10-أغسطس-2022
تتشابه طقوس عاشوراء في بلدان المغرب العربي (فيسبوك/الترا جزائر)

تتشابه طقوس عاشوراء في بلدان المغرب العربي (فيسبوك/الترا جزائر)

تتمسّك العائلات الجزائرية بالاحتفال بيوم عاشوراء في الجزائر كعادة وإرث تناقلته الأجيال، فيما يتنوّع من حيث المحتوى والطّقوس أيضًا، وتتلخص عادة في لمّ شمل العائلة حول طبق تقليدي وتقديم الحلويات لإحياء الاحتفالات رغم الغلاء الذي مسَّ مختلف مكوناتها، خاصة وأن اكثيرين يعتبرون اليوم العاشر من محرّم حسب التقويم الهجري، رمزًا من رموز التلاحم بين إفراد المجتمع الواحد. 

يجوب الأطفال الشوارع في يوم عاشوراء ويطرقون الأبواب وتجود عليهم الأمهات بحفنات من الحلويات واللوز والجوز

تعودت العائلات الجزائرية على الاحتفال بعاشوراء، إذ تحتفظ عائلات منطقة عين أزال بولاية سطيف بعادات العشور، فإضافة إلى " الزكاة التي تعتبر فرض على كلّ ما توجب عليه" فإن طقوس الاحتفال تتمّ عبر وليمة " العاشوراء"، سواءً عن طريق طهي أطباق تقليدية خاصة " التريدة" والسفج" و"الشّخشوخة "و"الكسكسي" وهي أطباق تشترك في تحضيرها النساء من حيث إحياء عادة العام، كما تقرِّب أفراد العائلة الواحدة في لمَّة عشاء العاشوراء.

لمّة العشاء 

في هذا الإطار، يكون الطبق الرئيسي في عشاء عاشوراء حسب سكينة لواتي (38 سنة) من منطقة سطيف شرق الجزائر، عبارة عن أكلة تقليدية قوامها "الثريد" أو " الكسرة الرّقيقة التي يتمّ طهيها بعد خلط دقيق القمح مع الملح والماء والزيت ثم يتم تقطيعها قطعًا صغيرة إذ يتم تفتيتها وطهيها مرة أخرى ثم تزيينها بمرق اللحم والخضر والحمص، فضلا عن مختلف أنواع السلطة من مقبلات وفلفل حار مشوي.

وأضاف لـ" الترا جزائر" أن العشاء هو جزء من الاحتفالية، فيما تقسم القشقشة على كل أفراد العائلة الواحدة، بنية " تزكية الخير المتوفر"، لافتة إلى أنه رغم غلاء أسعار مكوناتها من لوز وجوز وحلوى فإن البعض يقومون بشراء ما تيّسر لهم، فيما يعتني الكثيرون بتزويد الفقراء والمساكين بعشاء عاشوراء، أو ما يطلق عليه  "عادة الطعم".

وتتعلق هذه العادة بطهي كميات كبيرة من الكسكسي باللحم وتوزيعها على الفقراء والمساكين ووضع أواني كبيرة منه أمام مداخل المساجد حتى يأكل منها المصلون، ويعتقد البعض أن "عادات عاشوراء في الجزائر، تتنوع كثيرا، فهناك من يتبادلون الأكلات التقليدية فيما بين الجيران في الحيّ الواحد، حتى تؤلف فيما بينهم وتعمّ التضامن والتكافل فيها بينهم".

العريس الصغير وكبير الحيّ

في المدينة الصغيرة سيد مروان بولاية ميلة شرق الجزائر، لازال الأطفال ينتظرون عاشوراء لأنها ارتبطت بطقس يسمّى " النّفقة" كما يطلق عليها البعض لارتباطها بنفقات العام، أو إخراج زكاة العامّ، كما قالت السيدة يمينة بلكربي لـ"الترا جزائر"، معتبرة الاحتفال به عنوانًا "لإخراج الحِمل الثّقيل من أموال وممتلكات الأغنياء كما يؤسّسه الشرع الإسلامي واستفادة الفقراء".

تعتبر السيدة بلكربي (67 سنة) عادات "النفقة" هي إخراج زكاة كل ما مرّ عليه سنة من مال وممتلكات من ذهب، أي أنها إنفاق وتزكية للمال، وفرصة لإسعاد الفقراء والمساكين والمديونين أيضًا.

في المقابل من ذلك، تحتفل الأسر بـعاشوراء عن طريق طقوس أخرى، كثيرًا ما تستوقف الكثيرين من أهمها ما يسمى بـ" القشقشة" إذ تعكف العائلات على شراء ما تيسر لها من مختلف المكسرات من جوز ولوز وفول سوداني والحلوى والتمر والتين المجفّف وخلطها جميعًا مع بعض ليتمّ توزيعها على الأطفال الصغار.

وتعتبر" القشقشة" عند الجزائريين طقسًا آخر للاحتفال باليوم العاشر من محرم، فتارة هي ما يزين مائدة السهرة من شاي وقهوة، وتارة هي ما يوزع على أطفال الحي في عادة "العشور" .

يصدح الأطفال عقب عشاء عاشوراء بأهازيج شعبية: "يا متين يا العْروس أعطينا حبّة كرْطوس (التين المجفّف) "، " يا ريناد يا القمر أعطينا حبة تْمر"، هي أهازيج بأصوات أطفال صِغار ينادي فيها أطفال الحي الواحد، إذ يتجمعون أمام كل بيت من بيوت الحي وينادون على أصغر طفل وطفلة في ذلك البيت، لتقوم ربة البيت برمي الكثير من " القشقشة" عنوانا للفرحة والسخاء على البراءة الصغار.

يفرح الأطفال كثيرًا بمهذه المناسبة، وكثير منا من عاش هذه الفترة بالذات، يقول وليد (35 سنة) لـ "الترا جزائر"، لافتًا إلى أن فرحة الأطفال وضحكاتهم وهم يتلقون اللوز والجوز والحلوى لا تقدر بثمن، بل عاد به الزمن عندما كان صغيرًا وكان والده رحمه الله يشتري لهم " القشقشة" التي يتفاخرون بها أثناء توزيعها من طرف والدته على أصدقائه في الحي الذي يسكنه.

في ولايات عديدة، تعتبر " عادة القشقشة" رمزًا من رموز الاحتفال بعاشوراء، بل المثير فيها أن الأطفال الصغار يجوبون الشوارع والأحياء والزنقات لأجل الظفر بالحلويات، وكثير منهم يجمع ما يسعده، إذ تجود الأمهات عليهم بحفنات من الحلويات واللوز والجوز، ومنهن من تعطي لهم حلويات تقليدية، خاصة منها المرتبطة بعجينة التمر تعبيرًا على التفاؤل كـ" الرفيس" و" الطمينة" وغيرهما.

العْشور: حقوق وواجبات

يحرِص البعض على صوم يوم عاشوراء وإخراج الزكاة وإسعاد الفقراء، إذ يعتقد عبد الكريم بودالي (43 سنة) أن هذه الاحتفالية، تحمل العديد من الرمزية خاصة إن تعلقت بآداء بعض حقوق الناس فيما بينهم، كتسديد ديون من الزكاة وإفراج هم وكرب وغيرها من الحقوق التي شرعها الإسلام، فضلًا عن اعتبارها فرصة لإعادة التكافل بين أفراد المجتمع الواحد وتضامنهم وإدخال البهجة على قلوب المحتاجين.

لاتزال العائلات في عدد من المدن الجزائرية تعتبر يوم عاشوراء يوم عيد ديني يفرض إحياؤه وتقديم التهاني فيما بينهم، ففي بعض المناطق هناك عادة "شايب عاشوراء" وهي تعني حسب نسيمة صالحي من منطقة " الشلف" غرب الجزائر بأنه في كلّ عام يتمّ اختيار أحد الأطفال ليرتدي لباسًا تقليديًا ويغطي رأسه ويحمل عصا في يده، ثم يقوم بدق الباب على بيوت الحيّ طلبًا للحلويات، ولن ترد يده فارغة خائبة بل تمده النساء بالحلويات وبأطباق شهية".

تفتح المساجد في يوم عاشوراء أبوابها لتمكين الناس من وضع  "العْشور" أو زكاة الأموال لكل من حقّ عليه الأمر

رغم اختِلاف العادات والتقاليد، إلا أن عاشوراء بات يوم للاحتفال تُحافظ عليه العائلات الجزائرية، من ناحية تعزيز أواصر المحبّة بين أفراد المجتمع وتجديد عهد التّكافل فيما بينهم سواء عن طريق زيارة الفقراء وتمكنيهم من نصيبهم من الفرحة، فضلًا عن فتح أبواب المساجد طوال اليوم في مختلف المدن والقرى لتمكين النّاس من وضع " العْشور" أي زكاة أموالهم بعد أن مر عليها الحول، وتوزيعها على الفقراء وتسهيل زواج الشباب ودفع ديون المحتاجين.