17-مايو-2024
فيات الجزائر

مصنع شركة فيات بوهران (الصورة: فيسبوك/الترا جزائر)

أصدرت الحكومة مرسومًا تنفيذيًا جديدًا يتضمّن تعديلات متعلقة بشروط وكيفيات ممارسة نشاط تصنيع المركبات بالجزائر الذي تحاول بعثه بعد النكبة التي تلقاها هذا القطاع في السنوات الماضية ضمن ما سماها الرئيس عبد المجيد تبون بـ"مصانع نفخ العجلات"، وهو التعديل الذي يأتي بعد أقل من عام من إطلاق أوّل سيارة مصنعة محليًا من قبل علامة "فيات" الإيطالية بمصنعها بوهران غربي الجزائر.

تأتي هذه التعديلات في وقت ما يزال سوق المركبات يعرف نقصًا في المعروض رغم منح الحكومة تراخيص للاستيراد والتصنيع محليًا

وتأتي هذه التعديلات في وقت ما يزال سوق المركبات يعرف نقصًا في المعروض رغم منح الحكومة تراخيص للاستيراد والتصنيع محليًا، الأمر الذي أبقى على أسعار السيارات مرتفعة بمستوى جنوني سواء للجديدة او المستعملة منها.

تعديلات ضرورية

تضمن العدد 33 من الجريدة الرسمية الجزائرية مرسومًا تنفيذيًا موقع من قبل الوزير الأول نذير العرباوي يحمل رقم 24/159 مؤرخ في 12 ماي 2024، والذي جاء ليعدل ويتمم المرسوم التنفيذي رقم 22/384  المحدد لشروط وكيفيات ممارسة نشاط تصنيع المركبات.

وجاء أول تعديل في المادة 7 الذي نص على أن الملف المطلوب للحصول على الرخصة المسبقة يتضمن "تقديم بروتوكول الاتفاق أو اتفاق الشراكة عند الاقتضاء، يبين أن الاستثمار المتوقع يندرج في إطار شراكة صناعية بين مستثمر جزائري واحد أو عدة مستثمرين جزائريين وشريك أجنبي واحد أو عدة شركاء أجانب بمن فيهم المصنع مالك العلامة أو العلامات".

كما نصت على وجوب أن يتضمن الملف "مستويات الإنتاج المتوقعة حسب كل طراز ونموذج، وحسب كل مرحلة فيما يخص حجم الإنتاج، وكذا قائمة المجموعات والمجموعات الفرعية واللواحق التي سيتم استيرادها وتلك التي ستصنع محليا تدريجيا"

وشددت المادة 8 على وجوب أن يوضح بروتوكول الاتفاق أو اتفاق الشراكة توزيع الأسهم أو الحصص الاجتماعية بين الأطراف المعنية بالمشروع، عند الاقتضاء.

ونص التعديل الذي مس المادة 10 على ضرورة تبليغ وكيل السيارات بالرأي السلبي، فيما يجب على لجنة الطعن الرد خلال 30 يومًا التي تلي تاريخ استلام الطعن المقدم من صاحب الطلب، علما أن هذه الفترة كانت تقدر سابقا بـ20 يومًا.

وأشارت المادة 23 أنه تمت إضافة أعضاء إلى اللجنة التقنية المنشأة لدى مصالح الوزير المكلف بالصناعة، هم ممثل الوزير المكلف بالتشغيل وممثل الوزير المكلف بالنقل، وممثل الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، فيما  تستمر عهدة اللجنة بناء على اقتراح الوزراء والهيئة الذين يتبعونهم، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

وتحدثت المادة 26 عن لجنة طعن لدى الوزير المكلف بالمالية التي تضم عدة قطاعات، فيما أشارت المادة 29  أنه "تبلغ إلى الوزارة المكلفة بالصناعة التدابير المتخذة من طرف المصالح المؤهّلة في حالة عدم احترام المصنعين المعتمدين للأحكام التشريعية والتنظيمية المطبقة، لا سيما في مجال معايير السلامة وحماية البيئة والمنافسة والممارسات التجارية وحماية المستهلك والنظافة والنظافة الصحية والعمل والتامين".

ويرى الإعلامي المهتم بقطاع السيارات نبيل مغيرف أن هذه التعديلات كانت منتظرة، وجاءت في وقتها كونها ستنعكس إيجابيا على مشاريع تصنيع السيارات في الجزائر، بالنظر إلى أن المتعاملين الناشطين في هذا المجال كانوا بحاجة لهذه التعديلات لإزالة العراقيل التي تعيق نشاطهم، وفق ما قاله لـ"الترا جزائر".

ويعتقد مغيرف أن ما يجب التركيز عليه مستقبلًا في التعديلات التي تخص دفتر شروط تصنيع السيارات هو الاستعانة بأصحاب الميدان واستشارتهم، بالنظر لدرايتهم بالمشاكل والعوائق التي قد تقف حاجزا أمام التطوير السريع واللازم لقطاع السيارات في البلاد، مضيفا لكن تبقى هذه التعديلات في العموم جيدة وإيجابية وتصب في خانة تنشيط هذا القطاع الاقتصادي الهام.

أجل إضافي

تشكّل نسبة الإدماج في مصانع السيارات المحلية تحديًا للحكومة وللمتعاملين النشطين في هذا المجال سواءً كانوا جزائريين أو أجانب، حيث يشترط القانون أن تصل إلى 30 بالمئة عند مرور خمس سنوات على منح الاعتماد.

وفي هذا الشأن، تطرقت المادة 30 إلى أكبر مشكل قد يطرح على مستوى مصانع السيارات والمتعلق بتحقيق نسب الإدماج المطلوبة ، حيث جاء فيها أنه "وفي حالة عدم تحقيق نسب الإدماج حسب كل مرحلة كما هو منصوص عليها في المادة 5 من هذا المرسوم يمنح للمصنع، بالنسبة لصنف المركبة المعنية أجل إضافي مدته 12 شهرًا لكل مرحلة، مع تخفيض نسبة 25 في المائة من البرنامج السنوي للتوريد يحسب على أساس البرنامج الموافق عليه للسنة الماضية، مع اقتطاع عدد المجموعات والمجموعات الفرعية واللواحق المستوردة المتبقية غير المركبة.

ويعتقد الصحفي نبيل مغيرف أن منح 12 شهرًا إضافيًا للمتعامل الذي لم يحقق نسبة الإدماج المطلوبة دليل على أن الحكومة حريصة على تثمين الجهد الذي يقوم به المتعاملون الاقتصاديون الذين يستثمرون في مجال تصنيع المركبات، فهذا الإجراء هو تشجيع لهؤلاء المتعاملين من خلال الفرصة الثانية الممنوحة لهم، وهو يظهر جدية الحكومة في التأسيس لمنظومة صناعية ميكانيكية جدية وحقيقية على المستويين المتوسط والبعيد.

وجاء في المادة 33 ذاتها "وإذا لم يحقق المصنع نسبة الإدماج المحددة، بعد انتهاء الأجل الإضافي المذكور أعلاه، يتم تجميد برنامج التوريد الخاص به بالنسبة لصنف المركبة المعنية إلى غاية تحقيق نسبة الإدماج هذه وتقوم المصالح المؤهلة للوزارة المكلفة بالصناعة بزيارات  ميدانية لمواقع الإنتاج الخاصة بالمصنعين، وعند الاقتضاء تلك الخاصة بالمناولين للتحقق من احترام نسب الإدماج المطلوبة من  مصنعي المركبات حسب كل مرحلة".

ويفهم من هذه المادة ما يعني أن البرنامج السنوي للتوريد سيحسب على أساس برنامج السنة السابقة له، بعد أن كان يحسب على أساس برنامج متعدد السنوات.

إستراتيجية إنتاجية

وتظهر مختلف المواد الجديدة الذي حملها هذا التعديل أن الحكومة تضع هدف تشجيع الإنتاج المحلي للسيارات في صلب هذا التشريع إذ فتحت الشراكة على مختلف أنواعها بأن تكون مبرمة بين مستثمر جزائري أو مستثمرين جزائريين والشريك الأجنبي أو الشركاء الأجانب، بمن فيهم المصنع مالك العلامة أو العلامات، وذلك دون تحديد عدد الشركاء

وشددت المادة 33 مكرر2 على "ضرورة التزام المصنع مالك العلامة بالانخراط  في الإستراتيجية الوطنية المتعلقة بصناعة المركبات والمتضمن إستراتيجية المُصنع لمرافقة واعتماد المناولين المحليين، والبرنامج متعدد السنوات الخاص بتوريد المجموعات والمجموعات الفرعى واللواحق، ونطاق تصدير المركبات"

واعتبر الصحفي نبيل مغيرف المهتم بقطاع السيارات في حديثه مع "الترا جزائر"، أن ما جاء في هذه المادة دليل على أن الحكومة تهدف من السياسة الحالية للاستيراد والتصنيع تأسيس أرضية حقيقية لتصنيع السيارات، والتي ستنعكس إيجابيا على السوق بصفة عامة، إضافة إلى توفير مبالغ بالعملة الصعبة للخزينة العمومية وخلق مناصب شغل، وتطوير اليد العاملة المؤهلة.

وأضاف مغيرف أن تطبيق هذه الإستراتيجية ميدانيًا سيسمح بزيادة الإنتاج الوطني وتحقيق وفرة فيه ليلبي الطلب المحلي، ثم البحث عن التوجه نحو السوق الأفريقية باعتبار الجزائر بوابة التصدير نحو القارة السمراء، من خلال الاستفادة من النظام الجمركي لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية "زليكاف"، الذي يسهل التصدير نحو القارة الإفريقية المحتاجة للتجربة الجزائرية، إضافة إلى تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية سيسمح بفتح مسارات للتصدير نحو مختلف مناطق العالم حتى الأوروبية منها، باعتبار أن بعض العلامات التي ستقيم مصانع في الجزائر بحاجة لدخول السوق الأوربية، واستثمارها بالجزائر سيسهل لها ذلك بالنظر لقربها من القارة العجوز.

ورغم منح الحكومة اعتمادات لعديد وكلاء السيارات إما لاستيراد المركبات أو تصنيعها محليًا، لم تنطلق عملية التصنيع المحلية حتى الآن سوى في مصنع علامة فيات الإيطالية بوهران الذي ينتج ثلاث سيارات في الساعة لحد الآن بهدف إنتاج 50 ألف سيارة هذا العام، وفق تصريحات وزير الصناعة علي عون الذي أشار في آخر ندوة صحفية له أن الجزائر استوردت سوى 159 ألف سيارة من الحصة المخصصة لـ2023 والمقدرة بـ180 ألف مركبة التي رصد لها مبلغ  مليار دولار.

رغم منح الحكومة اعتمادات لعديد وكلاء السيارات إما لاستيراد المركبات أو تصنيعها محليًا، لم تنطلق عملية التصنيع المحلية حتى الآن

وبالنسبة لنبيل مغيرف، فإن تغيير التشريعات  المنظمة لهذا النشاط من شأنه التأسيس لصناعة سيارات حقيقية وزيادة الإنتاج الذي لا يستهدف السوق المحلية فقط إنما الجهوية والإقليمية.