يوميا تحصي السلطات في الجزائر حوادث المرور المميتة بالأرقام، في مقابل تزايد دعوات فتح حصص استيراد حافلات جديدة كخطوة نحو تحديث حظيرة النّقل وتعزيز الأمان أثناء حركة السير.
مطالب بإعادة النظر في مخطط النّقل الوطني وتقسيم المسافات بين الولايات خاصة نحو مدن الجنوب
يرى الخبراء أن جزءًا كبيرًا من الحوادث يعود إلى استعمال وسائل النّقل القديمة، واهتراءها مع مرور السنوات، مما يجعل تجديدها ضرورة ملحّة، ولعلّ آخر حادث مروري كان يوم الثلاثاء 29 أكتوبر/ تشرين الأول، الذي وقع نتيجة اصطدام حافلة صغيرة بشاحنة ذات مقطورة على الطريق العام بمنطقة البرمة في حاسي مسعود، بولاية ورقلة، جنوب البلاد، أسفر عن وفاة 11 شخصاً، يسلط الضوء على أهمية هذه الخطوة في تحقيق نقلة نوعية نحو شبكة نقل آمنة ومستدامة.
فتح باب الاستيراد
ويشدّد الخبير وعضو لجنة النّقل والمواصلات بالمجلس الشعبي الوطني، سالم بن يطو، على ضرورة إخضاع سائقي الحافلات لتكوين دقيق ومحترف، وذلك بغية "تفادي المجازر المرورية"، حسب وصفه، إذ أصبحت تشكل هاجسًا متزايدًا في ظل ارتفاع ضحايا حوادث الطرق.
وأوضح بن يطو، في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن تكوين السائقين وحده غير كافٍ، بل يجب أن يحصلوا على شهادة تأهيل، خاصةً للسائقين الذين يقطعون مسافات طويلة، مشيرا إلى أن معظم العاملين في هذا المجال من الشباب صغار السنّ، وبالتالي غالبا ما يفتقرون للمؤهّلات اللّازم، ولا يخضعون لتكوين احترافي.
وفي هذا الإطار قال: "يجب إخضاع هؤلاء لفحص وتكوين نفسي، وإلزامهم بتقديم شهادة الكفاءة المهنية".
ومن أبرز أسباب حوادث المرور، بحسب الخبير في مجال النّقل، قِدم حظيرة الحافلات، لافتا في هذا الصدد إلى أنّ اللجنة النيابية بالغُرفة السفلى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) تناولت هذا الملف مع مسؤولي القطاع وطالبت بضرورة تجديد مركبات النقل، وذلك من خلال السماح باستيراد حافلات يقل عمرها عن خمس سنوات، مع تخفيض الرسوم المفروضة على استيرادها، كما هو معمول به في قطاع العتاد الفلاحي، حيث لا تتجاوز الرّسوم 6 بالمائة.
ودعا المتحدث أيضا إلى فرض رقابة صارمة على قطع الغيار المغشوش، مشيراً إلى أنّ فتح باب الاستيراد وحده غير كافٍ، بل يجب إطلاق صناعة وطنية حقيقية لتلبية احتياجات السوق. وأوضح في هذا السياق: "باب الاستيراد مغلق منذ أكثر من خمس سنوات، كما أن غياب صناعة حقيقية يغطي الاحتياجات أدى إلى تدهور حال الحافلات، وهو ما يتسبّب في كثير من الأحيان في حوادث خطيرة".
كما شدّد بن يطو على ضرورة فرض رقابة صارمة على قطع الغيار لمنع دخول قطع مغشوشة إلى السوق الوطنية، لما تسبّبه من كوارث مرورية خطيرة، مؤكداً أن من الضروري أن تخضع قطع الغيار للمعايير التي يطبقها المصنع الأصلي لضمان سلامة المواطنين.
وأضاف بن يطو أنّه على الحكومة أن تعير اهتماما خاصا لتحسين جودة النّقل الجماعي، الذي يعكس مدى تطور الدولة، مشدّدا على أن هذا قطاع النّقل يجب أن يحظى بالأولوية في خطط التّنمية.
وختم بن يطو تصريحه بضرورة الاهتمام بالعنصر البشري الذي يجب ألّا يتوقف عند حدود التكوين والتأهيل، بل ينبغي أيضا -حسبه -توفير بيئة عمل مناسبة لسائقي الحافلات، تتضمّن ظروف عمل ملائمة وساعات قيادة محددة لضمان راحتهم والتّركيز أثناء القيادة. ليضيف:" الإرهاق الناتج عن ساعات العمل الطويلة قد يكون سببا رئيسيا في بعض الحوادث، مما يستدعي ضرورة تنظيم أوقات عمل السائقين بشكل يضمن سلامتهم وسلامة الركاب".
إعادة النّظر في مخطّط النقل
من جهته دعا رئيس المنظمة الوطنية للناقلين الجزائريين، حسين بورابة، الحكومة، ممثلة بوزارة النقل، إلى إعادة النظر في مخطط النقل الوطني، لا سيما فيما يتعلق برحلات النقل بين الولايات، مشددًا على ضرورة تقسيم المسافات في الرحلات الطويلة.
وأوضح بورابة، في حديثه لـ"الترا جزائر"، أن وضعية النّقل اليوم تُثير القلق، خاصة مع تسجيل الحوادث في الطرقات، واستمرار السياسات ذاتها في تسيير قطاع النقل، لا سيما في الرحلات ذات المسافات الطويلة.
وأشار في الإطار نفسه، إلى أنّ معظم حوادث المرور تُسجَّل في هذه الرحلات، ما دفع المنظمة الوطنية للنّاقلين الجزائريين إلى تقديم تقرير لوزارة النقل، يتضمن مطالب بإعادة النظر في مخطط النقل الوطني، وتقسيم المسافات بين الولايات.
واقترح بورابة تقليص المسافة التي يقطعها سائق الحافلة في الرحلات الطويلة، فبدلاً من أن يقطع السائق المتجه من العاصمة الجزائرية إلى ولاية بشار مسافة 1200 كيلومتر دفعة واحدة، يجب تقسيم الرحلة بحيث تتوقف الحافلة في إحدى الولايات القريبة، ويتم استبدال السائق والحافلة.
وواصل قائلا:" من غير المعقول قطع مسافة بهذا الطول في حافلة مهترئة تفتقر إلى معايير السلامة، فمثل هذا الوضع لا يمكن تصوره في أي دولة متقدمة".
كما اقترح بورابة إنشاء مراكز راحة بين الولايات مجهزة بما يريح السائق والمسافرين الذين يعانون من مشقة السفر في حافلات غير مريحة وغير آمنة.
وأشار إلى أنّ السلطات على علم بهذه المشكلة، إذ تمّ إبلاغ وزارة النّقل بهذه الوضعية التي لم تتغير منذ سنوات، رغم الوعود المتكررة التي تلقتها المنظمة من الوزراء المتعاقبين على القطاع.
وأكد بورابة على أنّ الوضع اليوم، يستدعي تحرّكا عاجلا، بعد تزايد الحوادث خاصة في ولايات جنوب البلاد، مشيرا إلى أن عدد الضحايا في كل مرة يتجاوز الخطوط الحمراء.
حظيرة حافلات قديمة
أفاد رئيس المنظمة الوطنية للناقلين بأنّ قطاع النقل الخاص في البلاد، يعاني من تدهور كبير، إذ لفت إلى أنّ حظيرة الحافلات لم تُجدّد منذ 15 سنة، ما أدى إلى تآكلها. وأوضح في هذا السياق: "من المعروف أن 95 بالمائة من حافلات النقل تعود للقطاع الخاص، وهي اليوم تنقل 12 مليون جزائري عبر مختلف ولايات الوطن، مما يبعث على القلق".
وفي المقابل من ذلك، أضاف أنّ وضعية أصحاب الحافلات صعبة، نظرا لضُعف دخلهم، مما يجعل من الصعب عليهم تحمّل تكاليف الصيانة، فيضطر الكثير منهم إلى المخاطرة بحياته وحياة المسافرين مقابل دخل بسيط.
كما شدّد بورابة على أهمية تطوير قطاع النّقل خاصة وأنّ هذا الأخير يحتاج إلى بنية تحتية متكاملة ومرافق مخصصة لتسهيل التنقّل الآمن، مؤكّدًا على ضرورة رفع معايير السلامة في حافلات النّقل.
من خلال معاينة وضعية النقل، تشرف مختلف الأسلاك الأمنية والمدنية، على تكثيف حملات التوعية، من أجل الوقاية وضمان السلامة المرورية في الجزائر، إذ يظلّ العامل الإنساني جزء لا يتجزأ من الحوادث.