28-مايو-2020

مسيرة خراطة طرحت فرضية عودة الحراك الشعبي قريبًا (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

كانت مدينة خرّاطة التّابعة لولاية بجاية، 300 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، سبّاقة إلى الحراك الشّعبيّ والسّلميّ، إذ قامت بمسيرة رافضة لعهدة خامسة للرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، يوم 16 شباط/ فيفري من السّنة الماضية، أي أسبوعًا قبل انطلاق الحراك على المستوى الوطنيّ يوم 22 من الشّهر نفسه، غير أنّ ذلك قلّما يُذكر للمدينة وسكّانها، في اتّجاه الحديث عن هذا المسعى الشّعبيّ الذّي قذف ببوتفليقة ومحيطه خارج الحكم.

مسيرة خراطة تنادي طالبت بدولة مدنيّة لا عسكريّة، وبإطلاق سجناء الرّأي، في مقدّمتهم النّاشط السّياسيّ كريم طابو

ومثلما فاجأت خرّاطة الجزائريّين بمسيرتها أسبوعًا قبل الحراك، ها هي تفاجئهم، بعد توقّفه بسبب جائحة كورونا، الإثنين، بأوّل مسيرة انطلقت من قلبها وجابت مختلف شوارعها بشعارات تنادي بدولة مدنيّة لا عسكريّة، وبإطلاق سجناء الرّأي، في مقدّمتهم النّاشط السّياسيّ كريم طابو الذّي سجن بتهمة الحطّ من معنويات الجيش، في عهد رئيس أركانه السّابق الرّاحل أحمد قايد صالح.

اقرأ/ي أيضًا: حوار | أحسن خلاص: الحراك الشعبي لن يتوقّف



تقول مصادر من عين المكان، إنّ المسيرة لم تختلف عن المسيرات السّابقة، من حيث روحها السّلمية، ومن حيث تنوّع الشّرائح المشاركة فيها، ومن حيث تجاور العلم الوطنيّ مع الرّاية الثّقافيّة الأمازيغيّة. وأكدت هذه المصادر عدم وقوع أيّة انزلاقات بسبب عدم تدخّل قوّات الأمن.

هنا، يقول الطّالب عبد المجيد منصوري إنّ الخلفيّة الحقيقيّة للمسيرة هي شعور سكّان المنطقة بالغبن الذّي شعر به سجناء الرّأي وعائلاتهم، خلال عيد الفطر الذّي هو مناسبة عائليٍّة، "فما معنى أن يُعفى مقترفو أفعال تتعلّق بالحقّ العامّ، مثل السّرقة والغشّ والرّشوة، ولا يتمّ إطلاق سراح معتقلي الرّأي الذّين لم يفعلوا شيئًا سوى أنّهم طالبوا بدولة تحكمها روح القانون والمواطنة وتكافؤ الفرص؟".



لقد استغلّت الحكومة، يقول محدّث "الترا جزائر"، وباء كورونا وما ترتّب عنه من حجر منزليّ، فمرّرت قوانين لا تخدم المصلحة الوطنيّة، واعتقلت نشطاء جددًا ومدّدت اعتقال نشطاء سابقين. وهي تمدّد في كلّ مرّة هذا الحجر، من غير أن تحترمه، حتّى تتفادى عودة المسيرات الشّعبيّة. يسأل: "هل من المعقول السّماح بظهور أسواق شعبيّة متكاملة الأركان، عند مداخل ومخارج المدن؟ إنّ مسيرة خرّاطة جاءت لتؤكّد أنّ روح الحراك لم تنطفئ".

وإذا استثنينا مواقف الذّين باتوا رافضين لاستمرار الحراك، بعد الانتخابات التّي أفضت بعبد المجيد تبّون رئيسًا للجمهوريّة، في نهاية شهر كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، فإنّ معظم تفاعلات الجزائريّيين، مع مسيرة خرّاطة، صبّت في اتّجاه عدم ملائمة توقيتها المتزامن مع وباء كورونا، بما يجعلها سببًا في انتشاره أكثر بين المواطنين، إذ لم يحدث أن نزلت حالات الإصابة به عن 150 حالة في اليوم.

من جهته، يقول الكاتب والنّاشط البيئيّ في منطقة خرّاطة خالد فوضيل: "كانت المسيرة في ثاني أيّام العيد؛ جميع المواطنين يعلمون بقرار حضر التّجوال. ونحن في عزّ تزايد الإصابات بفيروس كورونا عبر الوطن، ومدينة خرّاطة مصنّفة من بين بلديّات بجاية الأكثر تضرّرًا من الوباء، حيث فقدت الكثير من أبنائها من السّلك الطّبّيّ والمواطنين".

ويذكّر محدّث "الترا جزائر" بالأرقام المتعلّقة بكورونا في مدينة خرّاطة، 27 إصابة، 5 وفيات، 35 حالة خاضعة للعلاج، وإصابتان سجّلتا في يوم المسيرة نفسها. يقول: "إذا كان الهدف من المسيرة الحفاظ على الدّيمقراطيّة، فإنّ هدف الحفاظ على الصّحّة العموميّة أولى منه مؤقّتًا".



وفي الوقت الذّي كتب فيه الإعلامي حميد غمراسة في تدوينة فيسبوكيّة له: "المظاهرات في خرّاطة أو غيرها من المدن، ردّ فعل طبيعيّ على القمع والاستبداد. وإذا كانت هناك جهة تستحقّ الشّجب والسّخط، فهي السّلطة الظالمة وليس البشر الموجوعين"، كتب الإعلامي عامر بوقطّاية: "المسيرة جاهليّة وكارثة وعمل غير مسؤول. نحن في وباء".

هل يمكن للمسيرات الشّعبيّة أن تعود بعد توقّفها بسبب جائحة كورونا؟

إذا كانت مسيرة خرّاطة قد أجابت عن سؤال: "هل يمكن للمسيرات الشّعبيّة أن تعود بعد توقّفها بسبب جائحة كورونا؟"، فإنها تفرض سؤالًا آخر هو: "كيف تتعامل حكومة عبد المجيد تبّون مع هذه المسيرات؟ وهل ستلجأ إلى تمديد فترة الحجر تجنّبًا لها، فيصبح تمديدًا سياسيًّا لا صحّيًّا؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون يزور روسيا بعد نهاية جائحة كورونا

إجلاء 266 جزائريًا عالقًا في إنجلترا بسبب كورونا