عامًا بعد عام، تقلّ فرص الجزائريين في الهجرة والاستقرار بالضفّة الأخرى من البحر الأبيض المتوسّط؛ وذلك بسبب الإجراءات الجديدة المتّخذة من عدة دول أوروبية، وآخرها اليونان التي وضعت الجزائر ضمن قائمة 12 دولة، لا يحقّ لمواطنيها طلب اللجوء فيها.
نقلت تقارير إعلامية ترحيل أثينا لـ 33 جزائريًا نحو بلادهم، بعدما قضوا عقوبة ثمانية أشهر في سجن مدينة باتراس
رغم أن اليونان ليست في قائمة الدول التي يرغب الجزائريون في الاستقرار بها، إذ أنها غالبًا ما تشكّل نقطة عبور إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر تركيا.
اقرأ/ي أيضًا: ترجمة | الهجرة السرّية إلى الجزائر.. أكبر مما تستقبله أوروبًا يوميًا
بلد آمن
نهاية الأسبوع الماضي، قرّرت اليونان إدراج الجزائر ضمن 12 دولة، صنّفت على أنها بلدان آمنة، لن يكون لمواطنيها مستقبلًا حقّ طلب اللجوء إلى اليونان، مهما كانت الأسباب.
وتضمّ هذه الدول إضافة إلى الجزائر، كلًا من ألبانيا وأرمينيا وغامبيا وجورجيا وغانا والهند والمغرب والسنغال ومملكة تونغا وتونس، إضافة إلى أوكرانيا عضو الاتحاد الأوروبي.
ورغم رفض عدّة منظمات حقوقية، وأخرى مهتمة بملفّ اللاجئين والمهاجرين غير القانونيين هذا القرار، إلا أنّ حكومة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، مصرّة على تطبيقه.
في السنوات الأخيرة، أصبح كثير من "الحراقة" الجزائريين، يصلون أوروبا عبر اليونان التي يدخلونها من الحدود مع تركيا، التي تصنّف ضمن الوجهات السياحية المفضّلة للجزائريين.
ونقلت مواقع التواصل الاجتماعي، وتقارير إعلامية في عديد المرّات، وصول جزائريين في هجرة سرّية إلى اليونان عبر بحر إيجة، انطلاقًا من تركيا، كما أوردت أيضًا في مرّات عديدة، مصرعهم قبل الوصول إلى مرادهم في رحلات سرّية بقوارب هشّة.
سجن وترحيل
في الغالب، يكون مصير "الحراقة" الجزائريين الذين يصلون إلى اليونان، في حال وقعوا بين أيدي حراس السواحل أو الشرطة السجن والترحيل، ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نقلت تقارير إعلامية ترحيل أثينا لـ 33 جزائريًا نحو بلادهم، بعدما قضوا عقوبة ثمانية أشهر في سجن مدينة باتراس، التي يُعرف ميناؤها إنزالًا متواصلًا للمهاجرين السرّيين من كل الجنسيات.
ودفع الإقبال الذي تعرفه اليونان سنويًا من المهاجرين السريّين، بالمكتب الأوروبي لدعم اللجوء، إلى التعهّد بنشر نحو 550 من الموظفين الإضافيين في اليونان، لمساعدتها على مواجهة التدفّق المتواصل للمهاجرين إليها.
وتُظهر إحصاءات رسمية، أن ما يقرب من 75 ألف مهاجر، وصلوا إلى السواحل اليونانية خلال عام 2019.
يبدو أن قرار إخراج الجزائريين من قائمة الجنسيات التي يمكنها الحصول على اللجوء، كان مردّه أيضًا الأعداد الهائلة من طلبات اللجوء التي لم تعالجه لسلطات اليونانية عد، والتي قد تستغرق أشهر لدراستها.
وحسب الإحصاءات التي قدّمتها سفيرة اليونان بالجزائر نيكي إيكاتريني كوتراكو، قبل عام من الآن، فإن قرابة ألف "حراق" جزائري موجود في بلادها، مشيرةً إلى أن أغلبهم تورّطوا في قضايا تتعلّق بالحقوق المشتركة وبعض الجرائم الأخرى.
رغم المبرّرات التي تسوّقها السلطات اليونانية عن المهاجرين السرّيين الجزائريين، إلا أن كثيرًا من شهادات العائدين من اليونان، تؤكّد أن المهاجرين يتعرّضون لمعاملات قاسية منافية لحقوق الإنسان من طرف السلطات اليونانية حتى ولو لم يرتكبوا أّية تجاوزات.
اليونان غير آمن
لم يكن الشاب الجزائري مُعزّ، ينوي الاستقرار في اليونان، فقد كانت وجهته نحو إسبانيا، ولكنّه وقع في قبضة حرس الحدود اليوناني وأعادوه إلى تركيا ومن ثمّ إلى موطنه، هنا، يقول في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّه بعد أن قام باجتياز السياج الواقع على الحدود التركية اليونانية، وتحديدًا من مدينة أدرنة التركية، وبعد مسافة كيلومتر واحد ألقي عليه القبض رفقة 15 مهاجرًا سريًا آخرين من مختلف الجنسيات، ووضع في الحجز لمدّة يومين، وتعرّض للضرب المبرح من طرف الحرس اليوناني، ومصادرة ملابسه وهاتفه وأمواله، وتلقّى كميات محدودة جدًا من الطعام خلال الحجز، قبل أن ينقلوه إلى تركيا.
التشديد الأمني على المهاجرين السرّين الجزائريين، الذين يدخلون اليونان عبر الحدود التركية، سيتضاعف هذا العام، بعد أن قرّرت سلطات أثينا، عقب الحريق الذي اندلع في مخيم موريا على جزيرة ليسبوس نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، إعادة 10 آلاف مهاجر سرّي إلى تركيا نهاية العام الجاري 2020.
قرار اليونان بشأن الجزائر وتصنيفها بلدًا آمنًا، يستدعي عدم القبول بمنح وثائق إقامة للمهاجرين السرّيين الجزائريين، ليس أمرًا جديدًا، فمنذ تزايد تدفق المهاجرين على القارّة الأوروبية، خاصة بعد موجة الربيع العربي، سارعت مختلف العواصم في الضفّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسّط، إلى تصنيف الجزائر بلدًا آمنًا، بهدف ترحيل مواطنيها "الحراقة"، وهي التي كانت إلى وقت قريب، تُدرج ضمن خانة الدول المنصوح بعدم السفر إليهم.
كانت ألمانيا السباقة لسنّ هذا النوع من القوانين، كمخرج لها من موجة الاستقبال الكبيرة التي خصّصتها للاجئين خاصّة السوريين، فقد حاولت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 2017، الحصول على موافقة من البرلمان على تصنيف الجزائر بلدًا آمنا، غير أن طلبها قوبل وقتها بالرفض، لتتقدّم بطلب جديد بداية 2019 إلى البرلمان، والذي حقّق لها مبتغاها في المرّة الثانية.
ووضعت ألمانيا دول المغرب العربي، الممثلة في الجزائر وتونس والمغرب، وكذا جورجيا ضمن خانة البلدان الآمنة، وفق قانون يسمح لمصالح الهجرة في البلاد، إمكانية رفض شبه تلقائي لطلبات لجوء رعايا هذه الدول دون تبرير الرفض.
وينصّ القانون الألماني ذاته، على تسريع عمليات ترحيل من رُفضت طلبات لجوئهم، بالنظر إلى عدم وجود ملاحقات سياسية، أو ممارسات أو عقوبات غير إنسانية أو مهينة لهم في دولهم، وهو الرأي الذي تنتقده المنظمات الحكومية، بحجّة أن هذه المخالفات تحدث حقًا في دول شمال إفريقيا ومنها الجزائر.
وفي تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، وضعت إيطاليا هي الأخرى الجزائر ضمن قائمة البلدان الآمنة، التي تضمّ 13 دولة بناءً على مرسوم حكومي، ينصّ على تقليص إجراءات إعادة المهاجرين السرّيين إلى بلدانهم، من عامين إلى حوالي أربعة أشهر فقط.
تخفي الإجراءات الأوروبية في طياتها تنصّلًا من اتفاقات تنقّل الأشخاص، والوعود التي تقدّم لدول شمال إفريقيا
وإذا كانت هذه الإجراءات، قد تمثّل في أحد جوانبها فصولًا تتعلّق بالمعاملات الإنسانية للمهاجرين السرّيين، والتخلّي عن تصنيف الجزائر وغيرها من دول شمال إفريقيا، ضمن البلدان التي تشكّل خطرًا على مواطنيها، إلا أنها تُخفي في طياتها تنصّلًا من اتفاقات تنقّل الأشخاص، والوعود التي تقدّم لدول شمال إفريقيا في اجتماعات مجموعة (5+5)، أو الاتحاد من أجل المتوسط.
اقرأ/ي أيضًا:
مرسوم إيطالي جديد.. لا إقامة ولا إدماج لـ"الحراقة" الجزائريين
رغم وعود الرئيس.. "الحراقة" يواصلون شقّ البحر نحو أوروبا