11-أكتوبر-2022
الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان (الصورة: أ.ف.ب)

الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان خلال عرض بيان السياسة العامة (الصورة: أ.ف.ب)

انتهت الخميس بتاريخ 6 أكتوبر/ تشرين الأول، مجريات عرض بيان السياسة العامة من طرف الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، وهو العرض الذي مر بردًا وسلامًا على الطاقم الحكومي، دون سحب الثقة من رئيس الجهاز التنفيذي الذي قدم في الختام مداخلة عميقة وقوية، وتبريرات للندرة التي تشهدها المواد الأساسية كالزيت والحليب، واعتذر صراحة لكل رب أسرة جزائري، لم يجد ما يبحث عنه في الأسواق، بل وذرف الدموع أمام نواب الشعب.

عدد من الوزراء تعرّضوا إلى انتقادات لاذعة خلال جلسات مناقشة بيان السياسة العامة مؤخّرًا

وبالرغم من أن بعض الوزراء كانوا تحت "قصف" البرلمانيين بسبب غياب النتائج الملموسة في قطاعاتهم، أو تأخّر تجسيد المشاريع أو وعودهم التي بقيت مجرد حبر على ورق، إلا أن ممثلي الشعب اعترفوا ببعض الانجازات المحققة، وبأن الكثير مما تضمنه مخطط عمل الحكومة الذي صادقوا عليه قبل سنة من اليوم قد رأى طريقه إلى النور.

وفي وقت يتحدث البعض عن تعديل حكومي جديد يعقب استكمال مناقشة بيان السياسة العامة، يزيح من خلاله الرئيس عبد المجيد تبون الأسماء التي اثبتت تقاعسًا في الأداء من الطاقم التنفيذي، يستبعد الأغلبية أي تعديل  وزاري في الظرف الراهن، حيث لم يعد يفصلنا الكثير عن تاريخ انعقاد القمة العربية بالجزائر، التي ستكون التحدي الأكبر الذي ينتظر السلطات.

وبغض النظر عن اختلاف أداء الوزراء في الطاقم الحكومي، يجمع النواب على أن عرض بيان السياسة العامة في حد ذاته إنجاز، وارتقاء بالعمل النيابي في الجزائر، مقارنة مع ما كان سابقًا، حيث لم تستقبل الهيئة التشريعية بيان السياسة العامة منذ سنة2019، مع تباين الوزراء الذين أشرفوا على تسيير مرحلة حكم بوتفليقة والمرحلة الانتقالية وحتى الوزير الأول السابق عبد العزيز جراد، الذي غادر دون استعراض نتائجه.

وزراء تحت "القصف"
تعرّض عدد من الوزراء إلى انتقادات لاذعة خلال جلسات عرض ومناقشة بيان السياسة العامة، لاسيما وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق بسبب ندرة المواد الأساسية ممثلة في الزيت والحليب ومنتجات مدعمة أخرى، يبدو أنها تمرر إلى خارج الحدود وفق تصريح الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن في رده على النواب، كما لقي وزير الصناعة أحمد زغدار أيضا وابلا من التساؤلات حول موعد جاهزية أول سيارة في السوق الجزائرية، التي تشهد ندرة غير مسبوقة في المركبات، فاليوم بعد مرور ثلاث سنوات من إقرار برنامج للاستيراد وآخر لعودة التركيب، لا وجود لسيارات جديدة في الجزائر إلا تلك التي تعتمد حيل "رخص المجاهدين" أو المستوردة دون ضمانات من طرف سماسرة ووسطاء مجهولي الهوية.

ويؤكد أحمد صادوق رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم أن عدد المداخلات في مناقشة بيان السياسة العامة فاق 344 مداخلة، لعدة مبررات منها رغبة النواب في مساءلة الحكومة والحصول على ردود شافية حول نقاط ظل غامضة، بعد مرور أكثر من سنة عن عرض المخطط.

محدث "الترا جزائر" يؤكد أن الكثير من التدخّلات جاءت كرد فعل على عدم تجاوب بعض الوزراء والولاة مع انشغالات النواب، مضيفا:"نواب حمس أجروا 55 مداخلة، بشكل موضوعي ومعايير شفافة، تعتمد الانسجام والحفاظ على السياسة العمومية للدولة وتتعلق أيضا بقياس الأثر على المواطن".

ويجزم صادوق أن الأموال المنفقة من طرف السلطات لم تذهب بشكلٍ مباشر للمواطن، الذي لايزال يعاني الغلاء وانهيار القدرة الشرائية، معتبرًا أن الحكومة لم توفق في مهامها في العديد من القطاعات بعد سنة من الأداء، رغم تفهم النواب للظرف الصحي والعالمي الذي مرت به بلادنا في العام الأول لتجسيد مخططها، داعيًا اليوم بعد اختفاء وباء كورونا إلى المسارعة في معالجة الخلل وتقديم الأحسن، خاصة في بعض القطاعات.
ومن بين الإيجابيات التي اعترفت بها حركة مجتمع السلم، الدور المحنك للدبلوماسية الجزائرية، وبعض النجاحات المتعلقة بتشجيع التصدير خارج المحروقات، وأيضًا انتعاش الميزان التجاري وتقليص فاتورة الواردات وتطهير السوق من المستوردين، ومحاربة تضخيم الفواتير.

فرصة ثانية لحكومة بن عبد الرحمن 

ولا يختلف إثنان على أن نجاح حكومة بن عبد الرحمن في تمرير تحدي عرض بيان السياسة العامة في البرلمان دون سحب الثقة، ولادة جديدة وفرصة ثانية يجب أن يحكم الطاقم الوزاري استغلالها لتنفيذ ما لم يتحقق في السنة الأولى.
أما عن طريقة تعامل النواب مع الوزراء، فيقول سيد احمد تمامري نائب عن حزب جبهة التحرير الوطني أن مناقشة بيان السياسة العامة يفرض على النواب الوفاء بالتزاماتهم، وتختلف هذه الالتزامات من انتماء حزبي إلى آخر.
ويؤكّد تمامري في تصريح لـ"الترا جزائر" أن نائب "الأفلان" كان أمام التزام ثلاثي وهو الشعب، والرئيس، وبصفة زملائه في الحزب مشاركين في الحكومة، فكل هذه العوامل جعلت ممثلي جبهة التحرير الوطني _ وفق تمامري _ متميزين في المناقشة، وينتهجون مبدأ الصراحة والموضوعية ويستهدفون تصويب اختلالات الحكومة.
هنا، يعلق المتحدث "فعلًا سجلنا بعض الاختلالات في بيان السياسة العامة، وعبر نوابنا عن ذلك بكل حرية وجدية مع الالتزام بتوصيات قيادة الحزب التي تشدد على أن أي انتقاد يجب أن يكون مرفوقا بتقديم الحلول".
ويصف المتحدث بيان السياسة العامة في عمومه بالمتوازن الذي تضمن عملًا حقيقيًا من قبل حكومة بن عبد الرحمان، خاصّة وأن المخطط جاء في فترة حساسة تميزت بظرف صحي عالمي صعب، وهذا لم يمنع من وجود مؤشرات إيجابية في الجانب القانوني وتصويب واحتواء للوضع الاقتصادي الناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية، إذ قامت الدولة بحماية القدرة الشرائية للمواطن وحمايتها من ارتفاع الأسعار.

ماذا بعد التقييم؟

ووسط تساؤلات حول مصير حكومة أيمن بن عبد الرحمن بعد جلسات التقييم بالبرلمان، يرد أحمد صادوق، بالقول: "حينما يقدم بيان السياسة العامة، عادة ما يكون مرفوقًا بعدة مخرجات، وهي إمكانية تقديم ملتمس الرقابة سحب الثقة من الحكومة وهذا ما لم يحدث في ختام المناقشة، رغم تلويح النواب بإمكانية اللجوء إليه".

ويؤكد صادوق أن الرئيس وحده  من بيده سلطة تعيين الوزراء أو إقالتهم، عندما يتابع التقارير حول تدخلات النواب، حيث يتسنى له بعد ذلك القيام بتعديل حكومي جزئي بناءا على ما تقرر، كما أن ما حصل اليوم بالبرلمان سيجعل الحكومة تراجع الاختلالات وتجتهد في تصحيح الأخطاء ومحاولة علاج النقائص لأنها ستعود حتما للبرلمان، وتجد نفسها أمام النواب بنفس الوضع.

أما البرلماني عن حركة البناء الوطني كمال بن خلوف، فيستبعد  إجراء تعديل حكومي جديد بحكم اقتراب موعد القمة العربية في الجزائر _ خلال أيام _ ، خاصة وأنه سبق وأن أجرى الرئيس عبد المجيد تبون تعديلًا حكوميًا طفيفًا قبل فترة قصيرة، لذلك فموعد التعديل المقبل لن يكون قريبًا، إلا أن ذلك لم يمنع بن خلوف من القول: "نحن كنواب نرجو أن تكون الحكومة المقبلة سياسية وليس حكومة تكنوقراط".

حكومة بن عبد الرحمان حظيت بفرصة جديدة في الفترة المقبلة 

وبذلك، تكون حكومة أيمن بن عبد الرحمن قد ولدت من جديد بعد 16 شهرًا من تنصيبها _ شهر حزيران/جوان 20121_، فظفرت بفرصة أخرى لإثبات كفاءتها ونجاحها، فهل سينجح الطاقم التنفيذي في التحدي؟