12-ديسمبر-2018

الشعار الموحّد للجمعيات المشرفة على المقاهي الثّقافيّة (فيسبوك)

ألترا صوت – فريق التحرير

ما أن أعلنت الحكومة الجزائرية عن سياسة التقشّف بالموازاة مع هبوط أسعار النّفط في الأسواق العالمية، حتى ترتّب عن ذلك انخفاض دعمها للمشاريع الثقافية، وتراجع منسوب النشاط الثقافي في البلاد، واختفت مهرجانات ووجوه كانت في الواجهة.

أول ما ترتب على سياسة التقشّف للحكومة الجزائرية هو انخفاض دعمها للمشاريع الثقافية

أدّى ذلك إلى اختزال المشهد الثقافي في قطاع واسع من النّخبة المثقفة يكتفي بانتقاد وزارة الثقافة ويطالب برحيل وزيرها الكاتب عزّ الدين ميهوبي، ووزارة لا تفوّت فرصة إعلامية للدّفاع عن نفسها، في غياب شبه تامّ للمبادرة في تجاوز الوضع والذّهاب به إلى مقام النشاط والحركة.

اقرأ/ي أيضًا: مقاهٍ جزائرية.. تثور على ثقافة "اشرب واهرب"

في ظلّ هذا الواقع، بادرت وجوه ثقافية مستقلّة إلى إطلاق مقاهٍ ثقافية تشرف عليها جمعيات مستقلّة في الجهات الأربع للبلاد، استطاعت في ظرف وجيز أن تلفت الالتفات إليها بنشاطاتها، التي صالحت بين الفعل الثقافيّ والجمهور، وتميّزت بكثافة الحضور، وبمبادراتها التي تفوّقت على إمكانياتها.

كانت البداية في مدينة برج بوعريريج، 200 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، قبل ثلاثة أشهر، حيث تمّت المراهنة على العمل التطوّعي والتّنويع في الاشتغال على الفنون والانفتاح على مختلف الوجوه وتعدّد المبادرات، منها جائزة امحمّد بن قطّاف في الكتابة المسرحية، التي سارع وزير الثقافة إلى تبنّي تمويلها من خلال "الدّيوان الوطني لحقوق المؤلّف" مصرّحًا في أكثر من لقاء إنه سيرافق هذه المقاهي الثقافية، لأنّه معجب بروح المبادرة لديها، وكتب في حسابه على تويتر "من يبادر يلق الدّعم".

يقول الممثل عقبة بوعافية رئيس جمعية "نوميديا الثقافية" التي بادرت بإطلاق المقهى الثقافي في برج بوعريريج لـ"الترا صوت": "لسنا بديلًا لأحد، نحن بديل لأخطائنا في السّابق. ولسنا حليفًا لأحد، نحن حلفاء الفعل الثقافي الجيّد والجاد والحر والمفتوح على التعدّد والاختلاف".

لسنا حركة منغلقة أو مغلقة، يواصل عقبة بوعافية، إذ من حقّ من أراد أن يطلق مقهى ثقافيًا أن يفعل ذلك، كما فعلنا نحن مع من سبقنا، فلسنا الأوائل، لكننا نحتكم إلى رؤية خاصّة في قبول الشراكة، ولن نوافق على أن يحمل اللوغو الخاصّ بنا مقهى لا يحمل المبادرون به المبادئ نفسها".

يختصر المسرحي بوتشيش بوحجر، الذي أسّس "تعاونية المعبد التياترالي" في مدينة حمّام بوحجر، 500 كيلومتر غرب الجزائر لعاصمة، وهو بصدد إطلاق مقهى ثقافيّ فيها، هذه المبادئ، في التحلّي بروح المبادرة، وعدم اشتراط الدّعم الحكومي لمزاولة النشاط الثقافي، والعمل على إعادة الجمهور إلى الاهتمام ومتابعة الأفعال الثقافية.

يضيف بوتشيش: "نؤمن عميقًا، نحن الشّركاء في مسعى المقاهي الثّقافية، بدور الفنان في ردم الهوّة بين الفنون والجمهور. وبين الفنون فيما بينها والفنانين فيما بينهم، واقتراح بدائل للأعطال والأعطاب، التي باتت تعانيها عملية التلقي بكلّ تجلّياتها، ومن فلسفتنا في هذا الباب الخروج إلى الفضاءات المفتوحة".

من جهته، يقول المسرحي علي عبدون من جمعية "أيراد" المشرفة على المقهى الثقافي في تلمسان: لسنا هيئة سياسية يهمّها أن تفتح فرعًا لها في كلّ بقعة، ولو على حساب المعايير المطلوبة، بل نحن حركة ثقافية تقدّس قيم الصدق والمصداقية والنّزاهة والجودة والجمال والتنوّع وروح المبادرة والتطوّع". ويستشهد بالمثل الشّعبي "كمشة نحل خير من قنطار ذبّان"، أي "حفنة من النّحل أفضل من قنطار ذباب".

لقد وصلنا إلى مرحلة، يقول علي عبدون لـ"ألترا صوت" باتت فيها المؤسسات الثقافية الحكومية تتوفر على نوادٍ أدبية وفنّية، لكنها لم تستطع أن تقدّم رؤية واضحة للنشاط الثقافي، وتعمل على تحريك المشهد، بل كانت مظلّة لتبرير صرف المال العامل. يضيف: "المقاهي الثقافية مبادرة ثقافية مدنية تطوّعية مستقلة، تشرف عليها جمعيات ثقافية معتمدة. ولا نرى جدوى من تبعيتها المباشرة للمؤسّسات الرّسمية بناء على تجارب سابقة فاشلة".

على النخب المثقفة أن تلعب دورها المتمثّل في روح الاقتراح والمبادرة والمراقبة

في السّياق، يقول النّاشط الثقافي جلّول حدّادي رئيس تعاونية "النّخلة" لفنون العرض والتّراث الشّعبي في مدينة أدرار، 1700 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، "نملك الاستعداد للتنسيق مع المؤسّسات العامّة والخاصّة، في الرهانات والمشاريع الثقافية المشتركة، لكننا لسنا مستعدّين للذوبان فيها". يختم: "نقدّس روح النقد والاقتراح والمبادرة ولا نخاف في الثقافة لومة لائم، لكننا نلتزم بقاموس المثقف في التعامل مع المحيط العام".

اقرأ/ي أيضًا: مقهى ثقافي في عاصمة الأمير عبد القادر الجزائري

ويقول الكاتب والنّاشط فتحي كافي، الذي يعمل هذه الأيّام، على إطلاق مقهى ثقافي في مدينة تيارت، 600 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة، "على النخب المثقفة أن تلعب دورها المتمثّل في روح الاقتراح والمبادرة والمراقبة، في مقابل أن تلعب الوزارة الوصية دورها المتمثّل في الدّعم". يعلّق الممثل محمّد بن يحي أحد المشرفين على مبادرة المقهى الثقافي في مدينة معسكر، 400 كيلومتر غربًا: "على الساحة الثقافية في الجزائر أن تنتقل إلى الاحتكام لروح المبادرة لا لروح الولاء لجهة ما أو العداء لأخرى انطلاقًا من مصالح وطموحات ضيّقة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مقهى ثقافي" في الجزائر.. المراهنة على حوار الجماليات

​مقهى ثقافي بأبعاد أفريقيّة في الجنوب الجزائريّ