01-مايو-2023
وزير الخارجية الجزائري في زيارة إلى مالي (فيسبوك/الترا جزائر)

وزير الخارجية الجزائري في زيارة إلى مالي (فيسبوك/الترا جزائر)

تحمل أولى الزيارات الخارجية للوزير أحمد عطاف، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية، دلالات جيو-دبلوماسية وجيو-إقليمية، تَعكس رغبة الجزائر في تعزيز محور الجزائر ونواكشط وباماكو ونيامي.

تعتبر موريتانية نقطة وصل بين شمال أفريقيا وجنوبها وبوابة لبلدان أفريقية كثيرة

ويرى مراقبون أن جولة أحمد عطاف إلى موريتانيا ومالي والنيجر بشكلٍ مباشر، تأتي استجابة إلى الرهانات والتحديات الإقليمية التي تعيشها منطقة الساحل الأفريقي، ما يستدعي تعزيز التعاون الثنائي والمشترك في المجالات الاقتصادية والتنموية بشكلٍ فعال، إضافة إلى ملفات دعم التعاون الأمني والعسكري.

رغم من تقارب بعض الملفات التي تربط الجزائر بالدول الساحل الأفريقي، إلا أن بعض الملفات الثنائية تحمل خصوصيات معيّنة، وفق الوضع السياسي والمؤسّساتي لبعض الدول كدولة مالي، أو بحسب الوضع الأمني وتطورات ملف الهجرة غير النظامية، أو لوجود اعتبارات اقتصادية أو تنشيط حركة التبادل التجارية مع العمق الأفريقي.

الجزائر-باماكو

يعيش الماليون وضعًا داخليًا وخارجيًا صعبًا للغاية، وهذا نتيجة الاضطرابات الأمنية في شمال البلاد، ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي والمؤسّساتي، في ّ استمرار وتمديد الفترة الانتقالية وتأجيل الاستفتاء على مسودة الدستور التوافقي، مما يجعل المشهد في مالي على "كف عفريت"، خصوصًا بعد تهديد بعض الفصائل والقوى السياسية المالية بالانسحاب من "اتفاق السلام" الموقع في الجزائر عام 2015.

في هذا ، تؤكّد زيارة وزير الخارجية، أحمد عطاف، على الأهمية التي توليها الجزائر إلى الوضع المتوتر والتطورات السياسية والأمنية التي يعيشها مالي، وتحرص الجزائر على جمع الفرقاء من أجل تنقيذ بنود "اتفاق السلم والمصالحة"، بين الحكومة المركزية في مالي والحركة المسلحة للأزواد التي تتشكّل من سكان المناطق الشمالية في مالي والقريبة من الحدود الجزائرية.

وعلى صعيد آخر؛ تتخوّف الجزائر من أيّ انزلاق أمني أو عسكري بين الفصائل المسلحة في شمال مالي والمجلس العسكري في باماكو، وهو العامل الذي يشجّع على اتساع رقعة العنف وخلق حلقة الفوضى، وما يعزّز المطالب الانفصالية لحركة الأزواد أو الساكنة الشمالية، وهي البيئة التي تعزز من تمركز الجماعات المسلّحة، وانتشار الجريمة المنظمة والعصابات المسلحة، وهو الهاجس الذي يؤرّق الجزائر خصوصًا أن الحدود الجزائرية-المالية من أطول الحدود الجنوبية، حيث تبلغ 1359 كلم.

الجزائر-النيجر

في سياق الموضوع، وبينما واصل أحمد عطاف زيارته الأخيرة إلى النيجر من أجل تعزيز الروابط الدبلوماسية والسياسية بين البلدين، أجرى العميد إبراهيم عيسى بولاما، نائب أركان القوات المسلحة النيجرية، رفقة وفد عسكري رفيع المستوى، بزيارة قادته إلى قيادة المنطقة العسكرية الخامسة في تمنراست جنوبي الجزائري، والتقى العميد إبراهيم عيسى بالقائد الناحية العسكرية الخامسة اللواء محمد عجرود، ورئيس دائرة الاستعمال والتحضير لأركان الجيش اللواء بلقاسم حسنات.

ويرى مراقبون أن اختيار موقع الاجتماع الواقع بالحدود الجزائرية-النيجرية يُعطي طابعًا استعجاليًا وعملياتيًا في رسم العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين، والدفع بها إلى تعميق التعاون العسكري والميداني بين الطرفين، قد تشمل تنظيم دوريات مشتركة وتدريب وتكوين كوادر عسكرية نيجرية، وتتشارك الجزائر حدود تبلغ 956 كلم مع دولة النيجر.

وتمثل التحديّات الأمنية والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير النظامية أهم الملفات على طاولة الطرف الجزائري والنيجري، ورغم الأولويات الأمنية والعسكرية التي تجمع العلاقة بين البلدين، تسعى الجزائر وفق المقاربة الاقتصادية والتنموية لامتصاص بؤر التوتر الأمني والتمرّد السياسي والاجتماعي، تشتغل الجزائر على بناء علاقات اقتصادية بين البلدين، من شأنها تحقيق تنمية وتعود بالنفع على الجانب النيجري، ومن بين البرامج الاقتصادية التعاون في مجال المحروقات، والمساهمة في تطوير البنية التحية كالطرقات التي تربط الجزائر بالعمق النيجري لتنشيط الحركة التجارية بين الجانبين. بناء قطب لمحطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، إنجاز مدارس تعليمة ومراكز التكوين المهني وعيادات طبية جوارية، علاوة على أهمية مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-الجزائر مرورًا بالأراضي النيجرية.

الجزائر-نواكشط  

شهدت العلاقات الجزائرية-الموريتانية في الفترات الأخيرة تقاربًا على مستوى العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية، وتوصف موريتانيا في اللغة الدبلوماسية الجزائرية بالدولة الصديقة، وتعزيزًا لهذا الصداقة كانت نواكشط أول محطة في زيارة وزير الخارجية أحمد عطاف.

ويُشكل هذا التنقل الأول لوزير الخارجية، رمزية ذات أهميّة في السلم العلاقات الدبلوماسية بين الدول الجوار، وقد احتفت الصحف والمواقع الموريتانية بهذه الزيارة الرسمية، إذ أجرى وزير الخارجية الجزائري محدثات مع مسؤولين وعلى رأسهم الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

وتشارك موريتانيا 800 كلم حدودًا مع الجزائر، ما يعكس اهتمام الجانب الجزائري بتعزيز التعاون والتنسيق مع نواكشط. وتسعى الجزائر من خلال إرساء توافق سياسي ودبلوماسي مع موريتانيا؛ إلى توسيع وجودها التجاري وفتح قنوات وممرّات لتسويق السلع والبضائع وتكثيف التبادلات التجارية، والدخول نحو الأسواق الأفريقية سواءً عبر فتح خط بحري بين الجزائر وميناء الصداقة بنواكشط، أو من خلال تسريع وتيرة أشغال الطريق البري الذي يربط مدينة تندوف والزويرات الموريتانية والذي يبلغ 773 كلم.

ويعزز هذا الطريق فك العزلة على المناطق الحدودية والجنوبية، نتيجة تطوير المرافق والمنشآت التابعة للمشروع، وتعتبر موريتانية نقطة وصل بين شمال أفريقيا وجنوبها وبوابة لبلدان أفريقية كثيرة، وعلاوة على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، حيث يحتل الملف الأمني أيضًا اهتمام السلطات الجزائرية، خصوصًا بعد تمدد التهديدات الأمنية والجماعات الإرهابية على طول الدول الساحل الأفريقي، وانتشار شبكات التهريب والاتجار بالمخدرات والأسلحة والتنقيب على الذهب.

وأمام الوضع الأمني المتوتر والصعب للبلدين، تعين على الجانب الجزائري والموريتاني تعزيز آليات التعاون المشترك وتبادل المعلومات بطريقة أكثر فعالية والعمل على تكثيف التنسيق الأمني المشترك.  

تعزز زيارة وزير الشؤون الخارجية إلى دول الساحل الأفريقي، الأهمية الاستراتيجية التي توليها الجزائر إلى عمق حوضها الحدودي والجواري وكذا الأفريقي

تعزز زيارة وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، إلى دول الساحل الأفريقي، الأهمية الاستراتيجية التي توليها الجزائر إلى عمق حوضها الحدودي والجواري وكذا الأفريقي، ويعكس تواجدها الدائم تحصين المنطقة من أيّة تدخلات أجنبية وخارجية لا تدرك الطبيعة الجغرافيا والتعقيدات الديمغرافية، ما يرشح تَعرض المنطقة إلى المزيد من التوتر وللاستقرار والعنف والتمرد المسلح.