لم يكن الدّخول المدرسي هذا الموسم عاديًا، في الجزائر. ليس بسبب ظلال التقشّف التي رافقته، كما أشار "الترا صوت" إلى ذلك في مقال سابق فقط، بل بسبب الجدل الواسع الذي يشهده الفضاء الجزائري في الواقع، وفي موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أيضًا.
أقدمت وزارة التربية الجزائرية على حذف البسملة من الكتب المدرسية، ما عدا كتاب التربية الإسلامية
سبب هذا الجدل إقدام وزارة التربية على حذف البسملة من الكتب المدرسية، ما عدا كتاب التربية الإسلامية، في خطوة غير مسبوقة منذ الاستقلال الوطني عام 1962. مبرّرة ذلك بالإصلاح التربوي ومراعاة رأي الخبراء، وهو ما جعل التيّارات المحافظة تفهمها في إطار سعي الوزيرة نورية بن غبريط "إلى فرض توجهاتها العلمانية، مستغلّة نفوذها في السلطة".
اقرأ/ي أيضًا: بكالوريا 2017 في الجزائر.. عرس الخوف
تزامن الحدث مع أحداث أخرى، منها دعوة نخبة من المثقفين والمعارضين إلى تطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري القاضية بإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية في حالة عجزه عن أداء مهامّه، في إشارة منهم إلى مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، واجتماع هذا الأخير بحكومة أحمد أويحي المعيّن أخيرًا، لكنّ حدث حذف البسملة من الكتاب المدرسي تفوّق على الأحداث جميعها، في جلب انتباه الجزائريين وإثارة الجدل بينهم، بين مستهجن ومتفهم وداعٍ إلى توسيع أفق النقاش.
صدر ردّ الفعل الأبرز في الجهة الرافضة للإجراء، من "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، التي تأسّست عام 1931 على يد الموصوف في الأدبيات الجزائرية برائد النهضة عبد الحميد بن باديس، من خلال بيان أصدره رئيسها عبد الرزاق قسّوم، ورد فيه "لقد آلمتنا قضية حذف البسملة من كتبنا المدرسية، خاصّة من كتب المرحلة الابتدائية، باسم ما يسمّى بالإصلاح، وحيث إن البسملة جزء من هويتنا ومن عقيدتنا، فإن حذفها يمثل اعتداء على عقول أطفالنا ومساسًا بشخصيتنا".
وصف أستاذ الفلسفة في جامعة الجزائر عمر بوساحة هذا الموقف بأنه اهتمام بالشكليات على حساب الجوهر، وخاطب رئيس جمعية العلماء بالقول: "من قال لك أيها الشيخ إن البسملة تمتلك كلّ هذه الضرورة الشرعية؟ هناك سور قرآنية لا تبدأ بالبسملة أصلًا". يضيف: "لقد أفلسنا على كلّ الجبهات يا شيخ، ونحن نعيش انحطاطًا فعليًا، فلم يعد أمامنا سوى البسملة والحوقلة لنحاسب بهما بعضنا".
من جهته يقول الناشط بلال بن سكايم ساخرًا: "فجأة أصبحنا ننافس فلندا في جودة التعليم بحذف البسملة. كم نحن مدهشون!". يشرح فكرته لـ"الترا صوت" بالقول إن الوزارة حصرت مفهومها للإصلاح التربوي الهادف إلى تنقية العقول من الفكر المتطرّف في حذف البسملة، "في الوقت الذي كان مفروضًا عليها فيه أن تحذف جرعة العنف والتخلّف من النصوص التربوية المعتمدة"، والرافضون للخطوة حصروا مفهومهم للدّين والهوية في الدفاع عن بقاء البسملة في الكتاب المدرسي، "عوض أن يسعوا إلى تجسيد معناها وروحها في الواقع العام الذي بات بلا ذوق ولا أبعاد حضارية". يختم: "لماذا هذه الضجّة بسبب أمر شكلي على حساب الرهانات الجوهرية، التي يواجهها قطاع التعليم في بلادنا؟".
ويرى أستاذ جامعة قسنطينة نذير طيّار أن الضجّة صنعها من حذف البسملة وليس غيره، "من كان ينتظر ردّ فعل مغاير، فهو واهم أو مخادع لنفسه، ذلك أن البسملة عنصر مركزي في الثقافة الشفوية والكتابية للجزائري، ولا يمكن محوها بقرار وزاري". ويضيف طيّار أن البسملة ربط غائي للعلم بخالقه، الذي طلب منا أن نقرأ باسمه، "وقد كانت حاضرة في كتب العلماء المتنورين مثل ابن رشد وبن سينا والفارابي، عكس ما يعتقد متطرّفو التنوير والحداثة المغدورة. إن البسملة ليست مسؤولة عن صناعة الدواعش والمتطرّفين".
البسملة عنصر مركزي في الثقافة الشفوية والكتابية للجزائري، ولا يمكن محوها بقرار وزاري
غير أن هناك طرفًا ثالثًا يتحفّظ على خطوة وزارة التربية هذه، إما من زاوية عدم مراعاتها للخصوصية الاجتماعية، مثلما ذهب إليه الباحث في علم الاجتماع عمار بن طوبال، الذي يقول إنه لا مانع من حذف البسملة من المقرّرات المدرسية،"لكنّ المدرسة لم تكن يومًا مفصولة عن شروطها السوسيولوجية، والوزارة عملت بمنطق الاستفزاز لا الإصلاح"، وإما من زاوية التوقيت غير المناسب، مثلما ذهب إليه الناشط علاء الدّين يحياوي في تصريح لـ"الترا صوت". يقول: "الخطوة في ظل الجو الأيديولوجي المشحون في البلاد خطأ كبير، إذ قد يثير بلبلة نحن في غنى عنها، خاصة أنها جاءت على يد وزيرة غير مرغوب فيها في الأوساط الشعبية والمحافظة".
اقرأ/ي أيضًا: الأسرة الجزائرية والنظام.. توأمان في السلوك
وقياسًا على تجارب سابقة، مثل إلغاء قرار وزير التجارة السّابق عمار بن يونس القاضي بتحرير تجارة الخمور، يتوقّع البعض أن يأمر الرئيس بوتفليقة بالتراجع عن قرار حذف البسملة من الكتب المدرسية، عملًا بمنطق التوازن الذي عرف به منذ مجيئه عام 1999، خاصّة في ظلّ عمل محيطه على تهيئة الرأي العام لقبوله رئيسًا لعهدة خامسة.
اقرأ/ي أيضًا: