08-أكتوبر-2022
الوزير الأول

الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان رفقة رئيس المجلس الشعبي الوطني (تصوير:رياض قرامدي/أ.ف.ب)

في السّابق كان الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الاستثناء الوحيد في خضمّ موجات النّقد، والتصريحات السياسية والتحاليل التي تبثها وسائل الإعلام، حيث كانت خطابات النقد "محرّمة" على السياسيين ونواب البرلمان الذين عملوا في حقبة حكمه طيلة عشرين سنة من الحكم والسلطة، حتى وفي فترة غيابه بسبب المرض عن الساحة والواجهة فترة السبع سنوات الأخيرة من حكمه كانوا يشيدون بحكمته وقدرته على تسيير المرحلة.

هل عدنا إلى استنساخ صورة المجلس لما قبل العهدة النيابية الجديدة،حيث كان النواب يثمنون إنجازات الرئيس ويتهمون الوزراء فقط؟

في المقابل تطال انتقادات النواب في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلة للبرلمان) كل وزراء الحكومة، بينما قرارات الرئيس كانت تُطوى وتنفّذ ولا تمسها التعليقات حتى.

الحكومة والرئيس

هي الصورة نفسها اليوم بعد السنة الأولى منذ تشكيل البرلمان عقب انتخابات تشريعية في حزيران/ جوان 2021، إذ استثنى نواب أحزاب الموالاة خاصة، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من ورقات تعليقاتهم في إطار تقديم الحكومة لبيان السياسة العامة، رغم أنه ببند الدستور هو الذي عينها وهو الآمر النّاهي في مجلس الوزراء.

لكن مسؤوليات أخطاء تنفيذ المخطّطات المرسومة للوزارة الأولى والطاقم الحكومي الذي يرأسه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، توجّه فقط للوزراء المعينين، فهل بيان السياسة العامة هو توجيه السهام جميعها نحو الحكومة خاصّة وأننا في منظومة سياسية رئاسية ( نظام رئاسي)؟ وهل نحن في دورة إعادة استنساخ صورة المجلس لما قبل العهدة النيابية الجديدة،حيث كان النواب يثمنون إنجازات الرئيس ويتهمون الوزراء فقط؟

عمومًا، بيان السياسة العامة هو تقديم الحكومة عرضًا سنويًا حول مدى تنفيذ برنامجها الذي سبق للبرلمان بغرفتيه أن وافق عليه، يراد من وراء ردود الوزراء على النواب إحاطتهم بما تمّ تنفيذه أثناء سنة كاملة من البرنامج، وما هو في طور الإنجاز من المشاريع، فضلًا عن إبراز كل الطاقم الوزاري مختلف التحديات والمعيقات التي اعترضت بعض المشاريع، أي بالمحصلة فإن هذا البيان عبارة عن تقديم حصيلة سنوية للمنجزات.

هي خطوة سياسية، على عكس ما يتمّ تقديمه من طرف المؤسّسات الاقتصادية لمجالس الإدارة على سيبل المثال، غير أن المثير في بيان السياسة العامة على مرّ الحكومات التي تعاقبت أنها تركز فقط على النتائج الإيجابية المحقّقة، متغافلة عن النّقائص، وأبعد من ذلك فأغلب الوزراء يقدّمون الحصيلة في أشكال رقمية إحصائية تبرز الحجم والشّكل للمنجزات فقط دون المضمون، فيما تبقى تلك الأرقام صمّاء وبعيدة عن الواقع.

الواضح أن عدم اعتماد بيان السياسية العامة على الأرقام، كما أشار لها عدد من نواب البرلمان على غرار نواب حركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني، راجع إلى " إخفاق الحكومة في إنجاز المخطط الذي رسمته سابقًا"، وهذا مؤشر من مؤشرات عدم العمل على مسار واحد مع أوامر رئيس الجمهورية أو العمل الميداني بالتوازي مع ما هو نظري أو ما تم الإعلان عليه قبل سنة.

فكرة الإقلاع الاقتصادي

وفي هذا الإطار وجب الإشارة إلى أن الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، واجه هو وفريقه الحكومي سيلًا من الانتقادات، خاصة فيما تعلق بعدم قدرة الوزراء على تنفيذ خطة الرئيس الاقتصادية.

يطرح هذا البيان أو هذه الزاوية بالتحديد فتح باب آخر لا يمكن إغلاقه، إذ يتضح أن نواب الشعب وخاصة نواب أحزاب ما يسمى بـ"الموالاة" أنهم اتهموا الوزراء بالتقصير أو كما وصفها نائب التجمع الوطني الديمقراطي منذر بودن بـ"عدم مواكبة الحركية التي يقودها الرئيس من طرف الحكومة"، وهو ما يعني أن خطة الإقلاع الاقتصادي لم تنفذ.

وفي هذا المضمار قال المحلّل الاقتصادي المختص في الاقتصاد الكمي بجامعة الجزائر فريد بورحلة أن المخطط الاقتصادي لا يمكن تنفيذه بين ليلة وأخرى، مشددا بالقول لـ"الترا جزائر": "أي مخطط في القطاعات الاقتصادية والاستثمارات يحتاج إلى رؤية يخطط لها بفترات زمنية محددة، مخطط الخمس سنوات والعشر سنوات"،والرؤية بحسبه تحتاج إلى خبرة وتنفيذ لكن الاستئناس بالتجارب السابقة".

وكملاحظة أولى سبق الإشارة إليها، فإن الانتقاد مسّ سياسات الوزراء وقراراتهم، إذ أنهم حسب بعض النواب "لا يطبّقون قرارات الرئيس تبون، بينما الرئيس نفسه هو من اختارهم وأبقاهم في الحكومة الحالية".

من حقّ النواب انتقاد الوزراء، إذ تقديم بيان لسياسة العامة للحكومة أو تقديمها لعرض للبرلمان على مدى تنفيذها لبرنامجها أو مخططها، إذ هي ملزمة يتقديم حصيلة عملها، ومساءلتها حولها بآلية الرقابة.

الملاحظة الثانية، وهي من النقاط المهمة خلال العروض المقدمة خلال ثلاثة أيام، أن الحكومة مطالبة بتقديم حصيلة وليس تقديم برنامج أو خارطة طريق لمشاريع تباشرها بعد هذا اللقاء، إذ بادر عدد من النواب إلى اتهامها بالتقصير في مشاريع صحية في عدد من الولايات، وهنا يكمن الخلل.

وفي هذا الصدد وصف الكاتب الصحفي عثمان لحياني في حديث لـ" الترا جزائر" أن بعض النواب يستغلون مناقشة بيان السياسة العامة، للاستعراض السياسي وإظهار حرصهم على الدفاع على ولاياتهم والمطالبة بمشاريع خاصة بها، خاصة منها ما تعلق بـ" الصحة" و" السكن" وغيرهما من القطاعات، بينما الأمر يتعلق بمناقشة بحصيلة الحكومة وليس ببرنامجها.

فجوة التقييم

إذا كان تقديم الحكومة لعرضها أمام نواب الشعب يستهدف بالأساس تقديم عرض للبرلمان عن مدى تنفيذ برنامجها (مخطط عملها) بعد مرور سنة من الموافقة عليه، فإن هناك فجوة كبيرة في المخطط والتنفيذ، رغم المقترحات او الأوامر التي قدمها الرئيس تبون منذ اعتلاءه كرسي السلطة.

وبخصوص ذلك، فالغائب الأكبر هو "التصوّر" حسب ما أفاد به المتخصص في مجال تنفيذ المشاريع والهندسة أحمد محيجيبة، إذ يرى أن تنفيذ المخططات الاقتصادية يحتاج إلى التصور بالاستفادة من التجارب السابقة، والتقييم وتحمل المسؤولية".

ولفت الأستاذ محيجبة إلى أن تنفيذ المشاريع الكبرى يستند على عدة عوامل في سلسلة اقتصادية بحتة تعتمد على التصور والحلول للمشكلات والخطّة والاستراتيجية ثم التنفيذ ثم التقييم والتثبيت.

الأرقام التي تقدمها الحكومة في بيان السياسة العامة لا تعبر عن حال المشاريع في أرض الواقع

الأرقام وحدها لا تفي بغرض تقييم حصيلة الحكومة الحالية، فهناك العديد من المشاريع التي توقفت بسبب تعديلات على مستوى الحقائب الوزارية، وتعطيل إنجاز العديد من الاستثمارات والمخططات، وهو حال العديد من القطاعات مثل السكن والفلاحة والعدالة والتعليم العالي.