08-مايو-2020

اللاعب الجزائري حكيم أرزقي (فيسبوك/الترا جزائر)

في شهر نيسان/أفريل من عام 2001، خرج حكيم رفقة أقرانه الطلبة،  للمشاركة في المظاهرات اليومية التي كانت تشهدها مدينة تيزي وزو شرق العاصمة، ففي ربيع ذلك العام تحوّلت شوارع المدينة إلى ساحة للمشادات والطرق المقطوعة بالمتاريس والنار. كان صيحات الشاب حكيم متناغمة مع حناجر الآلاف الذين نادوا بفتح تحقيق معمّق، بعد وفاة الشاب ڨرماح ماسينيسا داخل ثكنة للدرك الوطني ببني دوالة، في يوم الثامن عشر نيسان/أبريل من السنة نفسها، وبينما كان حكيم يُحاول دخول شارع فرعي، هربًا من القنابل المسيلة للدموع، التي كانت تطلقها قوات الدرك لفضّ المظاهرات، أصابته طلقتان ناريتان، إحداهما في كاحله، فيما استقرت الثانية في رأسه، فقد حكيم الوعي ليستفيق في سواد عاتم، لقد فقد الشاب بصره وهو في ربيع العمر.

اختير حكيم أرزقي، كي يكون سفيرًا لقيم الرياضات شبه الأولمبية

بين الجنة والنار

سارع المتظاهرون ليحملوا حكيم على أكتافهم ونقله في سيارة إسعاف لمستشفى مدينة تيزي وزو، هناك وقف والد حكيم أرزقي، الذي وصل على جناح السرعة من فرنسا، على حقيقة أنّ هناك أوامر من السلطة بعدم التكفل بجرحى أحداث الربيع الأسود، لازال والده يؤكّد أن إبنه كان ضحية قمع أولًا وإهمال ثانيًا، هنا كان في جعبة الوالد حلٌّ واحد وهو يرى فلذه كبده يبدو كجثة هامدة، السفر به للعلاج في فرنسا.

اقرأ/ي أيضًا: أوشن عبد الرؤوف.. مسيرة الألف ميل بدأت بقدم واحدة!

يروي الوالد تلك الرحلة، التي لم تكن أبدًا مجرد ساعتين في السماء، "كان حكيم لا يستطيع الجلوس على المقعد، ويعاني من ارتفاع في الضغط، كنت أعلم يقينًا أن ولدي كان يملك رغبة واحدة حينها، الموت".

 في مطار باريس كلّ شيء كان جاهزًا كي يتم نقل حكيم على الفور إلى المستشفى حيث يمكنه أخيرًا الاستلقاء على سرير مريح، لم يكن حكيم ينتظر أن يلاقي مصيرًا مماثلًا، وأن يزور فرنسا فاقدًا للوعي والبصر، الرابط الوحيد الذي قد يعيده إلى الحياة هو والده. في مستشفى باريسي مكث حكيم لمدة ثلاثة أشهر، مقطوع عن كل اتصال، غارقًا في الظلام، يقول حكيم عن تلك التجربة "كنت أشعر أنني ميت، كما لو كنت أتجوّل في عالم آخر، في طريقي إلى الجنة".

واقع الظلام

بعد ستة أشهر في فرنسا، بدأت حالة حكيم تتحسن تدريجيًا، لكنه أصبح يدرك أنه لن يعود أبدًا كما كان. دخل معهدًا في باريس للمكفوفين لمواصلة دراسته، وللاندماج في المجتمع الفرنسي. لكن حكيم كان يملك حلمًا واحدًا وهو العودة إلى قريته في تيزي وز، قرر حكيم أخيرًا العودة إلى الجزائر، واللقاء بالعائلة مرّة أخرى، لكن  في الوقت نفسه، كانت العودة أمرًا قاسيًا جدًا، لأنه اكتشف لأوّل مرّة الأماكن التي أحبها في الظلام. هنا أقنعه والده بأنه لن يعيش حياة سهلة في بلاده، ليقرر حكيم العودة لفرنسا وفي فؤاده حرقة لن تخمد مدى الحياة.

التداوي بكرة القدم 

حين غادر حكيم أرزقي الجزائر كان يبلغ من العمر 18 سنة، عاش فيها طفولته وتدّرج في مدارسها حتى وصل إلى المرحلة الثانوية، كان كجميع أقرانه يملك هواية واحدة بعد ساعات الدراسة، لعب كرة القدم في الساحات، لقد كان يمتلك موهبة في لعب الكرة، تلك الموهبة كانت تُخفي له موعدًا مع القدر.

كان المركز الذي يدرس فيه حكيم، يحرص على أن يتمكن فاقدو البصر من أن يعيشوا كافة تفاصيل الحياة، ولمحاسن الصدف، أن ذلك المركز كان يملك نمطا خاصًا وهو التداوي بالرياضة، هنالك تم اكتشاف موهبة حكيم، وربطه بفريق لكرة القدم للمكفوفين وفاقدي البصر، رياضة شبه أولمبية، حيث يتبارى فريقان مكونان من خمسة لاعبين، ويدرك اللاعبون مكان تواجد الكرة من خلال الرنين الذي يصدره جرس داخل الكرة، ويخوض اللاعبون غمار المباراة معصوبي الأعين، لضمان مساواة كاملة في حال ماكان أحد اللاعبين يعاني فقط من ضعف البصر.

حياة جديدة

كان الشعور بالإحباط يلازم حكيم في البداية، لقد تغيّر كل شيء في حياته، حتّى مشاعره تغيرت، لكنه في الوقت نفسه سعيد لاستعادة الاتصال بالكرة. في الميدان، لم يعد هناك عكازة تلازمه، ليس هنالك أي جدران، بدأ الشعور بالحرّية يتسرب لنفس حكيم، كان ذلك متنفسًا جديدًا له بعد أن كان أنيسته الوحيدة القيثارة التي أهداها إياه والده. 

بعد أن تم رصد موهبة حكيم، بدأ في اللعب مع عدة أندية فرنسية، وهو ينشط الأن في فريق بريسيه سور واز، لقد وجد عائلة جديدة، وبدأ ينسج علاقات صداقة تنسيه وحشة الظلام الذي يسكنه.

اختير حكيم أرزقي، كي يكون سفيرًا لقيم الرياضات شبه الأولمبية، حيث يتشارك رفقة لاعبي باريس سان جيرمان مبابي، ورابيو لاعب جوفنتوس، حملة لتمكين هذه الرياضات في المدارس والشركات.

بعد أن كسب حكيم أرزقي شهرة في فرنسا، تمّ ضمّه للمنتخب الفرنسي، بل وأصبح ركيزة أساسية في منتخب الديوك، ونال معه كأس أوروبا عام 2009، وأتي وصيفًا للبطولة نفسها عام 2013، وخاض نهائي كرة القدم في الألعاب شبه الأولمبية عام 2012. 

لقد صنع إبن مدينة تيزي وزو، تحديًا إنسانيًا من نوع خاص، كافح الظلام ووصل لأعلى المراتب

لقد صنع إبن مدينة تيزي وزو، تحديًا إنسانيًا من نوع خاص، كافح الظلام ووصل لأعلى المراتب، لكنه لم ينس أبدًا الوطن الذي تركه مرغمًا، فالجزائر تظلّ سؤالًا يرافق حكيم في كل خرجاته، كان يوزّع جوابًا واحدًا في كل مرّة " لقد منحتني الجزائر الحياة لأوّل مرّة، ثم أعادتني فرنسا إلى تلك الحياة التي كدت أفقدها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 

مهرجان "احكي فن".. حراك ثقافي يُشبه الثورة

"أنزار" عند الأمازيغ.. قصّة الحب التي جفّت بسببها السماء