شهدت مدن جزائرية خلال الأيّام الماضية، مظاهرات وتجمّعات احتجاجية لناشطي الحراك، برغم استمرار العمل بقرار منع التجمعات والمظاهرت منذ آذار/مارس الماضي، حيث تحدّت هذه المسيرات قرارات السلطات، بمنع التجمعات بسبب انتشار فيروس كورونا وإجراءات الوقاية من الوباء.
هل انتهت الهدنة التي فرضتها كورونا فعليًا بين الحراك والسلطة؟
لاحت مؤشّرات عديدة، بعودة الحراك الشعبي في الجزائر، في الأيّام الأخيرة في شهر رمضان المنقضي، إذ تظاهر عدد من النشطاء أمام مقرات أمنية، تنديدًا باستدعاء ناشطين والتحقيق معهم في قضايا متّصلة بنشاطهم في الحراك الشعبي، في كل من تيقزيرت وواسيف بولاية تيزي وزو شرق العاصمة وتيميمون جنوب البلاد، وضدّ الإبقاء على عدد من المعتقلين في السجون، واستدعاء آخرين للتحقيق، فضلًا عن مظاهرات أيام العيد، في كل من آث دوالة بولاية تيزي وزو، وآث أورتيلان بولاية سطيف وخراطة بولاية بجاية، داعمة للمعتقلين وتهنئة لهم بالعيد، ورفض جملة الاعتقالات والملاحقات التي تقوم بها السلطات ضد النشطاء السياسيين مستغلّة هذا الظرف الصحّي.
اقرأ/ي أيضًا: مسيرة شعبيّة في خرّاطة.. عودة الحراك؟
بداية وعاملان للعودة
لا يوجد حتّى الآن توافق بين الناشطين حول هذه المظاهرات، إذ أن هناك من يرى أنها سابقة لأوانها، وغير إيجابية وتضرّ بصورة الحراك الذي أظهر وعيًا عندما قرّر وقف المظاهرات في مارس الماضي، مثلما يعتقد الناشط في الحراك عبد الغني بودهان، في حديثه لـ "الترا جزائر" قائلًا، إن هناك فئات عدّة ومكوّنات لمجموعات في الحراك الشعبي، لها من العقلانية في تهدئة الشارع والمرور نحو معالجة مختلف القضايا بسلمية والالتفات إلى المسائل الأهمّ الآن وهي الأزمة الصحيّة.
في مقابل ذلك، يرى ناشطون من مكونات سياسية عديدة في الجزائر، أن هذه المظاهرات هي بالأساس رد فعل على ممارسات السلطة المستمرة واعتقال الناشطين، حسب ما قاله الناشط محمد غربي من ولاية عنابة لـ"الترا جزائر"، معتبرا أن "السلطة لم تتجاوب إيجابيًا مع موقف الحراك واستغلت فترة الأزمة الصحية وانتشار فيروس كورونا لملاحقة الناشطين"، لافتًا إلى أن "الأمر الآن يحتاج إلى تغليب المصلحة العامّة بحلحلة ملف المعتقلين، وطمأنة الشارع وتهدئة النفوس".
في مقابل من ذلك، يعتقد البعض، أن عودة المسيرات التي نظمها ناشطون في الحراك في عدّة مدن تحيل إلى قرب نهاية الهدنة المعلنة بين الحراك والسلطة، منذ منتصف آذار/مارس الماضي بسبب أزمة كورونا، عندما استبقت المكوّنات المدنيّة والسياسية التي ما تزال ملتزمة بالحراك، قرار السلطات بمنع التجمعات والتظاهر، بقرار تعليق الحراك الشعبي، كما يقول الناشط بولاية باتنة، فارس بن عايشة في حديث إلى"الترا جزائر"، مفيدًا أن كتلة من الحراك تُحاول فعليًا خرق الهدنة والتلميح بوجود استعدادات للعودة إلى الشارع.
وأفاد بن عايشة أن الظروف السياسية تهيئ لذلك، "ظروف تتميز بعاملين هما، عدم توقيف السلطة لحملة الاعتقالات التي تطال الناشطين في الحراك والمدونين بسبب مواقفهم ومنشوراتهم من جهة، وطرح الرئاسة لمسودة تعديلات دستورية خيبت ظن داعمي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون نفسه، قبل أن تخيّب ظن كتلة كبيرة وقطاع واسع من المعارضة والحراك"، كما قال.
خطوة للأمام .. خطوات للوراء
وفي السياق نفسه، يعتقد الباحث في علم الاجتماع بجامعة "محمد الأمين دباغين" بولاية سطيف، الأستاذ نوري إدريس، في تقدير موقف نشره قبل أيام، أن السلطة كانت السباقة بخرق الهدنة، حيق انتظر المتظاهرون من السّلطة أن تعامل الحراك الشّعبي بالمسؤولية نفسها التي تعاملوا هم بها مع المسيرات الشّعبية، على حدّ قوله.
وأضاف إدريس، أنّ مناخ انتشار الوباء يفرض على الدولة تقديم إجراءات تهدئة، ومدّ جسور الثّقة بين المؤسّسات والشّعب من أجل التعاون لمكافحة انتشار الوباء، وإطلاق سراح المسجونين، وإلغاء أو على الأقلّ تعليق المتابعات القضائية في حقّ الناشطين".
وأردف المتحدّث قائلّا: إنّ "الأحداث التي أعقبت جُمعة تعليق المسيرات الشعبية أعادت بعث مخاوف الكثير بشأن جدّية إعلان السلطة، أن لا نيّة لديها في استغلال ظرف إنساني كهذا لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الحراك، و إعادة محاكمة الناشط السياسي كريم طابو، بل وتشديد العقوبة عليه وسجن الصحافي خالد درارني، بعد أن كان فقط تحت الرقابة القضائية، واعتقال بعض الناشطين، واستمرار عملية استدعاء آخرين في مختلف الولايات للحضور إلى مراكز الأمن وتقديمهم أمام العدالة، رغم تعليمة وزارة العدل بوقف معظم الأنشطة القضائية، كلّها مؤشّرات زرعت الشكوك في أوساط الجزائريين حول مستقبل الحراك الشعبي".
من خلال هذه الشكوك، تأتي الافتراضات في وجود فواعل تغلي على نار هادئة، يراها البعض مرتبطة أساسًا بالخطابات المتعدّدة حينًا والمختلفة حينًا آخر للسلطة الحالية، في ردود فعلها حيال النشاطين السياسيين، وبدورها تطرح تساؤلات عدّة، حول الوضع السياسي في وسط أزمة كورونا وتداعياتها المخيفة.
ازدواجية الخطاب
هل انتهت الهدنة التي فرضتها كورونا فعليًا بين الحراك والسلطة؟ وهل ستسمح السلطة للحراك بالعودة إلى الشارع؟، خاصّة وأن رئيس الحكومة عبد العزيز جراد، كان قد عبر شهر آذار/مارس الماضي، عن انزعاج الحكومة من استغلال الشارع كل أسبوع من قبل المتظاهرين، وأعطى ذلك التصريح انطباعا بان السلطة قد تتشدد مع أية محاولة للحراك للعودة إلى الشارع.
ونتيجةً لهذا العامل، يرى الباحث في العلوم السياسية نور الدين بلمداني أنّ " الحركة الاحتجاجية، تنمو في وسط المفارقات أو كما سماها "التناقضات في خطاب السلطة، إذ ذهب إلى القول، أن مرور الأوّل/ديسمبر الماضي، من شأنها أن تُعيد خلط المعطيات في الشارع، موضحًا في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن طموح الحراك الأوّل كان إطلاق سراح النشطاء وإلغاء المتابعات، وهذه الأخيرة استمرّت، مع حالة الإنهاك المادي والإجهاد المؤسّساتي في مواجهة أزمة كورونا، ستخلق مع الوقت عدّة مشكلات ستكون عصيّة على الحكومة، أهمّها مواجهة الأزمة الاقتصادية، وإيجاد مخارج لمطالب العمال الذين أحيلوا على البطالة في المؤسّسات الصناعية والبناء والسكن.
وأضاف الباحث، أن انهيار أسعار النفط من شأنها أيضًا أن تؤثّر كما أثرت في مختلف دول العالم على اقتصاديات البلدان، وهو ما سيجعل من السلطة الآن، مطالبة بإيجاد مخارج للوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، الذي سيؤجّج الشارع، إذ هناك أرزاق قُطعت ونحن مقبلون على بطالة مسّت شرائح مختلفة من المجتمع الجزائري، والعامل الاجتماعي الاقتصادي مهمّ الآن في قادم الأسابيع، وهو ما يجب أن تستجيب له السلطة الحالية لحله وإيجاد حلول للأسر المتضرّرة من الأزمة.
يعتقد مراقبون أن الظروف السياسية الراهنة قد تدفع بكتلة هامّة للعودة إلى الاحتجاج في الشارع
من جهة أخرى، يعتقد مراقبون أن الظروف السياسية الراهنة، المتعلّقة بالمضمون المخيّب لمسودة التعديلات المقترحة للدستور، وغموض خيارات السلطة السياسية، واختلال آداء الحكومة، كلّها عوامل قد تدفع بكتلة هامّة للعودة إلى الشارع.
اقرأ/ي أيضًا:
"الجزائر حبيبتي".. وثائقيٌّ في تمجيد الحراك الشعبي أو في ذمّه؟
الجزائر تسحب سفيرها من باريس لمدّة غير محدّدة