06-أغسطس-2020

شهدت الصفحات الجزائرية تضامًا واسعًا مع الشعب اللبناني (فيسبوك/الترا جزائر)

سبق للجزائر الشّعبيّة والرّسميّة أن تعاطفت مع شعوب ودول تعرّضت لكوارث طبيعيّة أو لأزمات ماليّة، كان آخرَها الوديعة الماليّة التّي صبّتها الحكومة الجزائريّة التّي انبثقت عن الرّئاسيات الأخيرة، في البنك المركزيّ التونسيّ؛ وكان ذلك التّعاطف يثير، في العادة، جدلًا في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، بين موافق بحجّة الانسجام مع الدّواعي الإنسانيّة، ومعارض بحجّة أنّ الجزائريّين أنفسهم محتاجون إلى ما يتبرّعون به.

ستحتفظ الذاكرة اللبنانية بالشّعوب والدّول التّي كانت سبّاقة إلى التّضامن معها وتقديم المساعدات لها

غير أنّنا لا نكاد نعثر على هذا الجدل، في مسعى تعاطف الجزائريّين مع الشّعب اللّبنانيّ إثر الانفجار الذّي حدث في مرفأ بيروت، الثّلاثاء الماضي، فخلّف عشرات القتلى ومئات الجرحى، بالإضافة إلى خسائر ماديّة معتبرة، في سابقة أكّد أكثر من طرف لبنانيّ أنّها لم تحدث في المشهد اللّبنانيّ، في كلّ أزماته السّابقة، بما فيها الحرب الأهليّة.

اقرأ/ي أيضًا: تبون يُبرق بتعازيه إلى ميشال عون إثر انفجار بيروت

يقول الفنّان الموسيقي طارق قوسمي، إنّ شبه الإجماع الذّي حصل بين الجزائريّين على جدارة لبنان بالتّعاطف والتّضامن يرجع إلى صورته في أذهانهم؛ "فهو بلد صغير ومسالم ومتنوّع ومجسّد للصّورة الحضاريّة التّي تتماشى مع بعدهم المتوسّطيّ. كما أنّه لصيق بالكيان الصّهيونيّ جغرافيًّا، حيث مثّلهم في إزعاجه أكثر من مرّة، هم المعروفون تاريخيًّا بالوقوف إلى جانب الحقّ الفلسطينيّ".

وأضاف محدّث "الترا جزائر" عاملين آخرين هما أنّ الجزائريّين أعجبوا بالحراك اللّبنانيّ الذّي حدث مؤخّرًا وكان متقاطعًا مع حراكهم في الشّعارات والتّعابير السّياسيّة والفنّيّة؛ "ضف إلى ذلك أنّهم يرفضون الأجندتين السّعوديّة والإيرانية اللّتين جعلتا لبنان يبتعد عن روحه المفتوحة على التّسامح والتّعايش".

في السّياق نفسه، يرى الممثِّل منير عي أنّ طبيعة الانفجار لعبت دورًا في التّعاطف الشّعبيّ الجزائريّ، "حيث يقال إنّ الإهمال الحكوميّ في تسيير الموادّ المتسبّبة فيه هو الذّي كان خلف الكارثة. ولا يخفى تذمّر الجزائريّين من الإهمالات الحكوميّة في تسيير القطاعات المختلفة". يشرح فكرته: "ما معنى أن يتزامن التّعاطف الشّعبيّ الجزائريّ مع اللّبنانيّين مع نشرهم لصور تعرض تجلّيات الإهمال لمدينة الجزائر العاصمة إن لم يكن ثمرة لتمثّلهم للشّبه بين المدينتين؛ من زاوية خضوعهما لحكومتين مهملتين وخاضعتين لبرامج لا تتماشى مع الطّموح الشّعبيّ".

تجاوز التّضامن الشّعبيّ الجزائريّ مع اللّحظة اللّبنانيّة التّي خلّفها انفجار "الثّلاثاء الأسود" الدُعاء والتّعبير عن الألم، إلى تعابير فنّية تمّ تداولها على نطاق واسع. من ذلك الرّسمة الكاريكاتورية التّي أنجزها الفنّان باقي بوخالفة، حيث عوّض شجرة الأرز التّي تتوسّط العلم اللّبناني بصورة للدّخان الذّي ترتّب عن الانفجار.

يقول باقي لـ "الترا جزائر"، إن بيروت باتت مختصرةً في الانفجار، في لحظة قصيرة؛ على مستوى الواقع والمواقع، "فلم أجد أفضل لتمرير الفكرة من الاشتغال على الرّمز الذّي يمثّلها وهو شجرة الأرز".

يذكر أنّ الرّئيس عبد المجيد تبّون أمر بإرسال أربع طائرات تحمل مساعدات طبّية وطواقم صحّية وإنقاذيّة، بعد مكالمة أجراها مع الرّئيس ميشال عون. وهي الخطوة التّي قال النّاشط إلياس لهري عنها إنّه تمنّى أن توجّه إلى المجتمع المدنيّ اللّبنانيّ مباشرةً؛ "إذ ليس منطقيًّا أن تذهب المساعدات إلى حكومة تسبّب إهمالها في الكارثة". يضيف: "تمنّيت أن يتولّى الهلال الأحمر الجزائريّ وما شابهه من هيئات مدنيّة إنسانيّة هذه المهمّة".

عبد المجيد تبّون أمر بإرسال أربع طائرات تحمل مساعدات طبّية وطواقم صحّية وإنقاذيّة

لا شكّ في أنّ بيروت ستتجاوز محنتها التّي تسبّب فيها الانفجار قيد التّحقيق، وستحتفظ ذاكرتها بالشّعوب والدّول التّي كانت سبّاقة إلى التّضامن معها وتقديم المساعدات لها، في مقابل احتفاظها بالعواصم التّي تسبّبت أجنداتها في الاختناق السياسيّ والاقتصادي والأمنيّ الذّي باتت تعيشه. إذ ليس مستبعدًا أن تعتمد بيروت ما قبل وما بعد الانفجار عتبةً جديدة للتّأريخ مستقبلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فلسطين والجزائر.. حب على بعد آلاف الكيلومترات

 من انتصر في مباراة "فلسطين - الجزائر"؟