19-أبريل-2023
حلوى زلابية بوفاريك في الجزائر (الصورة: أ.ف.ب)

حلوى زلابية بوفاريك في الجزائر (الصورة: أ.ف.ب)

لا شكّ في أن الجزائريين من أكثر الشعوب حبًا للمذاق الحلو، وما يؤكد ذلك أن السكر مضاف أساسي في كل المشروبات التي يدمنون عليها من القهوة إلى الشاي إلى العصائر. أما الأطعمة المحلية، فمليئة بالسكر الخفي الذي يكون مستترًا في مختلف أنواع المخبوزات ولا ينتبه له في العادة المستهلكون رغم مخاطره الصحية الكثيرة.

يتضاعف الإقبال على السكريات في رمضان بسبب عادات استهلاكية متأصلة منذ سنوات طويلة

وفي رمضان، يتضاعف الإقبال على السكريات، بسبب عادات استهلاكية متأصلة منذ سنوات طويلة لمواد معينة في هذا الشهر واستشعار الجسم عمومًا الحاجة للطاقة بعد يوم شاق من الصيام، فيكون التعويض بتناول مواد تحوي سكريات بسيطة يكون تأثيرها سريعًا على الدماغ الذي يستشعر نشوة مباشرة بعد تناولها، دون أن يدري المستهلك أنه اختار أسوأ الحلول في الاستجابة لحاجة جسمه.

أكثر الحلويات إقبالًا

وعند دخول أي سوق في الجزائر خلال شهر رمضان، فلا بد للزائر أن ينتبه للكم الهائل من حلويات الزلابية وقلب اللوز والقطايف والتي تعد المواد الأكثر تناولًا في السهرات الرمضانية وأعلاها من حيث السعرات الحرارية بالنظر إلى تركيبتها التي تحوي كميات هائلة من السكر الأبيض أو من الفرينة التي هي عبارة عن سكر أيضًا؛ أما من المشروبات، فيتناول الجزائري عادة عصير "الشربات" الذي يحوي هو الآخر كمية معتبرة من السكر الأبيض ويكون الإقبال عليه شديدًا خاصة في الدقائق الأولى للإفطار.

وعن حجم الإقبال على الحلويات في رمضان، يقول الشاف عماد وهو صانع حلويات في ولاية سطيف شرق الجزائر، إن الطلب يتضاعف بنحو أربع مرات على مختلف الأنواع، ما يضطرنا للعمل ليل نهار من أجل تلبية رغبات الزبائن، وهو ما نلاحظه في كميات المادة الاولية التي نستهلكها من السميد والفرينة والسكر والزيت والزبدة غيرهما من  المواد الضرورية التي نضطر لشرائها قبل رمضان بكميات في إطار ما هو مسموح تضمن لنا استمرار العمل دون إشكال.

في هذا ذكر الشاف عماد في حديثه مع "الترا جزائر"،  إن أكثر الأنواع طلبا هي حلوى الزلابية التي تأتي في المرتبة الاولى ويتم تناولها عادة بعد الإفطار مع القهوة والشاي، يليها مباشرة قلب اللوز الذي يعتبر سيد موائد السهر في المنازل وخارجها.  ويبرز في هذا السياق، أن صانعي الحلويات يتحولون في شهر رمضان لبائعين بالتجزئة والجملة، حيث يقومون غالبا بتزويد الباعة الموسميين لحلوى قلب اللوز والزلابية خاصة في المناطق التي لا يوجد بها مختصون في صناعة هذه الحلويات.

مخاطر حلويات رمضان

وبعيدا عن المنطق التجاري الذي يسكن مصنعي وبائعي هذه الحلويات، ظهر في السنوات الأخيرة مختصون يحاولون نشر الوعي عبر مواقع التواصل حول الأضرار التي تسببها الشراهة لتناول هذه الحلويات، خاصة مع الانتشار اللافت للأمراض المتعلقة بالتغذية غير الصحية في المجتمع الجزائري.

وتقول خديجة بن علال، المختصة في التغذية،  في هذا الشأن، إن استهلاك السكريات بكثرة يشكل خطرًا على الجسم، لأن ارتفاع مستوى السكر في الدم يرفع نسبة الأنسولين مما يؤدي الى ظهور مقاومة الانسولين ثم مرض السكري والذي يعتبر بوابة نحو جميع الامراض، ويتسبب أيضًا في التهابات على مستوى المفاصل والشرايين وبالتالي ظهور أمراض القلب والشرايين ومنها ارتفاع ضغط الدم ويؤدي فيما بعد الى ارتفاع مستويات الكولسترول في الدم  بالإضافة الى  اضعاف المناعة وإتلاف الانسجة.

وأضافت المختصة في حديثها مع "الترا جزائر" أن الحلويات تحتوى أيضًا على الزيوت والدهون المهدرجة النباتية المصنعة غير صحية (المرغرين والسمن) بالإضافة الى طريقة الطهى الاسوء على الاطلاق وهي القلي مثل حلويات المقروط والزلابية والتي تساهم في زيادة الوزن بنسبة كبيرة، وهو ما يظهر بشكل واضح عند نهاية شهر رمضان على المدمنين على الحلويات، ففي وقت يعتقدون أنهم خسروا الوزن بسبب الصيام يفاجؤون بارتفاعه بعدة كيلوغرامات.

وتوضّح المختصة في التغذية، أن قطعة واحدة من حلوى قلب اللوز مثلا تحتوي على 10  ملاعق من السكر الأبيض وبعدد حريرات يفوق 400 حريرة ونفس عدد الحريرات بالنسبة لقطعة بقلاوة أو زلابية، في حين أن وجبة إفطار كاملة تعادل 800 حريرة، في وقت لا يحتاج الجسم كله في اليوم حسب طبيعة الجنس والوزن لأكثر من 2500 حريرة كمعدل.

وتشير بن علال إلى أنها عادة ما تنصح الأشخاص الذين يطلبون رأيها في رمضان، بتقليل استهلاك السكريات والاكتفاء بقطعة واحدة من الحلوى كل اربعة أيام لتجنب الوقوع في فخ الحرمان، وتعويض الحلويات في السهرات الرمضانية بالفواكه والمكسرات بالإضافة الى إعطاء المعدة فرصة راحة لهضم الفطور لتفادي  اضطرابات الجهاز الهضمي مثل الانتفاخ والإمساك وللحفاظ على الفوائد الصحية للصيام. 

التأثير على الأطفال

ويلفت الدكتور الدكتور محمد كواش، الطبيب المختص في الصحة العمومية، إلى تأثير الإدمان على هذه الحلويات على الأطفال تحديدا، وهي زاوية أخرى تبدو مهملة في موضوع الإدمان على السكريات، خاصة أن صغار السن يستأثرون عادة بالنصيب الأكبر من الحلويات ولا يراعون بسبب عدم إدراكهم لمخاطرها عكس الكبار الذين يستطيعون الامتناع.

ويحذر كواش في حديثه مع "الترا جزائر "، من أن خطر تناول السكريات عند الأطفال هو الأكبر لأنها تؤدي الى السمنة والتي تعتبر المؤشر الأول لمرض السكري النوع الأول عند الأطفال، ناهيك عما تسببه تغير مورفولوجية الطفل من تأثير على صحته النفسية حيث يكون عرضة للتنمر من قبل أصدقائه وما ينجر عن ذلك من مشاكل على تحصيله الدراسي.

ولتنجب مخلفات الاستهلاك المفرط، ينصح الطبيب بعدم تعويد الطفل على السكريات وتبني ثقافة استهلاكية متوازنة واستبدال السكريات بالفواكه والمشروبات الغازية بالعصائر الطبيعية، وتلقين الطفل في بداية سنوات وعيه مفاهيم مبسطة عن الغذاء الصحي ومخاطر الأطعمة المليئة بالسكريات والدهون على أجهزة الجسم الحيوية.

مختصة في التغذية:  قطعة واحدة من حلوى قلب اللوز تحتوي على 10  ملاعق من السكر الأبيض وبعدد حريرات يفوق 400 حريرة ونفس عدد الحريرات بالنسبة لقطعة بقلاوة أو زلابية

وعمومًا، يؤكد الطبيب أن أغلب الحلويات التي تزين موائد الجزائريين في رمضان ذات سعرات حرارية عالية جدًا وتحتوي على نسب عالية من السكر الأبيض الذي يمتص ويهضم بسرعة مما يسبب الخمول والكسل في اليوم الموالي، علاوة على أنه يسبب  اضطراب في الشهية، فالمدمن على السكريات يحس بالشبع السريع ثم بالجوع المفرط نتيجة ارتفاع و انخفاض مستوى السكر في الدم بوتيرة سريعة. وأمّا على المدى البعيد بالإضافة إلى السمنة والسكري، ينتظر هذا الشخص  مشاكل الكوليستيرول وأمراض القلب والشرايين، ووقتها لن ينفع الندم، لذلك ينبغي التنبه مبكرًا لذلك عبر اعتماد تغذية صحية ونمط عيش مليء بالحركة والابتعاد عن القلق والضغوط.