15-يونيو-2020

الحكومة رفعت الحجر الكلي عن 19 ولاية جزائرية (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

يحظى الفضاء المسجديّ لدى الجزائريّين، أو ما يُعرف شعبيًّا بالجامع بقداسة خاصّة. فهم يختارون له أبرز الأماكن في تجمّعاتهم، كنايةً عن علوّ مكانته، ويتكفّلون بعمليات بنائه وتزيينه وتأثيثه وتنظيفه من أموالهم وجهودهم، وينتخبون لذلك لجنة خاصّة، فلا تتدخّل الحكومة إلّا عند جهوزيته بتعيين الإمام ومساعديه.

مساحة هذا التّفهم الشّعبيّ لقرار غلق المساجد ضاقت، بعد أن رفعت الحكومة الحجر الكليّ عن 19 ولايةً 

وقد تسبّب قرار الحكومة بغلق المساجد كلِّها على مستوى التّراب الوطنيّ، مطلع شهر آذار/مارس الفائت، ويزيد عددها عن 15 ألف مسجد، في إطار فرض سياسة التّباعد الاجتماعيّ تفاديًا لانتشار فيروس كورونا، في ضجّة شعبيّة شاجبة للقرار، ثمّ توسّع نطاق التّفهّم له، بعد معاينة قرارات مثيلة في دول العالم الإسلاميّ بما في ذلك غلق الحرمين الشّريفين في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وبمباركة نخبة من رجال الفقه والدّعوة والافتاء

اقرأ/ي أيضًا: مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟

غير أنّ مساحة هذا التّفهم الشّعبيّ لقرار غلق المساجد ضاقت، بعد أن رفعت الحكومة، السّبت، الحجر الكليّ عن 19 ولايةً مع إبقائه جزئيًّا في 29 ولاية أخرى، بالنّظر إلى تراجع عدد الإصابات بفيروس كورونا وطنيًّا، حيث نزل إلى ما دون 120 إصابةً في اليوم، فيما بات صفريًّا في العديد من المناطق والولايات. فكان تمديد غلق المساجد في طليعة التصرّفات الحكوميّة التّي أثارت الانتباه والاستياء الشّعبيّين. 

هنا، يقول الفنّان أمين حوحة، إنّه يصعب على المواطن العادي أن يتفهّم الاستمرار في غلق المساجد، في ظلّ معاينته فتح أماكن أكثر ازدحامًا وقابليّةً لنقل العدوى، "أيّهما الأخطر، الحركة التّي تحصل في الأسواق الشّعبيّة أم تلك التّي تحصل في المساجد؟ وأيّتهما تملك إمكانية التّحكّم فيها؟ أرى أنّ الحكومة لا تدرك جيّدًا رمزيّة المسجد لدى الجزائريّين، بمن فيهم الذّين لا يُصلّون، وعليها أن تتحمّل عاقبة الاستياء الشّعبيّ من قرار تمديدها غلق المساجد".

من جهته، يقول الطّالب الجامعيّ علاء مرواني، إنّ المساجد كانت تحظى بالتّعقيم من طرف الجهات التّطوّعيّة المختلفة، حتّى وهي مغلقة، "فما منع الحكومة من رفع قرار غلقها، مع تكليف هذه الجهات المدنيّة بعمليات التّعقيم وفرض الكمّامات على المصلّين وخلق علامات في قاعات الصّلاة تحقّق التّباعد المطلوب وغلق قاعات الوضوء ليتمّ في البيوت، مع إرشاد الأطفال وكبار السنّ إلى البقاء فيها؟". ويسأل محدّث "الترا جزائر": "باستمرار الحكومة في غلق الفضاءات الرّوحيّة والثقافيّة، بحجّة الحدّ من انتشار الفيروس، بالموازاة مع فتح الأسواق والمتاجر والحوانيت، تكون قد نظرت إلى الشّعب من زاوية البطون، وأهملت العقول والأرواح".

فيما ذهب النّاشط والجامعيّ إلياس لهري، إلى القول إنّ الحكومة لم تنسَ أنّ الحراك الشّعبيّ والسّلميّ الذّي انطلق يوم 22 شباط/فيفري في العام الماضي من المساجد، من غير أن تكون له منطلقات دينيّة "فكان يوم الجمعة هو يوم المسيرات الشّعبيّة الحاشدة. وخوفًا من عودة الحراك انطلاقًا من المساجد، في ظلّ بروز مؤشّرات على ذلك، فقد تمّ تمديد غلقها. إنّه تمديد سياسيّ وليس صحّيًّا".

في السّياق، ورد في تدوينة فيسبوكيّة للصّحافي يونس صابر شريف، أنّ فتح المساجد بات ممكنًا بتوفير إجراءات وقائيّة معيّنة. يقول: "الحجر على المساجد لا معنى له بينما الأسواق مفتوحة والإكتظاظ فيها يكاد يكون قاتلًا".

وذهب النّاشط الدّعويّ بلخير طاهر الأدريسي، إلى القول إنّه أفتى بجواز غلق المساجد مع استثناء الأئمّة والمؤذّنين وعائلاتهم، "واليوم نقول إنّه يحرّم غلق المساجد. وصلاة الجماعة والجمعة في رقاب لجان الفتوى". 

من زاوية مختلفة، يقول النّاشط نسبم ساسي لـ "الترا جزائر" إنّه يدرك الأبعاد الرّوحيّة والدّينيّة والاجتماعيّة للمساجد في حياة الشّعوب المسلمة، "لكنّني تمنّيت أن يكون الاستياء من الاستمرار في غلقها، مرفوقًا بفرحة فتح المصانع والمطارات والموانئ والأسواق التّي أدّى غلقها إلى إعاقة الاقتصاد الوطنيّ الذيّ لا تستقيم حياة الوطن والمواطن إلا بنشاطه". يسأل: "ما جدوى ذهابنا إلى المساجد إذا لم تعلّمنا  تقديس قيم احترام العمل والوقت والنّزاهة والجودة؟ ثمّ هل هي تفعل ذلك أصلًا أم تركزّ على برمجة من يقصدها على الزّهد في الدّنيا وحرمة الخروج على وليّ الأمر؟".

هل ستمضي حكومته في تنفيذ قرار تمديد الغلق، أم أنّها ستتراجع عنه أمام الضّغط والاستياء الشّعبيّين؟

ووصف الرّئيس عبد المجيد تبّون، في آخر جلسة تلفزيونيّة جمعته بنخبة من الصّحافيّين، الشّعور النّاجم عن غلق المساجد بالمرارة. فهل ستمضي حكومته في تنفيذ قرار تمديد الغلق، أم أنّها ستتراجع عنه أمام الضّغط والاستياء الشّعبيّين، مثلما فعلت في مناسبات سابقة؟