تشترك العائلات الجزائرية خلال الاحتفال بعيد الفطر بتحضير مجموعة من الحلويات التقليدية التي تزين بها مائدة الاحتفاء بهذه المناسبة الدينية طيلة أيام، حيث تقدم للضيوف وتهدى للأقارب والأحباب.
تلجأ عائلات جزائرية كثيرة إلى اقتناء الحلويات التقليدية في السنوات الأخيرة خلال المناسبات
تتنوّع الحلويات التقليدية الجزائرية وتختلف في التحضير وإن توافقت التسميات أحيانًا، بين ما هو تقليدي يعود لقرون من الزمن وما هو عصري استجاب لمختلف التغييرات الاجتماعية والإمكانيات المادية.
كغيرها من الأساليب الحياتية والنشاطات الاجتماعية والعادات والتّقاليد تُسافِر صناعة الحلويات عبر التاريخ والجغرافيا، من زمن لآخر، ومن منطقة لأخرى، سافرت الحلويات من منطِقة لأخرى، كغيرها من العلوم والعادات والتقاليد وأضحت جزء مهمّ من نسيجيها الثّقافي، تتّفق مع العديد من المجتمعات فيما تختلف في بعض النكهات والأوصاف والأسماء.
الذّوق واللّون
يقال إن الأذواق والألوان لا تناقش، لكن في المقابل هناك ثقافة موجودة في موائد الجزائريين، تاريخ سحيق تركته أنامل النساء والرجال أيضا في مطبخ متنوع، تزينه الحلويات إذ تربعت " البقلاوة" على عرش الحلويات التقليدية، حيث تعتبر أشهر صنف من أصناف الحلويات التقليدية في الجزائر سافرت إلى البلاد منذ أزيد من أربعة قرون أي منذ فترة الحكم العثماني.
تتميز البقلاوة بقيمة عالية وغالية على قلوب الجزائريين، رغم أنها تعتبر من الحلويات المتطلبة التكاليف أثناء الإنجاز، حدّ تعبير سعاد بن سليمان من منطقة " زارزة" بولاية ميلة شرق الجزائر موضحة أنها تصنع بمكونات دقيقة في التشكيل، أهمها السميد والزبدة والملح ووضع ماء الزّهر وهو الماء الذي يتم تقطيره تقليديا يعطي لها طعم مختلف جدا عن كل المذاقات.
هذه العجينة حسب السيدة بن سليمان هي ما تشكل به الطبقات التي تفرد على إناء من الألمنيوم تتعدى الخمسة طبقات وكل حسب مقدرته، لتحضر عجينة أخرى أو ما يسمّى بــــ" حشوة" البقلاوة، وهي تتكوّن من الجوز واللّوز والسكر والعسل، وماء الزهر ليوضع هذا الخليط بين كل طبقة وطبقة أخرى، وتطهى في الفرن.
بعد ساعة من الطهي، يسكب العسل الساخن على المكون في الإناء، حتى تتمكن من تقسيمها في شكل مكعبات بتناسق شديد.
ترافق " البقلاوة" دائما " الصامصة" وهي كما يذكر الباحث في التاريخ الجزائري والاندلسي فوزي سعد الله، إذ قال أنها من تركة العثمانيين، ويتم تجهيزها من خلال عجينة تتألف من اللوز والسكر الأبيض وماء الزهر وقشور البرتقال، وبعد ذلك يتم تقسيمها إلى أجزاء توضع في أوراق مصنوعة بالسميد ليتم بعدها عملية الطي وتشكيلها كمثلثات، يمكن قليها في الزيت وبعد الانتهاء من ذلك يتم وضعها في خلطة من الجلجلان أو اللوز.
لازال " المقرود" أو " المقروط" يتحلّى بشعبية كبيرة وذو صيت عالي في أوساط العائلات الجزائرية، إذ يطلق عليه في الرشق الجزائري " المقرود" وهي مكونات من العجينة ذات أساس السميد والسمن والملح، ويتمّ حشوه بالتمر ويطهى في الفرن، فيما هناك مناطق تطلق عليه " المقرود" ويتم حشوه إما بعجين ة التمر أو عجين من اللوز ويتم قليه في الزيت، وكلا الطريقتان تستندان إلى تزينه بالعسل وتقديمه كذلك بطريقة ممتعة للنظر وشهية المذاق.
مقاومة شرسة
قاومت حلوى " الطّابع" مختلف المنتجات الحلوة في الأعياد والمناسبات، إذ تعدّ من أسهل الحلويات أثناء التحضير، بل تتفنن النساء في إخراجها في أبهى حلة، وتشكيلها بقوالب دائرية وورود وغيرها من الأشكال التي تزين بها مائدة أفراج العيد وبهجته.
مكوناتها تتأسس على الدقيق والسكر والزبدة والنشا وبعض النكهات كإضافات حلوة المذاق، لتصبح العجينة صالحة للتشكل حسب رغبة ربة البيت وتطهى في الفرن هي كذلك، وغالبا ما يتم إلصاق كل حبتين مع بعضهما البعض بالمعجون والقليل من السكر الأبيض أو ذرّات الفول السوداني.
هذا الصنف من الحلوى قاوم الكثير من التحديث على مكونات الحلويات في المطبخ الجزائري، والتجديد التي تحاول عشرات صانعات الحلوى في الجزائر على ترويجه يوميًا في المحلات وعرضها في وسائل التواصل الاجتماعي.
وذكرت السيدة صورية لواعر (49 سنة) لـ" الترا جزائر" أن الحلويات باتت اليوم بين القديم والجديد وفنيات تصنعها الأنامل، مشدّدة على أن حلوى الطابع مثلا رغم بساطتها في التشكيل وفي المذاق والشكل الخارجي إلا أنها تربعت على عرش الحلويات في مناسبات أو غير المناسبات.
وقالت بأنها تحبذ هذا الصنف من الحلويات لأنه يكلف قليلًا مقارنة ببعض الحلويات التي باتت اليوم تغزوا موائد الجزائريين في المناسبات والأفراح.
غرابة الأسماء
هناك حلويات أخذت تسميات غريبة أيضًا منها "المحنَّشة"، إذ تتشكّل عجينتها أولا من أوراق السميد المحضرة مسبقا، مع حشوة اللّوز دون قشرة والشكر وماء الزهر والزبدة وبيضة، وبعد تشكيل هذه المكوّنات يتمّ حشوها في العجينة الخاصة بالسميد في شكل طولي ليتم تشيلها دائري يشبه الأفعى أو الحلزون.
اللافت للنظر أن الحلويات الجزائرية تأثرت بتنوع الثقافات وتناقل المذاقات والتشكيلات من مكان إلى آخر، ونجدها في مجموعة من المجتمعات، ولا تقتصر على بلد واحد.
ورغم بعض الأوصاف الغريبة للحلويات مثل حلوى" الغريبية" و" رزمة العروسة" و"القريوش" و"حلوة الخلخال" و "بسكويت السّابلي" وغيرها، لكنها في الغالب توحي إلى مشهد أو صورة موجودة في الواقع وترمُز إلى معاني كثيرة.
ظهرت في السنوات الأخيرة حلويات ذات شّكل الجديد ومذاق المختلف، باتت تُنافس الأصناف القديمة، إذ ذكرت سعيدة لعريبي لـ"الترا جزائر" أنها حلويات ذات تكاليف مرتفعة ولا ترحم الجيوب على حدّ قولها.
ظهرت في السنوات الأخيرة حلويات ذات شّكل الجديد ومذاق المختلف، باتت تُنافس الأصناف القديمة
وأضافت المتحدثة، أن الكثير من العائلات تفضل أن تصنع حلويات تقليدية في البيوت فيما تلجأ بعض العائلات إلى اقتنائها من المحلات التي ازدهرت في السنوات الأخيرة وباتت تنافس ربات البيوت في عرض منتجاتها.