائرية عبر طباخين صاروا نجومًا في التلفزيون والإنترنيت، وبالخصوص على فيسبوك ويوتيوب في مقدمتهم أم وليد التي وصل عدد مشتركيها على قناتها في اليتويوب إلى 11 مليون، متجاوزة بذلك نجوم الكرة والغناء والتمثيل في مقدمتهم مغني الراب "سولكينغ" الذي يحوز على اكبر عدد من المشتركين في قناته بـ9.51 مليون.
وساعد هذا الاهتمام في بروز بعض المطاعم التي تقدم أطباق تقليدية مثل الكسكسي والشخشوخة وغيرهما، خاصة مع الطلب الكبير عليها من قبل الزبائن، بالنظر إلى أنها كانت غائبة بشكل كبير في المطاعم والفنادق الكبرى، واقتصارها في الغالب على المطاعم الشعبية.
لا مبالاة
رغم الاعتراف الذي يحصده المطبخ الجزائري عالميًا، إلا أن الاهتمام بهذه الثروة التي أصبحت في دولا أخرى كإيطاليا وتركيا عاملًا مهمًا في قطاعات اقتصادية وسياحية لا يزال مفقودًا في الجزائر.
وباستثناء الجهد الذي تم سابقًا من قبل وزارة الثقافة لتسجيل "الكسكسي" طبقًا مغاربيًا مشتركًا في اليونيسكو، فإنه يمكن القول على الإجمال أن الاهتمام بالمطبخ والمطعم الجزائري يبقى منعدمًا، فلا يوجد توثيق كبير للأطباق الجزائرية ووصفاتها وأسرارها بالرغم من الصيت الذي بلغته بعض المأكولات وطنيًا وخارجيًا.
وتخلت وزارة الثقافة عن تنظيم المهرجان الدولي للكسكسي الذي يعد سيد المائدة الجزائرية، حيث توقف طبعاته عند الدورة الثالثة التي أقيمت في 2020، وذلك بالرغم رغم أهمية هذا المهرجان في التعريف بمختلف أنواع الكسكسي الموجودة في الجزائر، والتي لا توجد في دول أخرى.
الأطباق الجزائرية تشكّل موردًا اقتصاديًا في مجال السياحة والفندقة بحاجة إلى اهتمام سلطات البلاد
من المؤكّد أن المراتب التي يحصدها المطبخ الجزائري ستشكل حافزًا للناشطين في هذا المجال للاستمرار في المحافظة على لذة أطعمته وتنوعه، إلا أن ذلك يبقى غير كاف في حال ما لم تتحرك السلطات العمومية وتفهم أن الأمر لا يتعلق بإرث مادي فقط، إنما أيضًا بمجال أصبح يمثل موردًا اقتصاديًا هامًا في بعض الدول، لذلك من المفروض على الأقل ضرورة تضمين الأطباق التقليدية في قائمة الطعام التي تقدمها الفنادق الجزائرية وشركات الطيران العاملة بالبلاد.