25-أبريل-2024
1

(الصورة: فيسبوك)

تشير إحصاءات رسمية نشرت مؤخرا إلى أن معدلات الجريمة بالجزائر أصبحت مفزعة، بالنظر لعدد المتورطين فيها الذين يصلون حتى ارتكاب أفعال جنائية أصبحت تشكرا خطرا على المجتمع، ومنها جرائم القتل التي تكررت في عدة ولايات لأسباب تافهة في أغلب الأحيان، الأمر الذي يتطلب دق ناقوس الخطر لوقف هذه الجرائم.

رغم العقوبات المشددة التي وضعها المشرع الجزائري بهدف الحد من الجرائم التي يرتكبها الأشخاص، إلا أن البلاد تسجل سنويا معدلات جريمة مرتفعة

ورغم العقوبات المشددة التي وضعها المشرع الجزائري بهدف الحد من الجرائم التي يرتكبها الأشخاص، إلا أن البلاد تسجل سنويا معدلات جريمة مرتفعة، والتي من ضمنها أفعال القتل التي لم تعد تقتصر على ولاية معينة، إنما في عدة مدن كانت تعرف بهدوئها وابتعادها عن هذه الأفعال الدخيلة على المجتمع الجزائري.

متكررة

قبل أيام، استيقظ سكان حي 200 مسكن  بالعالية ببسكرة على خبر مقتل الشاب الثلاثيني محمد خيذر، بعدما باغته شابان ملثمان كانا على  متن دراجة نارية هو وأصدقاءه وأطلقا النار عليه من بندقية صيد كانت بحوزتهما، ليفرا بعدها نحو وجهة مجهولة، لتعيش المنطقة وسكانها صدمة لم يشهدوها سابقا.

وفي 13 نيسان أفريل الجاري، قُتل شاب عشريني بطعنة خنجر ببلدية عين الكبيرة بولاية سطيف إثر خلاف مع شاب عشريني آخر استطاعت الجهات الأمنية توقيفه، بالرغم من فراره عقب ارتكابه هذا الجرم.

وحسب صحيفة الشروق المحلية، فإن هذه الحادثة تعد رابع جريمة قتل شهدتها ولاية سطيف في مدة لا تتعدى الشهر، في صورة توضح جسامة هذه الظاهرة، ففي التاريخ ذاته شهدت ولاية عين تموشنت غرب البلاد حادثة مقتل مجوهراتي في ربيعه الرابع بطعنات خنجر جراء خلاف مع الجاني حول مبلغ مالي.

والثلاثاء 23 افريل نيسان، اهتزت ولاية الجلفة على وقع جريمة قتل سبعيني طليقته وابنهما ببندقية صيد، قبل أن يضع حدا لحياته بالانتحار، مع العلم أن ولاية الجلفة الداخلية التي كانت تعرف سابقا بالهدوء شهدت أيضا في 27 آذار مارس المنقضي مقتل أستاذ جامعي بمدينة الإدريسية على يد أحد أقربائه بعدما طعنه في أنحاء متفرقة من  جسمه.

ولا تختلف نتائج هذه الجرائم عن تلك المسجلة في المدة الأخيرة بولايات تيبازة وسيدي بلعباس وغيرها، وإن اختلفت الدوافع والأسباب.

وترى الأخصائية النفسية المدرسية سارة سي حميدة أنه لا يمكن ربط ارتكاب الجريمة بمكان معين، فـ"ارتكاب الجريمة القتل يأتي من ظروف  نفسية إذا تهيأت تجعل الإنسان يذهب تلقائيا إلى ارتكاب جرائم عظمى كالقتل مثلا، فالسبب الوحيد بالنسبة لنا كمختصين في هذا المجال هو الجانب النفسي"، وفق ما قالته لـ"الترا جزائر"

أما الباحث في علم الاجتماع، توفيق عبيدي فبين في حديثه مع "الترا جزائر" أن "تزايد جرائم القتل اليوم وتوسع دائرة انتشارها أمر متوقع، نظرا للتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع الجزائري ككل، وما صاحب ذلك من تغيرات في أنماط التفكير والسلوك، هذا ترتب عليه مجموعة من الأفعال المنحرفة وغير السوية من أبرزها ارتكاب جرائم القتل، فالبيئة الحاضنة والمحيط الاجتماعي للشخص هو من يزرع في داخله سلوكيات معينة منها السلبية ومنها الإيجابية".

أرقام مفزعة

لا تتوفر إحصاءات رسمية بشأن عدد جرائم القتل المسجلة في الجزائر في 2024 أو 2023، إلا أن إحصائية لموقع أطلس العالمي تشير إلى تسجيل 795 جريمة قتل عمدي في 2022، وهو رقم يتناسب مع حجم الجرائم الكثيرة التي تسجل سنويا بالبلاد، والتي قد تكون ممهدا لهذه الجناية التي يحرمها الدين ويدينها القانون.

وكشف مدير الأمن العمومي بالدرك الوطني العقيد ميلي لونيس قبل أيام في ندوة صحفية إحصاء 787143 فعلا مجرما في 2023 تورط فيه 801292 شخصا, أودع من بينهم 38728 شخصا الحبس.

وجاءت الاعتداءات ضد الأشخاص بنسبة تمثل 7 بالمائة من جرائم القانون العام،إذ تورط فيها 58858 شخصا، بعد تسجيل 29886 فعلا يصب في إطار الاعتداءات والتهديدات، و8933 فعلا في نطاق السب والقذف، و6.837 اعتداء على السلامة الجسدية.

وأوضح توفيق عبيدي أن "هناك العديد من الدوافع التي أدت لزيادة ارتكاب الجرائم ولو لأسباب تافهة، كالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد، وزيادة انتشار المهلوسات والمخدرات، كما أن لوسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام تأثير سلبي ودور في تنامي ظاهرة العنف وارتكاب الجرائم بأنواعها، من خلال تقديمها لبرامج ومواضيع تروج وتشجع بطرق غير مباشرة على الانحراف خاصة وسط المراهقين".

توفيق عبيدي: لوسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام تأثير سلبي ودور في تنامي ظاهرة العنف وارتكاب الجرائم بأنواعها، من خلال تقديمها لبرامج ومواضيع تروج وتشجع بطرق غير مباشرة على الانحراف خاصة وسط المراهقين

ويرى عبيدي أن "تسجيل هذا العدد من الجرائم يجعلنا ندق ناقوس الخطر، لأن ارتكاب الجرائم يعتبر ظاهرة اجتماعية ترتبط أساسا بالأوضاع الاجتماعية، وحركة التغير الاجتماعي ونوعية ومستوى الثقافة السائد في ذلك المجتمع، ويمكن حصرها في انتشار المخدرات، ورفقاء السوء، والفراغ والبطالة، و الوازع الديني والتفكك الأسري".

وبالنسبة للنفسانية سارة سي حميدة، فإنه قد بات من  الواضح أن هناك تحديات أمام الجزائر فيما يتعلق بالجريمة، بالنظر إلى تعدد أسبابها كالبطالة، وظروف الحياة الصعبة، ونقص الفرص الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، ويبقى من الصعب تحديد سبب واحد معين يقف وراء تزيد الجنوح نحو ارتكاب الفعل الإجرامي، لأن ذلك  يتطلب دراسة وتحليلا أعقد، ونحن للأسف في الجزائر لا نهتم بالتفاصيل التي من شأنها أن تغير أو علي الأقل تقلل من هذه الظواهر".

مؤسسات التنشئة

يربط الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي  بين الأرقام المفزعة المسجلة من قبل الجهات المختصة بشأن عدد الأفعال الإجرامية منها القتل العمدي وتناقص أو غياب تأثير مؤسسات التنشئة الاجتماعية وتراجع دورها في التربية والتوعية والردع.

و يعتبر عبيدي أن هذا الغياب يعد مؤشرا على فشل جماعي لهذه المؤسسات في التصدي للظاهرة، لأن سبب وقوع الجريمة ليس وليد تلك اللحظة، بل هو نتيجة لمجموعة تراكمات، وتسبقه العديد من الأسباب التي تؤدي في النهاية للانحراف وارتكاب الجرائم.

ويرى الباحث في علم الاجتماع أن التقليل من ظاهرة الجريمة الدخيلة على المجتمع الجزائري يتطلب إسهام مختلف مؤسسات المجتمع بجانب كبير في مكافحة الجريمة، عبر  تكريس التعاون والتنسيق بين مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية لتمكينها من أداء أدوارها بفعالية عالية، بداية من الأسرة، والمؤسسات التربوية، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، والمؤسسات الأمنية.

ويشدد توفيق عبيدي على ضرورة تثقيف المجتمع وخاصة فئة الشباب وتوعيتهم للتعامل المرن مع الضغوطات والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجههم، إضافة إلى ضرورة العمل تشجيع الاستقرار الأسري وتوعية وتثقيف الآباء والأمهات لتربية أجيال سوية قادرة على الاندماج والتعايش، فالعلاج يبدأ من الأسرة واستقرار الأسرة هو استقرار للمجتمع.

وبالنسبة للنفسانية سارة سي حميدة، فالتقليل من  الظواهر السلبية يحتاج لمعالجة شاملة بالنسبة للجيل الجديد، فالمدارس اليوم لا تتوفر على مختصين نفسيين بالقدر الكافي التي تمكن التلاميذ العاديين والذين يعانون مشاكل من التوجه لهم، إضافة إلى أنه يجب على الجهات المختصة توفير مختصين اجتماعيين يقصدون المنازل للاستماع إلى الآباء والأمهات والأبناء ومعرفة ما يفكرون به قصد معرفة الأسباب التي جعلت الجريمة تكثر في المجتمع الجزائري.

من المؤكد، لا أحد ينكر أن المشرع الجزائري سن عديد القوانين التي تعمل على الحد من ارتكاب مختلف الجرائم بما فيها القتل، رغم عدم تطبيق بعضها كالقصاص مثلا، إلا أن التجربة أكدت أن معالجة هذه الظواهر يتطلب النظر بزاوية تتعدى حيز الجزاء والعقاب.