"هي حدث سينمائي مستقل في الجزائر، وأقدم حدث سينمائي في البلاد، يقام على مدار أسبوع كل عام لمدة 20 عامًا.".. هكذا قدم الموقع الإلكتروني الرسمي للقاءات بجاية السينمائية هذه التظاهرة التي حققت نجاحا مع مرور الوقت كمّا ونوعا وباتت واحدة في السنوات الأخيرة من أشهر الفعاليات السينمائية الجزائرية.
الإعلامي فيصل ميطاوي لـ"الترا جزائر": سرّ نجاح لقاءات بجاية السينمائية هو الجمهور الشغوف بالفن السابع
لقاءات بجاية السينمائية انطلقت مع تأسيس الجمعية المنظمة لها "بروجكت هورت" عام 2003، بدأت رويدا رويدا في التأسيس لحدث سينمائي محلي كبرت معه طموحات المنظمين وصار مع توالي السنوات تظاهرة معروفة تجمع صناع الفن السابع من داخل وخارج الجزائر بالرغم من انقطاعها عن الجمهور في دورتها الـ17 التي أقيمت في 2019، ثم عادت في 2023 في طبعتها الـ18، وتجري فعاليات دورتها الـ19 التي انطلقت في 24 سبتمبر الجاري وتستمر إلى الـ29 منه، بعرض أكثر من 40 فيلما من الجزائر ودول عربية وأجنبية.
ليست مجرد فعالية محلية
ولم تعد هذه اللقاءات السينمائية التي صنعت التميز والاستثناء في المشهد السينمائي الجزائري مجرد فعالية محلية، بل موعد سنوي مهم ينتظره الجمهور والفاعلون في السينما بشغف كبير ويعرض أفلاما عديدة تمثل تجارب ومدارس وحركات سينمائية مختلفة، كما تحولت إلى مساحة للنقاش وتبادل الأفكار والرؤى وفضاء يتيح للفاعلين والقائمين على التظاهرة خلق شراكات ومشاريع دعم وإنتاج أفلام.. وغيرها من الأهداف التي تجسدت على أرض الواقع.
الاستثناء الذي تصنعه لقاءات بجاية السينمائية لم يأت من فراغ، وراءه جمعية "بروجكت هورت" التي شقت طريقها بثبات، مواجهة التحديات والعوائق من أجل تصل إلى هدف رسمته مذ تأسيسها عام 2003 بحسب ما ورد في نبذة تعريفية عن الجمعية على الموقع الرسمي لللقاءات السينمائية ببجاية، وهو تنشيط الحياة السينمائية في المدينة الساحلية "بوجي" والمساهمة في تطوير السينما الجزائرية بصورة عامة.
"التراجزائر" أرادت أن تميط اللثام عن الأسباب الحقيقية التي جعلت لقاءات بجاية السينمائية من أهم التظاهرات السينماتوغرافية في الجزائر، إلى جانب بعض المهرجانات المعروفة مثل مهرجان وهران للفيلم العربي، مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، مهرجان الجزائر الدولي للسينما..إلخ، برصد آراء إعلاميين مختصين في السينما والشأن الثقافي رافقوا بالتغطية والحوارات هذه الفعالية في عديد الطبعات.
مطاوي: 3 نقاط وراء نجاح التظاهرة
في السياق يتحدث فيصل مطاوي إعلامي مختص في الشأن الثقافي والفني عن "لقاءات بجاية السينمائية" وأسرار نجاحها في ظل تأرجح مهرجانات سينمائية تنظمها وزارة الثقافة بين التوقف والعودة وعدم استقرار خلية تنظيمها.
ويلفت مطاوي في تصريح لـ"التراجزائر" إلى أنّ المهرجانات السينمائية التي تنظمها وترعاها وزارة الثقافة لم تفشل بقدر ما عانت من انقطاعات لكنها عادت مثل مهرجانات عنابة المتوسطي ووهران للفيلم العربي والجزائر الدولي، ويعتبر أنّ التحدّي الذي تواجهه هو أن تنظم سنويًا تحت هيئات (هيئة تنظيمية) دائمة.
وبخصوص "لقاءات بجاية" يعدد مطاوي أسباب النجاح في النقاط التالية: أنّها تنظم من قبل جمعية "بروجكت هورت" الشغوف أفرادها بالفن السابع."
ويقول: "بقيت هذه الجمعية في طوال السنوات الأخيرة ترعى هذه اللقاءات السينمائية مع شباب يعمل بصفة تطوعية، وهو يراه مطاوي - تحدّ لهؤلاء الذين يتلقوا مساعدات ولكن تبقى قليلة مقابل محتوى هذه اللقاءات على صعيد حضور الفنانين والمنتجين والممثلين والندوات.
كما يوضح مطاوي أنّ النقطة الأخرى التي ساهمت في الترويج وإنجاح التظاهرة السينمائية ببجاية هي الجمهور وهو شعارها "الجمهور هو النجم."
ويضيف: "قمت بتغطية هذه اللقاءات عدّة مرات، ولاحظت أنّ جمهور مدينة بجاية خاص ومعروف بحبه للسينما، يحضر بكثافة ويتابع عروض الأفلام، يشارك بعمق في النقاشات حول الفيلم وفلسفته والظروف التقنية ومحتواه السياسي أو الإثنولوجي، نقاش قوي جدًا، قد لا نجده في مناطق أخرى بالجزائر."
وفي السياق ذاته، لم يخف محدث "التراجزائر" أنّ مخبر بجاية للسينما يسمح بتبني مشاريع بالرغم من أنّ إمكانيات الجمعية محدودة، ويذكر بهذا الخصوص أنّ الطبعة الـ19 الحالية شهدت مشاركة الفنان الفرانكو جزائري سفيان زرماني "فيانسو" الذي سيساهم في تمويل مشروع سيناريو جديد.
ويؤكد في ختام حديثه أنّ هذه اللقاءات تعرض أفلام عربية وأجنبية وبدأت تعمل على إنتاج أفلام جديدة خاصة للشباب، ما يمنحها نكهة وجدّية حقيقية في الاهتمام بالعمل السينمائي كفن وعمل وصناعة.
الاستقلالية بعيدا عن الرسميات
من جهته، الناقد السينمائي والكاتب الإعلامي عبد الكريم قادري ربط نجاح تظاهرة "لقاءات بجاية السينماتوغرافية" في كونها تظاهرة مستقلة.
ويقول قادري لـ"الترا جزائر" إنّ "من أهم أسباب نجاح واستمرارية اللقاءات السينمائية هو استقلاليتها وابتعادها عن الرسميات."
وأضاف قادري الذي اعتاد حضور وتغطية هذه الفعالية السينمائية: "من جهة ثانية هو العمل الجماعي وخلقية كل فرد وعلاقتهم وحبهم للسينما، لهذا أصبح هذا الحدث السنوي مقصدا لكل محبي السينما."
وحول الموضوع ذاته، الإعلامي المختص في الشأن الثقافي والفني صالح عزوز يرى أنّ "اللقاءات السينماتوغرافية ببجاية، هي الاستثناء بين كل الفعاليات الثقافية، التي يكون نجاحها مضمونا حتى قبل انطلاق فعالياتها."
ويقول عزوز في حديث مع "التراجزائر" إنه "لعل من بين الأسباب التي تحقق هذا الاستثناء، الطاقم الكفء القائم على اختيار نوعية الأفلام المعروضة، في كل الأصناف سواء الأفلام الطويلة أو القصيرة والوثائقية، والتي تكون في الغالب ذات محتويات قريبة من ذوق الجمهور."
لقاءات بجاية السينمائية سدّت الباب أمام الدخلاء.. كيف؟
ووفقه "السبب الثاني يتعلق بمستوى الضيوف، حيث يقتصر على المتمرسين والمهتمين بالفن السابع، أي يمكن القول سد الباب أمام الدخلاء على هذا المجال، وهو بذلك انتصار للسينما والذوق عامة، أمّا ثالثًا والأهم فحسب -عزوز- عنصر الجمهور الذواق، الذي يحقق التميز، جمهور يعرف أبجديات السينما، ويظهر هذا خلال المناقشات بعد كل عرض، سواء في نوعية الأسئلة أو في الطرح."
ويشير المتحدث إلى أنّ "هذه العوامل التي ساهمت في إنجاح لقاءات بجاية السينمائية ترجع في الأساس استمرار العروض طوال السنة في قاعة السينماتيك، وهو ما خلق -وفق تعبيره- تقاليد عند الجمهور البجاوي، الذي كسب معارف كثيرة عن الفن السابع، وأصبح محيطا بكل تفاصيل هذا الفن، ويملك معطيات وخلفية سواء من حيث المضمون أو الممثلين والمخرجين وكل ما يحيط به.
الإعلامي المتخصّص في الشأن الثقافي صالح عزوز: اللقاءات السينماتوغرافية ببجاية، هي الاستثناء بين كل الفعاليات الثقافية، التي يكون نجاحها مضمونًا حتى قبل انطلاق فعالياته
عزوز في حديثه يؤكد أنّه لا يمكن إغفال نقطة مهمة جدا وهي الطاقم الشاب الذي يسهر على التنظيم بمن فيهم المتطوعين، ويراه دليل على رفع التحدي من أجل رفع سقف النجاح من دورة إلى أخرى.
ويخلص عزوز الحاضر لتغطية هذه الفعالية السينمائية إلى أنّ اجتماع هذه الأسباب يؤدي إلى نجاح الفعالية، معربًا عن أمله في تقديم دعم لصالح هذه الأيام "الصغيرة" التي تحمل جينات فعل ثقافي كبير، أصبح اليوم يغطي إخفاقات الكثير من المهرجانات التي تحولت إلى مجرد كرنفال.
وتعرض الطبعة الـ19 من لقاءات بجاية السينمائية التي يسدل ستارها هذا السبت، أزيد من 40 فيلما من الجزائر والخارج، بينها 7 أفلام روائية طويلة، 13 فيلماً قصيراً، و5 أفلام وثائقية، إضافة إلى قائمة بـ10 أفلام فلسطينية قصيرة.