24-ديسمبر-2019

السلطة منعت وسائل الإعلام من تغطية الحراك الشعبي (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

خلال ثلاثة عقود من الزمن، يبدو أن الإعلام الجزائري، شهد فترات متأرجحة من الحرّية والتضييق، وشابت التغطية الإعلامية للأحداث السياسية والحراك الشعبي على وجه الخصوص جدلية الانفتاح تارةً والانغلاق تارةً أخرى، وهو ما يضع الإعلام على المحكّ في معطى الحفاظ على مكتسبات التعدّدية السياسية والإعلامية. يترقّب الوسط الإعلامي والحقوقي مستقبل الصحافة في الجزائر، وكيفية إدارة الرئيس الجزائري الجديد لملفّ الإعلام.

غاب الإعلام عن تغطية المسيرات السلمية متجاهلًا المطالب التي رفعها آلاف المتظاهرين في الشوارع

الإعلام امتداد للمراحل السابقة

في أوّل أسبوع للحراك الشعبي عقب تنصيب عبد المجيد تبون رئيسًا للجمهورية الجزائرية، غاب الإعلام عن تغطية المسيرات السلمية، متجاهلًا المطالب التي رفعها آلاف المتظاهرين في الشوارع، رغم تعهّد الرئيس المنتخب بفتح مجال الإعلام ورفع التضييق عن حرّية الصحافة خلال كلمة ألقاها أثناء أداء اليمين الدستورية.

اقرأ/ي أيضًا: حرية الصحافة في الجزائر.. ضحك على الذقون

هنا، يعتقد الصحافي حمزة عتبي، أن الإعلام في الجزائر تدهور حاله منذ مجيء بوتفليقة، الذي أتى على آخر قلاع الحرّية، وعمل على تطويعه عبر فتات الإشهار.

ولفت المتحدّث الانتباه إلى أنّ استفاقة الاعلام في بداية الحراك كانت لحظة تاريخية، مستدركًا أنه سرعان ما عاد إلى حالة الانصياع التي كان عليها في السابق، على حدّ تعبيره.

وبحسب عتبي، فإنّ صوت الحقيقة خَفت بعد إمساك الجيش زمام الأمور عقب سقوط بوتفليقة، واستحال الإعلام الى أداة طيّعة في يد الجيش، تُهاجم من يختلفون مع تصوّرات العسكر، وتمجّد من يتناغم مع نظرته إلى الحلّ.

الإشهار أداة ضغط

 وفي تقدير محدّثنا، سيظلّ الإعلام منقادًا للفئة القويّة في السلطة، ما دامت تتحكّم في موارد الإشهار، وتُعاقب كلّ من يخالفها التوجّه، ويرسم عتبي صورة عن إعلام اليوم في الجزائر قائلًا: "أصبحت الموضوعية خيانة والذاتية وطنية. أظنّ أن توسيع هامش حرية التعبير وتحرير الاعلام، يبدأ من قاعات التحرير حتّى ولو غابت الإرادة السياسة، ولا شكّ أن وضعية الإعلام الحالية في مصلحة الوافد الجديد على قصر الرئاسة".

 وبخصوص تعامل الرئيس تبون مع حرّية الإعلام، أوضح عتبي في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّه لا توجد أيّة مؤشرات توحي بأن الإعلام قد يتعافى ويسترد حريته التي كان عليها مع بداية التسعينيات. مستدلًا أنه كان بوسع الإعلام أن يتحرّر أكثر لو اصطف إلى صالح الحراك الشعبي واستغل تلك الهبّة الشعبية، "لكن للأسف فوّت لحظة تاريخية فارقة ليحرّر يديه من أغلال السلطة".

تعديلات في قطاع الاعلام

 وعلى النقيض من ذلك، وبكثير من التفاؤل، يرى الكاتب والمحلّل السياسي أمين بلعمري في حديث إلى "الترا جزائر"، أن الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون أثناء أدائه اليمين الدستورية، جدّد الالتزام بوعوده الواردة في برنامجه الرئاسي، بصفته رئيسًا للجمهورية وليس مجرّد مترشّح للرئاسة، على حدّ قوله.

وشدّد المتحدّث، أن الرئيس عبد المجيد تبون سيلتزم بترقية الإعلام الوطني، وتحريره من كل القيود والضغوط، ما عدا تلك التي تتعلّق بتجاوز قوانين البلاد المنظمة لمهنة الصحافة. يضيف المتحدّث.

وفي تقدير بلعمري، فإنّنا "سنشهد خلال العهدة الرئاسية الأولى لتبون، تفعيلًا لسلطات ضبط الصحافة، خاصّة ضبط المجال السمعي البصري، وتفعيل سلطتي ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية اللتين تأخّرتا كثيرًا".

وأفاد المحلل السياسي، أن قطاع الإعلام سيشهد ورشة إصلاح وتنظيم مستقبلًا، مضيفًا أن الإعلام سيكون محور إعادة النظر من ناحية القوانين، ومن ناحية الممارسة، مذكّرًا أنّنا "سنتوجه إلى إعلام أكثر احترافية تضبطه التشريعات والقوانين. لهذا قد لا يسمح مستقبلًا لأيّة وسيلة إعلامية بأن تتحوّل إلى منبر للشتم أو القدح أو القذف، تحت طائلة القانون".

الجزائر في مرتبة 141

 في السياق ذاته، وبحسب منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها لعام 2019، احتلّت الجزائر المرتبة 141 في تصنيف حرّية التعبير، مسّجلة تراجعًا بخمس نقاط.

 وقد شكّلت الجمعة الـ 44 الأخيرة، أوّل امتحانٍ أمام الرئيس الجزائري الجديد، لتلقي تصوّرًا ولو جزئيًا، عن كيفية تعامل الإعلامي العمومي والخاص مع مسيرات الحراك الشعبي، وما مقدار انفتاح الفضاء الإعلامي على شخصيات من المعارضة والحراك الوطني، لتدعيم عملية التحوّل الديمقراطي.

يترقّب فاعلون في قطاع الإعلام، خطوات عملية في تجسيد الوعود الانتخابية، تُفضي إلى تحسين أوضاع الصحافيين، وبينما كان ينتظر الكثير إنهاء حملة الاعتقالات والملاحقات الأمنية والقضائية، حيث أثار توقيف الفنان عبد القادر جريو، مخاوف العديد من الوجوه الاعلامية والفنيّة على مستقبل الحرّيات، وتزايد عمليات القمع والحصار.

الأيّام القادمة ستثبت ما إذا كانت وعود عبد المجيد تبون قد تستفيد من أخطاء النظام السابق

مع استمرار الحراك الشعبي، يبقى مستقبل حرّية الصحافة في الجزائر غامضًا، إلا أن الأيّام القادمة ستثبت ما إذا كانت وعود عبد المجيد تبون قد تستفيد من أخطاء النظام السابق، وتسمح بصحافة حرّة تعددية تلتزم بمعايير المهنية والموضوعية، أم أنها ستنزلق إلى دوامة الماضي وتستمرّ في قمع الصحافة أو توجيهها لخدمة مصالح النخب الحاكمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عودة الإعلام إلى ضلاله القديم

مخاوف من الإعلام الإلكتروني في الجزائر