مع اقتراب امتحانات الأقسام النهائية في الجزائر، يبحث كثير من التلاميذ والطلاب وأوليائهم عن مكملات الغذائية أو مشروبات يُشتهر أنها تزيد من قدرة الاستيعاب والتركيز والحفظ السريع، وهو ما يظهر في الإقبال الواسع على هذه المواد في الصيدليات التي تتفنن في عرضها في الواجهة لاصطياد أكبر عدد من الزبائن.
طبيب أطفال لـ "التراجزائر": لا توجد أيّة دراسات علمية تثبت فعالية المكملات الغذائية في زيادة القدرات العقلية للطلاب
وعلى الرغم من أن الغذاء الطبيعي الغني بمضادات الأكسدة والفيتامينات ونمط الحياة الذي يوازن بين الحركة والراحة والنوم يبقى الأفضل في تهيئة التلميذ بدنيًا ونفسيًا لليوم المشهود، إلا أن اللجوء إلى المكملات الغذائية الدوائية بات دارجًا للاعتقاد الشائع، تأثرًا بالمواد الإعلانية التي تبث في التلفزيون وعلى مواقع التواصل، بأنها تمثل حلًا سحريًا للحصول على أعلى تركيز خلال الامتحان.
هنا، تقول السيدة فوزية في هذا الصدد التي صادفناها بإحدى صيدليات ولاية البليدة، إنها جاءت تبحث عن مكمل غذائي لابنتها المقبلة على امتحان شهادة الباكالوريا شعبة الآداب هذه السنة. وتذكر أنها ليست مقتنعة كثيرًا بهذه المواد التي لم تكن متوفرة في سنوات سابقة، إلا أن إصرار ابنتها والضغط الذي مارسته عليها بعد رؤية أغلب صديقاتها يستعملن هذا المكمل الغذائي، دفعها لتلبية رغبتها.
وتستدرك هذه السيدة الخمسينية التي تعيش أجواء الامتحان بحماس شديد كما لو أنها من سيجتازه، بالقول: صحيح أني تردّدت في شراء هذه المكملات الغذائية، لكن صدقوني الفترة التي تسبق الامتحان مرهقة كثيرًا سواءً للتلاميذ أو آبائهم، ونحن كلنا اليوم في حالة قلق وترقب لليوم الموعود، ولا بأس في رأيي بالاستعانة ببعض المقويات التي ترفع قليلًا من معنويات التلميذ إذا كان الغرض منها تجاوز حالة القلق خلال هذه الأيام والتوجه بثقة يوم الامتحان".
أنواع المكملات الشهيرة
ومن بين المكملات الغذائية التي يقبل عليها الطلبة وفق ما استطلعناه من صيادلة، فيتامين ب المركب وهو فيتامين هام جدًا للمذاكرة والتحصيل وتحسن الذاكرة مع زيادة القدرة على التركيز، ومضادات الأكسدة مثل فيتامين (س) و(أ) و(E) والسيلينيوم. بالإضافة لأوميجا 3، وهي أحماض دهنية جيدة تسهل نقل الموجات العصبية وأثبتت فاعليتها فى زيادة القدرات الذهنية وأخيرًا المعادن مثل الزنك والمغنزيوم والبوتاسيوم وهي من المكملات الهامة وقت المذاكرة.
أما هواة الابتعاد عن التركيبات الكيميائية، فهم يلجؤون عادة إلى بعض النباتات الطبية التي تحفز الدماغ وتزيد من قدراته على الحفظ والتركيز، وينصح الخبراء باستعمالها بعقلانية حتى لا تطغى التأثيرات الجانبية على الشخص، ومنها الزعتر وهو غني بأوميغا 3، التي تحمي الدماغ من التدهور المعرفي المرتبط بالعمر أو الخرف كما أنها تحسن التعلم والذاكرة. ويحتوي الزعتر أيضًا على مركبات الفلافونويد وهي مضادات للأكسدة والتي تحمي خلايا الدماغ، والجينسينغ الذي اشتهر باستخداماته لزيادة القدرة على التركيز، ومساهمته في إزالة الإجهاد والتعب المزمن.
وفي حديث مع "الترا جزائر"، يؤكد الدكتور أكرم بولحشيش، وهو صيدلي في العاصمة أن فترة الامتحانات النهائية التي تكون بين شهري نيسان/أفريل وأيار/ماي هي التي تعرف ذروة الإقبال على المكملات الغذائية من طرف الأولياء، وهو ما يلاحظه الصيادلة عادة في ارتفاع رقم أعمالهم الخاص بالمواد غير الدوائية أو شبه الدوائية.
وأبرز الدكتور أن الإعلانات تؤثر على اختيار الأولياء للمكمل وغالبًا ما يأتون إلى الصيدلية لشراء منتج رأوه على التلفزيون، مثل ماركات معينة لمواد "الأوميقا 3"ومركبات الفيتامينات والمغنزيوم التي ينقص التوتر ويساعد على النوم، وغذاء ملكات النحل، بينما هناك من يفضل الاستعانة حسبه بخبرات الصيدلي ويطلب منه الماركات الأكثر موثوقية وتجريبًا.
وأضاف الصيدلي أن هناك ماركات معينة تسوق أكثر من غيرها مثل بعض علامات المخابر الفرنسية، إلا أن الإنتاج المحلي أيضًا نال حصته من الإقبال على المكملات الغذائية في السنوات الأخيرة بعد أن أصبحت المخابر الجزائر تنوع من إنتاجها وتستعمل استراتيجية في التسويق جذابة للمستهلك.
ضرورة التقيد بالجرعات
ما يؤكد عليه المتحدث إلى جانب المعلومات التي قدمها، هو أهمية دور الصيدلي في هذه الحالة، لأن أغلب المكملات الغذائية تؤخذ بدون استشارة طبية، مشددًا على ضرورة اتباع النصائح فيما يخص التركيبة وطرق الاستعمال وكيف ومتى يتم تناول هذا المكمل للحصول على أفضل فعالية واتباع الجرعة المنصوح بها.
من جهته، يقول الدكتور بلوزداد، وهو طبيب أطفال لـ "التراجزائر"، إنه لا توجد أيّة دراسات علمية تثبت فعالية المكملات الغذائية في زيادة القدرات العقلية للطلاب، والأفضل لزيادة القدرة على الحفظ والتركيز هو الاكل المتوازن والصحّي الذي يحتوي على جميع الفيتامينات والمعادن، والنوم الجيّد طول الليل والابتعاد عن المنبهات والمشروبات الطاقية والسكريات والحلويات واستبدالها بالفواكه والمكسرات.
وأبرز الدكتور أنه لا ينصح بها في عيادته، لأنها تشكل أحيانًا خطرًا على صحة الطفل وتسبب تسسمات في حالة أخذ جرعات زائدة مثل الفيتامين أ وفيتامين د، وأما "الاوميقا 3" فنصح بأخذها من مصدرها الطبيعي بتناول السمك مرة في الأسبوع، وفق ما قال.
وهنا أيضًا نبّه الصيدلي بولحشيش إلى أن المكملات الغذائية لها مفعول محدود ونسبي وليست هي من سيعوض جهد الطالب في الامتحان، لذلك لا يجب المبالغة كثيرًا حسبه في تناول أنواع مختلفة منها ظنًا أنها مواد بإمكانها منح قدرات خارقة للتلميذ.
إقبال شديد وفوضى في السوق
وما يؤكد إقبال الجزائريين على هذا النوع من المواد، تصريح وزير الإنتاج الصيدلاني علي عون قبل أشهر أن الجزائر تستورد حوالي 500 مليون أورو سنويًا من المكملات الغذائية، معتبرًا أن الأمر لا يمكن أن يستمر على هذا النحو دون مراقبة في ظلّ الاستهلاك المبالغ فيه لها وما قد يسببه ذلك من مخاطر على الصحة العامة للجزائريين.
ودفعت فوضى سوق المكملات الغذائية، سلطة ضبط السمعي البصري للتدخل ودعوة كل وسائل الإعلام الى "ضرورة التقيد بالتعليمة الوزارية المشتركة الصادرة في آب/أوت 2022 والمحددة لكيفيات مراقبة مطابقة المكملات الغذائية الموجهة للاستهلاك البشري، في جميع ما يبث من حملات إشهارية لأي منتوج ذي صلة بالمكملات الغذائية".
وطلبت سلطة الضبط من القنوات ضرورة التوقف عن وصف المكملات الغذائية بادعاءات علاجية ووقائية للأمراض البشرية أو ادعاءات صحية غير مبررة، والالتزام أيضًا بالتأكد من وجود وصحة الرمز العمودي (كود بار) على رزم المكملات الغذائية".
الفيدرالية الجزائرية للصيدلة دعت مرارًا إلى ضرورة سن قوانين لتسيير وتنظيم سوق المكملات الغذائية
أما الفيدرالية الجزائرية للصيدلة، فدعت مرارًا على لسان رئيسها البروفسور عبد الحكيم بوديس، إلى ضرورة سن قوانين لتسيير وتنظيم سوق المكملات الغذائية الذي عرف توسعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة.