15-ديسمبر-2021

الرئيس تبون يستقبل نظيره التونسي (الصورة: الرئاسة التونسية)

اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون توقيتًا بالغ الحسّاسية بالنّسبة لتونس، للقيام بزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس جزائري منذ 12 عامًا، حيث تأتي الزيارة في ظلّ أزمة سياسية عاصفة تشهدها تونس وتدافع حاد بين الرئيس قيس سعيد والقوى السياسية والمدنية والنقابات الرافضة لقرارات 25 تموز/جويلية 2021، كما تأتي عشية مظاهرات شعبية دَعَت إليها كُتَل سِياسية وتنظِيمات مَدنية ضد خُطة الإصلاح السياسي والدستوري التي طرحها الرئيس سعيد.

 يعتقد الباحث في العلوم السياسية محمد بودهان أن الزيارة ستأخذ أبعادًا سياسية بحتة

تجاذبات السياسة

وفي قراءة أولية للزيارة، يرى متابعون لشأن العلاقات الجزائرية- التونسية أن زيارة تبون دعم سياسي لقيس سعيد، ويضع الجزائر في موقف إسناد لقصر قرطاج بالنّسبة لباقي الفعاليات السياسية التونسية، بينما يراها قِطاع واسع في المقابل مما سبق، أنّها فرصة لدعم وتمتِين العلاقات البيْنية بين البلدين على الصعيدين الاقتصادي والتنموي.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تقرض تونس 300 مليون دولار

سياسيًا، يقوم الرئيس تبون بزيارة دولة إلى تونس كأوّل زيارة لرئيس جمهورية جزائري لتونس خلال الـ 12 سنة الأخيرة، في ظلّ تجاذبات سياسية واقتصادية واجتماعية تعرفها الجارة الشّرقية خلال السنتين الأخيرتين، آخرها إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن قرارات جديدة أهمها تمديد تعليق عمل البرلمان، وإطلاق استشارة شعبية إلكترونية ما بين الفاتح من كانون الأول/جانفي – آذار/مارس 2022، تضمّ جميع التونسيين، بغية اقتراحاتهم بخصوص الإصلاحات السياسية.

كما قرّر الرئيس سعيد عرض الإصلاحات السياسية على استفتاء شعبي في 25 تموز/جويلية 2022 وانتخابات برلمانية في 17كانون الثاني/ديسمبر 2022.

هذه الخطوات في نظر الحساسيات السياسية في الداخل التونسي "انفراد بالسّلطة" ما سيؤثّر على الساحة السياسية في تونس، خصوصًا وأن الاستقرار السياسي هو أهمّ خطوة لاستقطاب الاستثمارات الخارجية والسياحة ومشاريع التنمية، خاصة وإن الأجندة السياسية المعلنة من الرئيس ستستثمر في سنة أخرى من عهدته الرئاسية الأولى منذ فوزه بالرئاسة نهاية العام 2019.

في هذا المِضمار، يعتقد الباحث في العلوم السياسية محمد بودهان أن الزيارة ستأخذ أبعادًا سياسية بحتة، وستُعطى لها قراءة ظاهرية، مؤدّاها: "تضامن أو اصطفاف جزائري مع الرئيس سعيّد"، موضحًا بأنّ هذه القراءة عموما تأتي من وراء خلفيات سابقة بأنّ "الجزائر تظلّ حامية الظّهر التونسي لسنوات طويلة، خصوصًا عقب الثورة التونسية ومواقفها الداعمة لأمن واستقرار تونس الداخلي".

تمتين التعاون الاقتصادي

وتنعكِس هذه المواقف على الداخل الجزائري بحسب الأستاذ بودهان في إفادته لـ "الترا جزائر" لافتًا في هذا السياق إلى أن استقرار المنطقة يتطلب دومًا تحركات سياسية مُعلنة وأخرى تطبخ في الخفاء، حسب تعبيره، مُشدّدًا على أن الوضع في المنطقة المغاربية يتطلَّب تحركات ومواقف لتمتِين العلاقات واستِجلاب الدّعم بين جميع الأطراف المشكِّلة للفضاء المغاربي، حدّ قوله.

في الجانب الآخر للخرجة الدولية للرئيس تبون، يرى البعض من الفاعلين في الساحة الجزائرية أن زيارته بفريق وزاري وشخصيات هامة، أنها ستكون اقتصادية وتأتي بمخرجات للتعاون في العديد من القطاعات بامتياز، على خلفية عدة اتفاقيات سيوقعها الطرفان، أهمها التعاون في مجال الصناعة والمنتجات الصيدلانية، والاستثمار المشترك لإنجاز وحدات إنتاج ثنائية مختلطة، وإيجاد فضاء واحد مشترك للتصدير للخارج في هذا القطاع المهم، علاوة على التعاون الجمركي والتجارة التفاضلية بين البلدين في مجال الغاز والكهرباء.

مغاربيًا، تأتي زيارة الرئيس الجزائري لتونس في ظل أزمات سياسية عميقة الأولى بين الجزائر والمغرب وقطع العلاقات بين البلدين، وتباعد بين الطرفين في كل المجالات، من جهة، والوضع الصّعب التي تمرّ به الشقيقة ليبيا التي تستعدّ لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية قبل نهاية العام الحالي، والعودة للشرعية المؤسّساتية وبدء البناء بعد عشرية من الأزمات السياسية والأمنية.

خلفِيات الزيارة

قرأ البعض زيارة الرئيس تبون للجارة الشرقية على أنها دعم من الجزائر "الشقيقة الكبرى" لتونس وللرئيس سعيد في ظلّ الخناق السياسي عليه ومطالب عدد من الدول من إنهاء للجمود السياسية وتعطيل المؤسسات الدستورية التي في نظر الدول الصديقة عاملا لتنفير الاستثمارات الأجنبية في تونس، بينما تعتبر الخطوة في صالح الجزائر التي تريد ضمانة من تونس في موقفها حيال الأزمة الليبية.

ويعتقد الخبير الاقتصادي إسماعيل آيت يعلى أن الزيارة لها أبعاد أوسع من الجغرافيا السياسية المرئية أو الواضحة، خصوصًا وأن تونس تعيش أزمة اجتماعية واقتصادية، وتحتاج لدعم مالي وانفتاح اقتصادي من شأنه أن يفكّ الخناق عليها، وخاصّة نحو تسديد ديونها وتحقيق ميزانية يمكنها من دفع أجور العمال.

ولفت الأستاذ آيت يعلى إلى أنّ الوضع التونسي أصبح هشّا خصوصًا مع تعاقب حكومات في فترة حكم الرئيس سعيّد لم تجد بعد المخارج والحلول الجِذرية للأزمة المالية التي تعرفها، وضائقتها المالية بسبب الديون.

وفي علاقة بين المجالات التنموية، شدّد المتحدّث على أن "ترحيل الأزمة السياسية في تونس إلى نهاية العام المقبل، معناه استثنائية القوانين واستثنائية الإجراءات، وهذا ما سيؤثّر على العلاقات الاقتصادية مع الدول التي تؤمن بالاستقرار السياسي الذي يلقي بظلاله على الفعل الاقتصادي والتجاري".

 إسماعيل آيت يعلى: التوجّه الجزائري إلى الداخل الأفريقي يدفع من الدبلوماسية الجزائرية إلى تقوية تواجدها التجاري والاقتصادي في عدد من البلدان الأفريقية

وفي إشارة منه إلى الوضع الإقليمي، قال المتحدّث أن التوجّه الجزائري إلى الداخل الأفريقي يدفع من الدبلوماسية الجزائرية إلى تقوية تواجدها التجاري والاقتصادي في عدد من البلدان الأفريقية، وتعديد الاتفاقيات الثنائية مع الدول وأهمها تونس وليبيا، خصوصًا أمام التوغّل الفرنسي في المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بودن: العمل جار بين الجزائر وتونس من أجل الانطلاق في استراتيجية متكاملة

علاقات استثنائية بين تونس والجزائر.. ماذا عن التعاون الاقتصادي؟