تقول الأسطورة، إنّه حين صعد أنزار إلى السماء مكسور القلب، بعد أن رفضت فتاة طلبه للزواج منها، كان يُرسل في كل فترة طائر السنونو الأسود، ليستبشر الناس بنزول المطر، وحتّى لا يصيبهم اليأس.
تقول الأسطور إن أنزار حبس الماء عن قبيلة الفتاة التي رفضته للزواج فأصابهم الجفاف والقحط
ولأنّ الأمازيغ كانوا يعرفون أن هذا الطائر مبعوث من عند الإله أنزار، كانوا يمسكونه ويخضبون رأسه بالحنّاء، علّ الإله يتجاوز عن خطيئة ابنتهم، ويصفح عنها ولا يأخذهم بذنبها.
تلك الأسطورة أصبحت إرثًا تتناقله الأجيال، حيث تحرص بعض القرى الأمازيغية، على إحياء هذه العادة القديمة حين يحلّ الجفاف، ويقلّ المطر في عز الشتاء، فتشكّل النسوة صفًا، يسرن وهن ينشدن "أنزار، أنزار..أربي سويتسيد أر أزار"، بمعنى "يا أنزار، أسق الأرض إلى جذورها يا ربّ".
قصّة حب أسطورية؟
تحكي الأسطورة، أن إله المطر أنزار، لمح شابّة على ضفاف نهر، إذ كانت عاشقة للمياه، وأحبها حبًّا جنونيًا وحينها تنازل عن كبريائه، وصارح أنزار الفتاة بحبّه لها لكنها رفضته بأدب، واعتبرت مواعدتها لأنزار خيانة لأهلها وقبيلتها.
وبعد أن رفضت طلبه، أصبح أنزار يعيش في حال يتراوح بين الحزن والغضب، فحبس الماء عن قبيلتها فأصابهم الجفاف، فما كان منها إلا أنها تضرّعت لأنزار بالعودة وقبلت أن تكون زوجة له من أجل قبيلتها.
تقول الأسطورة، إن أنزار تزوّج الفتاة وأصبحت "ثسليت ن أنزار"، أي عروس أنزار، وحملها بين ذراعيه ورجعا إلى السماء، وجعلت حياته ملونة بألوان السعادة والخير، تلك الألوان التي تسمّى قوس قزح، حسب الأسطورة الأمازيغية، هي نتاج زواج أنزار بثسليت، وما قوس قزح إلّا ظلّ للطريق التي عرجّا بها نحو السماء.
يسمّى قوس قزح في بعض المناطق الأمازيغية إلى يومنا هذا "ثسليت ن أنزار"، لذا فإنّ الأمازيغ يتبرّكون بأنزار حيث يطوفون، وهم يردّدون أهازيج تمجد عروسته من أجل طلب عطفه ليسقي الأرض بمائه، ولازالت لحدّ الآن تقام هذه العادة عند الجفاف، فتطوف نساء القرية والأطفال الصغار، ويردّدون أهازيج تمجد أنزار، حاملين معهم ملعقة بلباس تقليدي بحيث تشبه "ثسليث ن أنزار".
طقوس طلب الغيث
حين ينتصف فصل الشتاء، أو توشك أيامه على النهاية ولم تُمطر وعمّ الجفاف في المدن والقرى، ولم يجد القرويون الماء لماشيتهم أو يسقون به محاصيلهم وبساتينهم، يتفق أعيان القرية على اللقاء في مكان معلوم من أجل إقامة عادة "أنزار" وطلب الماء من السماء ليسقى الأرض والقلوب.
تختار كل عائلة متطوّعة من النساء، ليجبن القرية ويطرقن في أبواب المنازل، من أجل طلب القمح والزيت والخضر أو المال، من أجل تحضير الطعام للقادمين لإحياء العادة، وفي بعض الأحيان تتطوّع عائلة ميسورة الحال كي تحضّر الغداء أو العشاء، ليكرموا به القادمين لطلب الغيث.
بعد أن تجمع النسوة ما استطعن، يُكمل الرجال ما تبقى من هذه الطقوس، بحيث يشترون ما تراه النسوة ناقصًا لتحضير الوليمة.
في اليوم الموعود يلتقي جميع سكان القرية، بحيث تجلس النساء في جهة والرجال في جهة أخرى. تحضّر النساء الطعام وتقدّمنه، بينما تأخذ مجموعة أخرى في الغناء والإنشاد وتحضير الحنّاء. هنا، يتجاوز المشهد طلب الغيث ليصبح فضاء للدعاء بالسلامة لأهل القرية وبالرفاه لسكّانها، فيما تغرق المسنّات من نساء القرية في الدعاء بالزواج والبنين للفتيات، في جوٍّ عائليٍّ مميّز.
من جهتهم، يتّخذ الرجال مجلسًا لهم، وبعد الفراغ من الأكل يقومون بجمع تبرّعات للفقراء والمحتاجين من سكان القرية وأهلها، كما يحرص أعيان القرى، على إلقاء كلمات تدعو للوحدة ولمّ الشمل، فبحسبهم فإن سواد القلوب هو من عطّل المطر، لينتهي المجلس برفع الأيدي والدعاء لله، بأن يرزق الأرض غيثًا يشفي ظمأها ويُنقذ بساتين الفلاحين.
وجة نظر الدين
تجمع العديد من الدراسات، أنّ أنزار هو إله الماء في الميثولوجيا الأمازيغية القديمة، التي يرتبط كلّ موروثها بالأرض والزراعة، لكن في السنوات الأخيرة باتت هذه العادة تلاحقها القراءات الدينية، وتنتشر الفتاوى الدينية التي تحرّمها وتعتبرها شركًا بالله والتبرك بغيره لطلب الغيث.
الحاج أحسن لـ الترا جزائر": نحافظ على خصوصيات ثقافتنا وموروثناولا نرى في ذلك أيّ تعارض
هنا، يقول الحاج أحسن، أحد أعيان عرش أث عقيل في البويرة، إنّ هذه العادة القديمة أصبحت جزءًا من هوية الأمازيغ، التي لا يُرى فيها أيّة وثنية أو شركًا بالله، مضيفًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّه "في السنوات الأخيرة أصبح، إمام القرية يحضر معنا تظاهرة أنزار، ففي نهاية اليوم نرفع أيدينا متضرّعين لله طالبن الرأف والرحمة والغيث، نحن نطلب الواحد الأحد، لكن نحافظ على خصوصيات ثقافتنا وموروثنا، ولا نرى في ذلك أيّ تعارض".