شهد شهر أيّار/ مايو الماضي حدثين سياسيين في الجزائر، يُفترض بهما أن يشغلا الرّأي العام، في الواقع وفي مواقع التواصل الاجتماعي، بالنظر إلى صلتهما المباشرة بالحياة العامّة، هما الانتخابات التّشريعية التي تمخّض عنها برلمان جديد، وتشكيل حكومة جديدة/ قديمة برئاسة وزير السّكن السّابق عبد المجيد تبّون، خلفًا لصديقه عبد المالك سلّال، لكنّهما مرّا مرور الكرام في يوميات الجزائريين، الذين يبدو أنّهم يُباشرون معارضةً جماعيةً صامتة.
بعد أقل من 72 ساعة من تعيينه، أنهت الرئاسة الجزائرية مهام وزير السياحة الجديد، دون تقديم أي توضيحات مما أثار لغطًا واسعًا
على العكس من ذلك تمامًا، عرف الأسبوع الأخير من أيّار/ مايو، ثلاثة أحداث متعاقبة، ألهبت مجالس الجزائريين في الواقع، وحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وغطّت على ما سواها من الأحداث، في وسائل الإعلام المستقلّة.
اقرأ/ي أيضًا: "سونطراك 1".. مفتاح فضائح الفساد في الجزائر
1. أقصر مدّة استوزار في التّاريخ الجزائري
إلى غاية مساء الخميس الأخير من آيار/ مايو، كانت كلّ الاحتمالات واردةً، بخصوص تشكيلة حكومة عبد المجيد تبّون، بعد أن أعلنت الأحزاب الإسلامية الوازنة رفضها المشاركة فيها، ومن أبرز ما تسرّب من أخبار، أن التشكيلة ستضمّ شابًّا ثلاثينيًا. لتتهاطل تكهنت روّاد "فيسبوك"، حيث مسّت نخبة من الأسماء ذات الحضور والألق والتأثير. ولم يحدث أن انتبه أحدهم إلى الشابّ مسعود بن عقون، 1982، سليل منطقة الأوراس، التي عرفت اندلاع ثورة التحرير في خمسينيات القرن العشرين، ورئيس منظمة طلابية تابعة لحزب "الحركة الشعبية" التي قامت بترشيحه لرئيس الحكومة الجديد.
ساعات قليلة، بعد الإعلان عن تولّي بن عقون لوزارة السّياحة والصّناعات التّقليدية، انطلقت المنابر الإعلامية الموالية للحكومة، في القول إنّ زمن الشّباب قد حان، والدّليل أنّ رئيس الجمهورية وضع ثقته في شابّ لم يتجاوز الخامسة والثلاثين. هنا تجدر الإشارة إلى أنّ وصول الرئيس الفرنسي الشّاب إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه، خلق حالةً من التحسّر، في أوساط الشّباب الجزائريين، بسبب عجزهم عن الوصول إلى أيّ منصب سياسي في مثل هذا السنّ، وهي الحالة التي حاولت هذه المنابر الموالية لمحيط الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة امتصاصها، من خلال الإشادة بتعيين مسعود بن عقون.
غير أنّ الصّدمة أصابت الرّجل والحزب الذي رشّحه والجزائريين عمومًا، بعد أقلّ من 72 ساعة من تعيينه، بإصدار مؤسسة الرّئاسة بيانًا مقتضبًا، أورد أنّ الرّئيس أنهى، بموجب الصّلاحيات الممنوحة له دستوريًا، مهامّ وزير السّياحة والصّناعات التقليدية، دون تقديم أيّ توضيحات أو تبريرات.
هنا، عادت المنابر الإعلامية نفسها، التي أشادت بتعيين الشّاب، فأوغلت في تناول سمعته وسيرته، من قبيل أنّه متابع قضائيًا، وأنّه لم يكمل دراسته الجامعية. وهي التّهم التي نفاها المعني، بتصوير شهادة الليسانس/ الإجازة في الحقوق التي حصل عليها عام 2012، وشهادة السّوابق العدلية الخالية من أيّة جنحة، قائلًا إنه تعرّض إلى مؤامرة حيكت ضدّه، من قبل أطراف لم يسمّها.
سكوت الجهات الرسمية الجزائرية حيال أحداث أسبوع رمضان الأول المدوية أدى إلى تطور التحليل والتعليق والاستشراف بين رواد فيسبوك
اقرأ/ي أيضًا: لقاحات الأطفال القاتلة تهز قطاع الصحة في الجزائر
2. وزير الدّين يطلق النّار على أمّ البنين
قطعت معظم القنوات التلفزية الجزائرية بثّها عشية اليوم الثالث من شهر رمضان، بسبب "خبر عاجل" وصلها يقول إنّ الشّيخ عبد الحفيظ أمقران، الذي تولّى حقيبة وزارة الشؤون الدّينية، ما بين عامي 1992 و1993، أي خلال بدايات سنوات الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد، قام بإطلاق النّار على زوجته.
نُقلت الزّوجة المصابة بثلاث رصاصات، على يد زوجها الذي قال، بعد عزله من الحكومة، إنّه سيتفرّغ للكتابة، إلى المستشفى القريب من مقرّ سكناهما في ضاحية زرالدة، غرب الجزائر العاصمة، واقتيد الزّوج إلى مقرّ الشّرطة للتّحقيق معه، في ملابسات الحادثة، التي لا تزال حديث الجزائريين في هذا الأسبوع الأول من رمضان.
3. فيديو جنسي لمدير شركة بترولية
فجأةً صعد اسم حسين ريزو المدير العام لشركة "نفطال" المكلّفة بتوزيع كلّ أنواع الوقود في الجزائر، منذ عام 1982، والسبب الفيديو الذي قامت أطراف مجهولة بتسريبه في يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يظهر فيه ريزو يمارس الجنس المثلي مع شابّ قيل إنه كادر مركزي على مستوى الشّركة.
نفيُ المعنيِّ أن يكون الفيديو حقيقيًا، واتهامه لأطراف قال إنها تستهدف استقرار الشركة البترولية المهمّة، وإصابته بنوبة قلبية دخل بسببها المستشفى، لم يمنع وزير الطاقة الجديد من إمضاء أوّل قرار له، بعد تعيينه، وهو إقالة حسين ريزو، لاحتواء احتجاجات صاخبة باشرها ألفان من عمّال الشّركة.
"فيسبوك" يتولّى المهمّة
سكوت الجهات الرّسمية حيال هذه الأحداث الثّلاثة، التي شغلت الرّأي العامّ الجزائري، في الأيام القليلة الأخيرة، وتورّط منابر إعلامية، يفترض بها تنوير هذا الرّأي العام، في إدارة الحملات المضادّة لصالح هذا الطرف أو ذاك، جعل روّاد موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الذي قفز عدد المنخرطين الجزائريين فيه إلى ثلث السكان البالغين 40 مليونًا، يتولّون مهمّة التّحليل والتّعليق واستشراف المستقبل الوطني، في ظلّ هذه التخبّطات السياسية والاقتصادية والأخلاقية، التي وصفوها بـ"الخطيرة".
وعلى أيدي "الفسابكة" الجزائريين، تحوّلت هذه الأحداث الثلاثة إلى مادّة فكاهية مثيرة للضحك، خاصّة أن الرّوح الجزائرية ميّالة إلى الفكاهة في الموسم الرّمضاني. من ذلك أن معظم الجزائريين باتوا يعدون من يطلبون منه خدمة، أن يجعلوه وزيرًا لمدة يومين. فيما باتت الجزائريات يعبّرن عن تخلّيهنّ عن أحلامهنّ بأن يصبح أزواجهنّ وزراءَ، حتى لا يتعرّضن إلى إطلاق النّار على أيديهم. أمّا المجالس الضّيقة للشّباب، فقد غذّاها الفيديو الجنسي للمسؤول الحكومي، بغضّ النّظر عن مدى صدقيته، بطرائف خاصّة.
اقرأ/ي أيضًا: