عاد موضوع حملة الشهادات العليا في الجزائر إلى الواجهة مجددًا، خاصّة بعدد وعود وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري بتفكيك هذا "الملف الموقوت" لأكثر من أربعة آلاف حامل لشهادة الدكتوراه في الجزائر، المتخرجون قبل أربع سنوات من الآن دون منصب عمل.
يرفض حاملو شهادات الدكتوراه والماجيستير المعطلون عن العمل إدماجهم في قطاعات أخرى غير البحث العلمي
أمام شُحّ المناصب العليا وخاصّة في الجامعات، ولجوء الوزارة إلى التوظيف المؤقّت لسنوات طويلة لحملة شهادة الدكتوراه، بنظام الساعات فقط، وهو النظام الذي أصبح ضمن أجندة مسابقات التوظيف،وأحد شروطها، في مقابل ذلك، يخوض الدكاترة معركة الاحتجاج عن هذه الطريقة فيما يسميه البعض بـ"استِغلال وظيفي" لآلاف الدكاترة في مقابل وجود آلاف المناصب الشاغرة ونقص التأطير البيداغوجي بالجامعات الجزائرية.
في هذا السياق، شهدت وزارة التعليم العالي عدة اعتصامات أمام مقرها بالعاصمة، حيق رفع منظموها مطالب بالتوظيف المباشر لحملة شاهدة الدكتوراه والماجيستير، إضافة إلى لجوئهم إلى اعتصامات دورية أمام أبواب الجامعات الكبرى في الجزائر والأقطاب الجامعية.
قبل أن يباشر الوزير الحالي لقيادة مهمته على رأس وزارة التعليم العالي، كان سابقه عبد الباقي بن زيان، قد درس ملف الدكاترة بشيء من الحذر، خصوصًا أمام التشعبات الموجودة في الجامعات، والصراع بين الحصول على مناصب مالية بالتنسيق مع الوظيف العمومي واستفادة المتحصلين على الدكتوراه من وظائف قارة وبين الإبقاء على المشكلة تراوح مكانها إلى غاية إنهاء ملف إحالة العشرات من الأساتذة على التقاعد خاصة منهم من تجاوز العقد السابع من العمر.
خاض الدكاترة البطالون عدة وقفات احتجاجية أمام الوزارة، ومراسلة الوزارة والحكومة لإيجاد حل لهم، لكن المشكلة ظلت كما هي، إذا اعتبر الدكتور عبد الغني همال المتحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ منذ سنة 2015، وجود مفارقة في التوظيف فمن جهة يصعب توظيف الدكاترة كما هو منصوص عليه في القانون مباشرة بعد حصولهم على الشهادة، ومن جهة فتح المناصب للدراسة في طور الدكتوراه، مع العلم أن الوزارة بذلك وكأنها:" تضع الحطب على النار".
وطرح الدكتور همال في حديثه لـ"الترا جزائر" سؤالًا: "كيف للحكومة أن تتعاطى مع هذا الملف في حين تحضّر الجامعات لمسابقات لاستقبال تكوين المئات من الدكاترة؟ ألا يعني ذلك بهذا المنطق الحالي أنها تحضر في بطالين جدد؟.
من جهة أخرى، يرى بعض الأكاديمين المعطلين عن العمل، أن سبب تقاعس وزارة التعليم العالي في فتح مناصب بيداغوجية للأساتذة، راجع للأساتذة المؤقتون أنفسهم، حيث يشغلون مناصب التدريس لسنوات بنظام الساعات، وهي طريقة سدت ثغرة العجز الحقيقي الموجود في الجامعات وقلل من ميزانية المناصب المفتوحة كل سنة.
طريق المفاوضات ..
دعت تنسيقية اتحاد حاملي شهادات الدكتوراه المعطلين عن العمل، إلى خوض مشوار جديد من الوقفات الاحتجاجية كل يوم إثنين وخميس أمام الوزارة، إذ شدد الدكتور وليد بامون الحاصل على الدكتوراه منذ سنة 2016 من جامعة باب الزوار بالعاصمة الجزائرية على أن نداءاتهم لم تكن لها آذان صاغية خصوصا في الفترة السابقة، معبرا عن أمل العشرات من الدكاترة عن استجابة الوزير كمال بداري لمطالبهم وتوظيفهم توظيفا مباشرا دون خوض المسابقات الوطنية، التي تفتح مناصب شحيحة، حدّ تعبيره.
وذكر الدكتور بامون لـ" الترا جزائر" أن الحلول الترقيعية التي اتخذتها السلطات الجزائرية فيما تعلق بتوظيف حملة الشهادات العليا في مناصب مؤقتة، بأجور زهيدة تعتبر "مأساة حقيقية"، متسائلًا عن جدوى قيام السلطات بتخصيص منحة للبطالين، وتتجاهل حملة الشهادات العليا وخاصة الدكاترة. على حد قوله.
واعتبرت التنسيقية أن التوظيف المباشر، بعد الحصول على الدكتوراه حق كل حامل للشهادة مثلما ينص عليه القانون، داعية في نداءات موزعة عبر مختلف جامعات الوطن إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام الجامعات والمعاهد الوطنية، في إطار حملة احتجاجية تدعو إلى الالتفات إلى حقهم المهضوم.
وجاء في بيان التنسيقية: "سنواصل النضال بالدفاع عن كرامتنا وحقنا في التوظيف المباشر عبر وقفة احتجاجية كبرى في السادس شباط/فيفري المقبل الهدف منها ما مدى تحقيق مطلبنا وهو التوظيف المباشر ".
وفي هذا السياق، حاول العشرات من الدكاترة وحملة الماجستير الاحتجاج أمام وزارة التعليم العالي ببن عكنون بأعالي العاصمة الجزائرية، غير أن الأمن منعهم من التجمهر، فيما استقبل الوزير وفد من المحتجين، وتعهد بأن يرفع انشغالاتهم إلى السلطات العليا ومنها إلى الرئيس عبد المجيد تبون.
واعتبرف وزير التعليم، بحق الدكاترة في التوظيف المباشر، من خلال ما كشفت عنه التنسيقية من فحوى الاجتماع الذي قاده وفد من الدكاترة مع الوزير، القاضي بإيجاد حلول استعجالية لامتصاص الكوادر البطالة في قطاعات مختلفة، وأعلن المعنيون بأنه علاوة على وعود الوزير برفع انشغالاتهم للرئاسة، فإنه "عرض في الوقت نفسه بعض الحلول والمقترحات التي تتم دارستها، كالتعاقد وتوفير مناصب مالية أستاذ مساعد لامتصاص أكبر عدد من حاملي الماجستير والدكتوراه".
وفي إطار حل هذه المشكلة، بادرت وزارة التعليم بخطوة إيجابية في نظر المحتجين، إذ أطلقت السلطات الجزائرية منصة إلكترونية لإحصاء حاملي شهادة الدكتوراه والماجستير، وكل جامعة ومتطلباتها من الموظفين الأساتذة، في محاولة نظر الحكومة في سبل توظيفهم وتوزيعهم على الجامعات، وإحصاء احتياجات كل مؤسسة جامعية ومكامن العجز فيها، وهي خطوة أخرى تستهدف تمكين الوزارة من توظيف مباشر للجامعيين والكوادر البطالة.
كشفت أرقام تنسيقية الدكاترة البطالين في الجزائر، عن وجود فائض في العجز في المناصب الأستاذية في مختلف المؤسسات الجامعية التي تضم 111 جامعة وشبكة البحث العلمي عبر مراكز ومخابر البحث، وقدرت عددها 18 ألف أستاذ، وهو ما يمكنه تغطية العجز وتوظيف الدكاترة بشكل مريح، وإنهاء المعضلة.
الرئيس تبون سبق له وأن وضع حدًّا لمشكلة التوظيف المؤقّت في مختلف المدارس والثانويات
وبخصوص الرئاسة، يتوسّم البطالون الردّ الإيجابي من الرئيس تبون بعدما سبق له وأن وضع حدًّا لمشكلة التوظيف المؤقّت في مختلف المدارس والثانويات على المستوى التعليم الأساسي، واستفاد منها 62 ألف أستاذ مؤقت، وهي في نظر الدكتورة خير بلبطي المتخصّصة في علم النفس بصيص أمل للحاصلين على شهادة الدكتوراه والماجستير الكلاسيكي في التوظيف وإحداث القطيعة مع أزمة البطالة في الجزائر.