يبدو أن قصص صناع المحتوى والجدل القائم حول تفاوت الجودة والنشاط الهادف لما يقدمه هؤلاء على مواقع التواصل لن تنتهي قريبًا، فقد أصبحت قصصهم الكثيرة ونشاطاتهم بمثابة وقودٍ يحرك يوميات نسبة كبيرة جدًا من الجزائريين المتابعين لأخبار مواقع التواصل واليوتوبرز وصنّاع المحتوى على الإنترنت.
ما هي المعايير المطلوبة لصناعة المحتوى الهادف الذي يقدمه هؤلاء الشباب؟
خرجت علينا العديد من الصفحات ذات النسب العالية من المتابعات منذ أيام بما أطلق عليه صفة "الحملة الداعمة" لليوتوبر والرحالة الشاب خبيب كواص الذي ينشط منذ سنوات في اليوتيوب ومواقع أخرى في مجال السفر والاستكشاف، وقد تم إجراء هذه الحملة لتمكين حسابه على انستاغرام من بلوغ المليون متابع، وهو ما حصل خلال أقل من يومين بفضل الإشهار الكبير الذي ناله عبر أغلب الصفحات الجزائرية.
اقرأ/ي أيضًا: جزائريون يدعمون صنّاع المحتوى.. مليون متابع لـ "خوباي"
يقوم الشاب خبيب كواص عبر نشاطه بالترحال عبر العالم ، بتوثيق رحلاته التي آثر من خلالها التعرّف على شعوب العالم على طريقته الخاصة، والسفر بالجزائريين الذين عجزوا عن مغادرة البلاد بغية الهجرة أو المتعة، وهو ما جعل من حساباته قبلة لكل الأشخاص الذين ينوون السفر إلى وجهات جديدة ذات ميزانيات منخفضة وطبيعة غير معتادة في وجهات السفر الشهيرة.
كل هذا، لم يكن بارزًا بالشكل الكافي عبر المواقع لولا سفر "خوباي" نحو دولة قطر لتغطية آخر مباريات المنتخب الجزائري في كأس العرب، حيث تفاعل مع العديد من الأنصار من مختلف الشعوب العربية والأجنبية المقيمة هناك، إضافة إلى جودة ما قدمه من تغطيات وصور وفيديوهات إعتبرها كثيرون أفضل مما قدمه الإعلام الرسمي والخاص في الجزائر، رغم أن هذا الشاب وأمثاله كثيرون يقومون بعمل ملفت ويبذلون جهدًا مضاعفًا منذ سنوات طويلة، ومع هذا تبقى نسب المتابعة لديهم منخفضة نسبيًا مقارنة بأصحاب صفحات تعتبرها نسبة مهمة من المتابعين "أقل جودةً وأهمية"، كما صنفها البعض الآخر في خانة المحتوى "غير الهادف".
ما هي المعايير المطلوبة لصناعة المحتوى الهادف الذي يقدمه هؤلاء الشباب؟ أشخاصٌ أبانوا عن قدرة رهيبة في تسويق المحتوى عبر الإنترنت والحصول على أعلى المشاهدات، وهل هنالك صنف معين قد ينفرد بصفات الجودة والفائدة والأهمية مقارنة بمحتويات تمس مجالات مختلفة في كل الميادين الحياتية؟
قدرات صناع المحتوى الترويجية
هنا، يقول الخبير جلال خشيب في منشور على حسابه الشخصي أنه حرّيٌ بالمسؤولين الغيورين على صورة الجزائر، سمعتها وتأثيرها في الخارج أن يستفيدوا بطريقة ما من مواهب وكفاءات أبنائها في مجال صناعة المحتوى المرئي.
وأضاف المتحدث أنه خبر دولًا تقتنص صنّاع المحتوى المرئي اقتناصًا لتستثمر في مواهبهم سواءً كانوا من أبنائها أو ممّن ذاع صيتهم من الأجانب، حيث أكد أن هذه الدول تُموّل رحلاتهم لمدنها وتروّج عبرهم لسردّاتها الوطنية التاريخية والجيوبولتيكية في قضاياها الحسّاسة، كما تفعل تركيا منذ زمن أو كما فعلت أذربيجان مؤخّرًا حينما موّلت عددًا من هؤلاء الشباب الأجانب لزيارة ناغورنو كاراباخ والترويج عبر فيدوهاتهم لسرديّتها التاريخية والجيوبوليتيكية عنها. فضلاً عن استعانة الدول بأمثال "خوباي" ترويجًا للأماكن السياحة المتميّزة وثقافة البلد وأيقوناته الفكرية والفنيّة والرياضية وغيرها.
أكد جلال خشيب أنه تحدث كثيرًا عن إمكانيات الجزائر الكامنة الضخمة والمعطلّة في آن بسبب ذهنياتٍ قديمة أو فساد متجذّر لا يريد مريدوه أن يكون للجزائر شأنًا بين الأمم.. الاستثمار في الرأسمال البشري الوطني المتميّز أولى الآليات لتحريك هذه العجلة الصدئة.
من يقرر جودة المحتوى؟
أما تازبينت خالد فكتب في حسابه الفيسبوكي أن دعم المحتوى الهادف جيد ، لكن ليس علينا أن نكون متسرعين وأن نقرر وحدنا ما هو المحتوى الوهمي وما هو المحتوى الهادف، وهو ما تكتبه أغلب الصفحات التي تتناول عبارة (محاربة المحتوى الوهمي) في حين لا تقدم شيئا يذكر بدورها.
يضيف المتحدث أن كل شخص على مواقع التواصل الاجتماعي لديه قاعدة معينة من المتابعين الذين عرف جيدا كيف يؤثر فيها ويصل إليها، وإذا ما كانت لدينا السلطة في الواقع للمحاسبة فإن المسؤولية والحساب يقعون في الحقيقة على المتابع وليس على المؤثر، وهذا ما لم يقم به حتى مسؤولوا انستغرام في حد ذاتهم.
في هذاالسياق، يؤكد خالد تازبينت ويؤكد أن أرقام المتابعة هذه يمكن أن تعود بالسلب على خبيب مثلًا، لأن المتابعين الذين يبقون مجرد أرقام في الحساب دونما متابعة وتفاعل للمحتوى المقدم، تتسبب في ضمور للحساب الذي تكون فيه، ما يعني أن نسبة المتابعين الحقيقة لن تتعدى العشرة بالمئة من العدد الإجمالي مثلًا.
يقول صاحب المنشور إن الفرد الجزائري سريع الحماس بطبعه، لأنه بمجرد أن يسمع بحملة ما يسارع إلى المتابعة والاعجاب، فيصعب أشخاص جدد إلى الواجهة في حين يختفي آخرون إلى غاية انطفاء ذلك الحماس وكأن شيئا لم يكن.
مفهوم خاطئ لماهية صناعة المحتوى؟
من جهته، كتب المدون صلاح الدين على حسابه في فيسبوك أن الصفحات الجزائرية الكبرى لديها تعريف خاطئ لصناع المحتوى الهادف، وأضاف أن هؤلاء لا يدركون على أي أساس قرروا أن فلان صانع محتوى هادف أو لا.
وأضاف صلاح الدين أن هؤلاء الأشخاص لديهم مشكل أكبر يكمن في دعم صناع المحتوى بالتحديد، أي مثلاً دعم شخص لديه بالأساس 1.6 مليون متابع على فيسبوك.
تساءل المدون في الأخير إن كانت هذه هي الطريقة المثلى للدعم ؟ أي أنك تزيد نسبة المتابعين لشخص لديه نسبة كبيرة بالأصل، كأنك تزيد الماء للبحر.
واقترح المتحدث أخيرًا مساعدة قنوات صاعدة تستحق الدعم ولديها عدد قليل من المتابعين، كما أضاف أن خبيب كواص مثلا ليس صانع محتوى هادف بل هو (فلوغر) يشجع على السياحة الخارجية أي ما يسمى بالسياحة العكسية.
مسؤوليات مضاعفة؟
أما المدونة رميسة الصغير فقالت في صفحتها إنها حاولت مراقبة الحملة التي فهمتها مؤخرًا، وسعدت بوصول صانع المحتوى خبيب لمليون متابع بالرغم من أنها لم تكن من متابعيه الدائمين.
تضيف المتحدثة أن هذا المليون في الواقع هو مجرد رقم لكنه يصبح مسؤوليات مضاعفة، لتحفيزه في تقديم الأفضل لميدان السياحة.
في هذا السياق، ترى المدونة أن "هذه الأرقام تقرأ كظواهر تحتاج أن نتمثلها تركيبًا وتحليلًا واستنتاجًا لنفهم مؤثراتها على الفعل والسلوك الإنساني، والبحث في كيفية تفعيل نتائجها في الواقع الاجتماعي".
وتستطرد "أننا أمام واقع يشكلُ فيه الجمهور السطوة الكبرى، ما يزيدنا يقينا بأن الفرد قادر على تقييم ما يتابعٌه وعلى إعادة ترتيب المشهد الافتراضي وما يصنعه من أثر حي، لكنه يوجه المسؤولية أيضًا تجاه البقية لإعادة الاعتبار بالاسقاط لكل من رفعته التفاهة والمحتوى الهابط يومًا ما".
تعتبر رميسة الصغير أن محتوى صناع المحتوى هو ما يرفعهم ويخفضهم، ولكن مشاهداتنا ومتابعاتنا وتوجيهنا أيضًا لها دورها المهم
في الأخير، تعتبر رميسة الصغير أن محتوى صناع المحتوى هو ما يرفعهم ويخفضهم، ولكن مشاهداتنا ومتابعاتنا وتوجيهنا أيضًا لها دورها المهم، وأن لغة الأرقام ليست الفيصل، لكنها مؤشرات للتفاعل ودرجة الوصول، ومنها عقوبة المنع لمن لا يستحق، وعقوبة التحفيز وتقديم الأفضل لمن يتعب لأجل فكرة، على حدّ قولها.