في ظلّ ارتفاع أسعار المواد الغدائية الأساسية والخضروات واللحوم البيضاء، وعلى ضوء الندرة التي تعرفها بعض المواد الأساسية كمادتي الزيت والفرينة، وجهت السلطات الجزائرية أصابع الاتهام إلى ما تصفهم بـ "لوبيات المضاربة ومحتكري السلع"، واعتبرت الموضوع يتجاوز جني الأرباح إلى تحقيق أهداف سياسية.
ترى السلطات أن أهداف المضاربين أبعد من تحقيق أرباح مالية وتتهمهم بالسعي وراء تحقيق أهداف سياسية تستهدف أمن واستقرار الوطن
اتهمت الحكومة الجزائرية هذه "اللوبيات" بافتعال ندرة المواد الغذائية في الأسواق وفرض أسعار مرتفعة، وترى السلطات أن أهداف المضاربين أبعد من تحقيق أرباح مالية، واتهمتها بالسعي إلى تحقيق أهداف سياسية تستهدف أمن واستقرار الوطن، بحسب تصريحات وزراية.
تجريم المضاربة
وفي إطار مكافحة المضاربة تم الشروع في إعداد قانون متعلق بمكافحة المضاربة، تضمن عقوبات تصل إلى 30 سنة سجنًا والمؤبد في حالة إثبات التورط في "جريمة المضاربة"، إضافة إلى ذلك يفرّق القانون بين التخزين المنظم لأهداف تجارية والتخزين بغرض إحداث ندرة أو رفع الأسعار.
من جهته، أحدث مشروع مكافحة المضاربة قلقًا واستهجانًا وسط تجار الجملة للمواد الغدائية، هنا يقول الحاج لخضر، تاجر في السوق الجملة بمنطقة السمار (شرق العاصمة)، إنّ هناك تخوفًا لدى كثير من التجار حول مشروع الحكومة لمكافحة المضاربة والاحتكار.
وأضاف المتحدّث، أن الندرة وتسقيف الأسعار وراء ارتفاع الأسعار وليس تجار الجملة، مؤكّدًا أن أسعار المواد الغذائية على غرار البقوليات عرفت ارتفاعًا في الأسواق الدولية، زيادة على مصاريف الشحن، وانهيار قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية، وهي أعباء وتكاليف تريد السلطات أن يتحمّلها التاجر لوحده.
يوضّح الحاج لخضر، أن الجدل دائمًا يتعلق بالمواد المدعمة كالزيت والسكر ومادتي الفرينة والسميد، مؤكّدًا وجود نقص في الإمداد والتمويل، زيادة على تسقيف أسعار المواد المدعمة، على حدّ قوله.
التخزين والاحتكار
وبخصوص التخزين ومشكلة احتكار السلع، كشف محدثنا أن مخازن تجّار الجملة مفتوحة، وأن طاقة استيعاب بعض المواد يتطلب وجود مخازن ثانوية، معلّقًا: "المخزن لا يمارس نشاطًا تجاري لكي نفرض على التجار سجل تجاري ثانوي".
اعتماد سجل تجاري ثانوي كما هو مطلوب الآن، يعني، بحسب محدّث "الترا جزائر"، زيادة الأعباء والتكاليف التي تنعكس على سعر المنتجات الغذائية، حيث أن "أعوان مديريات التجارة غالبًا ما يُقدرون المخازن الثانوية ضمن عمليات المضاربة".
وعلى ضوء تشديد العقوبات، قال محدثنا أن كثير من تجار الجملة قرّروا عدم المغامرة، والتخلّي على بيع المواد المدعمة تجنبا للمشاكل، وقد تشكل هذه الخطوة عاملًا إضافيًا لوجود ندرة في السوق، كون بائع الجملة هو الوسيط بين تاجر التجزئة والمواطن.
يشار أن وزارة التجارة أمهلت المتعاملين إلى غاية 30 تشرين الأوّل/نوفمبر المقبل للتصريح بمخازنهم.
قرارات شعبوية
من جانبه، أبدى بعض الفلاحين تخوفًا من الاسقاطات والتأويلات الخاطئة حول مفهوم المضاربة والتخزين، هناك يقول مراد، أحد المستثمرين الفلاحيين، في اتصال مع "التر جزائر" إن الفلاح سيضطر إلى التخلّي على إنتاج المواد الفلاحية الأكثر استهلاكًا، ومحل جدل على مستوى الحكومة على غرار مادة البطاطا، على حدّ قوله.
هنا، يعلّق المستثمر الفلاحي أن مادة البطاطا باتت تسبّب "وجع رأس" كثير من الفلاحين.
أمّا بخصوص ارتفاع أسعار البطاطا في السوق الوطنية وأسباب ذلك، يرى محدثنا أن أسعار بذور البطاطا عرفت ارتفاعًا في السوق العالمية، إذ تتراوح ما بين 120 إلى 160 دينارًا للكيلوغرام الواحد، زيادة على ارتفاع اسعار الأسمدة الفلاحية وتكلفة العمال المرتفعة على ما سبق.
إنتاج مادة البطاطا، يوضّح مراد، يتطلب أموالًا كبيرة وعتادًا فلاحيًا متطورًا، وبحاجة إلى متابعة واختصاص، كون نسبة الخسارة في هذا المجال تبقى مرتفعة، وهي أعباء لا يتحملها الفلاح، على حدّ قوله.
محتكرو الأسمدة
بعض القرارات الإدارية، بحسب المتحدّث، لا علاقة لها بمجال الفلاحة وظروف الفلاح، مشيرًا بعض أن المواسم الفلاحية قد تشهد خسائر بنسبة مائة بالمائة، وعليه يضطر الفلاح في المواسم القادمة إلى تخزين المواد الفلاحية إلى حين ارتفاع الأسعار، وهذا قصد تعويض خسائر المواسم السابقة وليس بدافع الاحتكار والمضاربة.
يستطرد المستثمر، أن الفلاحة العصرية اليوم تتطلب إمكانيات مالية كبيرة، وخبرة عالية ومتابعة من مكاتب دراسات، وهي عناصر ضاعفت من كلفة المنتوج الفلاحي، داعيًا في هذا السياق، إلى "فتح مجال استيراد المواد الأكثر استهلاكًا جزئيًا، لكي يتم تغطية السوق بشكلٍ كافٍ، وتقديم الدعم على الأسمدة الزراعية بدل الإعفاء الضريبي الذي يستفيد منه محتكرو استيراد الأسمدة الزراعية".
غياب الإحصاء والرقمنة
من جهته، أكد مولود مدي، المحلّل الاقتصادي، أن المضاربة سمة أي اقتصاد متطوّرًا كان أو متخلفًا؛ فالمضاربة هي عطب في عمل السوق وقصور في توزيع السلع والخدمات، على حدّ تعبيره.
وأضاف محدث "التر جزائر"، أن المضاربة في الحالة الجزائرية سببها انعدام تقدير إحصائي لحجم العرض والطلب على السلع، ويشكّل غياب التدقيق في السوق تذبذبًا في توفير السلع والخدمات.
وتابع مولود مدي، أن غياب الإحصاء والرقمنة تصبّ في صالح المحتكرين الذين يستفيدون من تقلب أسعار السوق وجني المزيد من الأرباح، معتبرًا أن "غياب سوق شفافة تسمح بدخول كل المتعاملين، وغياب التنافسية وفشل في المنظومة الإحصائية كلها عوامل تشجع المضاربة والاحتكار".
هنا، يوضّح المتحدّث أن المضارب هو شخص يوظف المعلومة التي لا يمتلكها غيره لكي يجني أرباحًا دون أي ينتج أي شيء، والتاجر هو من يجني الأرباح من خلال تحريك السلع وحركية البيع إلى المستهلك وليس التخزين".
ينشط وينمو قطاع المضاربة والاحتكار غالبًا في الاقتصاديات الريعية، حيث تتحوّل الدولة من كيان قانوني منظم للسوق إلى متدخل ومتعامل اقتصادي
ينشط وينمو قطاع المضاربة والاحتكار غالبًا في الاقتصاديات الريعية في كلّ دول العالم، حيث تتحوّل الدولة من كيان قانوني منظم للسوق إلى متدخل ومتعامل اقتصادي، يَفرض زبائنيته ويحتكر أعوانه قطاعات التجارة الخارجية، حيث ينشط المضاربون والمهربون في السلع المدعمة من الدولة ولو على حساب القدرة الشرائية للمواطن البسيط.