05-أكتوبر-2019

خالد زياري, قائد مديرية الأمن الوطني (قناة الجزائر)

بعد مرور 31 سنة على انتفاضة 5 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1988، التي خلّفت عشرات الضحايا بين قتلى وجرى، مازلت هناك علامات استفهام كثيرة تُثار حول هذه المحطّة التي سبقت عشرية النار والدمّ، وما زال الجدل قائمًا حول أسبابها وخلفيّاتها، بين من يراها حدثًا مفتعلًا من طرف دوائر أمنية في السلطة، وبين من يؤكّد أنّها انتفاضة عفوية.

خالد زياري: الجنرال خالد نزار  كان مدعومًا من جنرالات فرنسا وهو من أمر بإطلاق الرصاص على المحتجّين في الخامس من أكتوبر

يُجيب خالدي زياري، القائد السابق للمديرية العامّة للأمن الوطني، على أسئلة "الترا جزائر" في هذا الحوار، بصفته شاهدًا عيانًا على الانتفاضة من منصبه، حول أسبابها وخلفياتها ومن كان يقف وراءها، ويتهّم الجنرال خالد نزار، بضلوعه في إطلاق النار على المتظاهرين في أحداث تشرين الأوّل/ أكتوبر 1988، وتزييف أرقام الضحايا الذين سقطوا برصاص قوّات الأمن، مبديًا استعداده للإدلاء بشهادته أمام المحكمة، إن تطلّب الأمر ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: أحزاب وجمعيات تحيي الذكرى.. "حراك فبراير استكمال لانتفاضة أكتوبر 1988"

  • بداية، بعد مرور 31 سنة على انتفاضة تشرين الأوّل/ أكتوبر، هل ترى أنّها حقّقت أهدافها؟

بدايةً، يجب التذكير بأن احتجاجات تشرين الأوّل/ أكتوبر، كانت في بدايتها مهنية، فقد خرج العمال ضدّ غلاء المعيشة وضدّ السياسة الاقتصادية التي كانت متبعة وقتها، وأغلب المشاركين فيها كانوا من الشباب الذين غزوا أسواق الفلاح لسرقة المؤن، لكن حملت بعدها مطالب سياسية تتعلّق بالتعددية السياسية والإعلامية، وهنا نقول إن هذا المطلب تحقّق لأنّه بعد هذه الأحداث، عاشت الجزائر حقًا في بداية التسعينات عهد التعدّدية السياسية والإعلامية.

خالد زياري: عاشت الجزائر حقًا في بداية التسعينات عهد التعدّدية السياسية والإعلامية

لكن بعد قيام "جنرالات فرنسا" (عسكريون جزائريون كانوا في الجيش الفرنسي) بإيقاف المسار الانتخابي الذي فازت فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالأغلبية، تعطّل تحقيق أهداف ما طالب به من خرجوا في 8 أكتوبر، وسارت البلاد نحو المجهول الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، إذ زاد الوضع تأزّمًا بعد مجيء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 1999.

  • حتى اليوم يظل السؤال مطروحًا حول من أمر بإطلاق الرصاص الحيّ على المتظاهرين في تشرين الأوّل/ أكتوبر 1988 بالجزائر العاصمة؟

الجنرال خالد نزار الذي كان مدعومًا من "جنرالات فرنسا"، هو من أمر بإطلاق الرصاص على المحتجّين، لأنّ الحلّ بالنسبة له، كان إيقافهم بكلّ الأشكال ومنها إطلاق النار، لأن من كانوا يقرّرون وقتها اتفقوا على إيقاف تلك الاحتجاجات بكل الأشكال، كي لا يثوروا ضدّ نظام الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، فقد كان يحيط به هؤلاء الجنرالات الذين سبق لهم الانخراط في الجيش الفرنسي، وهم خالد نزار، والعربي بلخير، ومحمد مدين المدعو توفيق، وتواتي.

لذلك، لم أتفاجأ هذه المرّة بمشاركة خالد نزار في اجتماع طرطاق وتوفيق والسعيد بوتفليقة لإجهاض حراك 22 شبّاط/ فبراير، بل لا أخفيك سرًا أن نزار هو من  طرح فكرة إقالة قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، عقب وقوفه إلى جانب الحراك وعدم سيره مع مخطط "العصابة".

بالعودة لأحداث تشرين الأوّل/ أكتوبر، فمن منطلق منصبي وقتها، أؤكد أن كلّ اتهام قد يوجه إلى الشرطة بقتل المتظاهرين غير صحيح، لأن عدد عناصر الأمن كان قليلًا وغير كاف لتأمين المتظاهرين وحمايتهم، وما توفّر من  أفراد الشرطة وُجّه لحماية المؤسّسات الاقتصادية والرسمية، ولا علاقة لهم بمن أمرهم خالد نزار بقتل المتظاهرين.

خالد زياري: خالد نزار هو من  طرح فكرة إقالة قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، عقب وقوفه إلى جانب الحراك 

وأضيف لك أنني مستعد اليوم وفي كل وقت، لتقديم شهادتي للعدالة في حال ما طلبتها بشأن مسؤولية خالد نزار في قتل متظاهري تشرين الأوّل/ أكتوبر 1988.

  • بعض الشهادات والآراء تقول إن أحداث 5 أكتوبر كانت مفتعلة للإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد، فهل هذا صحيح؟

لا أوافق هذا الرأي بتاتًا، لأن احتجاجات 5 أكتوبر كانت عفوية في جميع أنحاء الوطن، ولا أحد يقف وراء انطلاق شعلتها، لأن لا أحد كان يملك القدرة على التأثير في المحتجين بذلك الشكل.

أعتقد أن الظروف كانت مهيأة لأن تنطلق تلك الاحتجاجات، فالدولة كانت تعيش ضعفًا سياسيًا، مردّه تراجع حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان يدير مقاليد السلطة، وحتى المجتمع المدني أو باقي التنظيمات، كانت ضعيفة وغير قادرة على أن تنظّم مظاهرات بذلك الشكل، لذلك فالمظاهرات كانت عفوية.

خالد زياري: احتجاجات 5 أكتوبر كانت عفوية في جميع أنحاء الوطن، ولا أحد يقف وراء انطلاق شعلتها، لأن لا أحد كان يملك القدرة على التأثير في المحتجين بذلك الشكل

أؤكد لك أيضًا، أن لا أحد في الأمن أو الدرك  أو الأمن العسكري (المخابرات) كان ينتظر أن تنطلق احتجاجات بتلك القوة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 1988، فكل ماكان  متوفّرًا من معلومات، هو تنظيم إضرابات عمّالية خاصّة في المنطقة الصناعية بالرويبة شرق العاصمة، لكن لا أحد كان يتصوّر أن تتحوّل إلى مظاهرات بذلك الحجم الذي شهدته البلاد، فالاحتجاجات كانت عفوية وغير منظّمة.

  • حتى اليوم يبقى رقم عدد الضحايا متباينًا بين الرواية الرسمية وما نقلته تقارير حقوقية، فمن منطلق المنصب الذي كنتم تتقلدونه وقتها ما هو العدد الحقيقي لمن راحوا ضحية أحداث 5 تشرين الأوّل/ أكتوبر؟

عدد الضحايا بلغ حوالي 560 قتيلًا، عكس الرواية الرسمية التي تحدثت عن 120 قتيلا فقط، فالسلطة وقتها ممثلة في خالد نزار مارست الكذب بامتياز، لأنّ التقارير الأمنية التي كنا نرسلها كانت تمرّ عبرهم، فقاموا بتحويرها لإعطاء إحصاءات كاذبة لا تعبّر عن العدد الحقيقي للذين سقطوا من أجل الحرّية والتعبير عن حقهم في العيش الكريم ببلادهم.

لقد مارس خالد نزار الكذب، بشأن حقّ هؤلاء الشباب الذين من حقّ عائلاتهم التعويض الحقيقي، وحتى منحهم صفة "الشهيد" والحصول على منحة مالية، وليس إدراجهم ضمن ضحايا حوادث العمل كما حدث مع البعض.

 ولكن بالنسبة لي، فهذا كان منتظرًا من "جنرالات فرنسا" التي عملوا على تقزيم ما قدّمه الشباب في 1988 من أجل وطنهم.

  • تعيش البلاد اليوم، حراكًا جديدًا يُشبه كثيرًا ما حدث في سنة 1988، ما الفرق بين الحراكين؟

هناك فرق في أعداد المتظاهرين؛ فحراك 22 شباط/ فبراير يشهد مشاركة واسعة من المواطنين في كلّ ولايات الوطن، وطابعه سياسي بالدّرجة الأولى، على عكس ما كان في 1988، حيث كانت المطالب اجتماعية ومهنية في البداية، إضافة إلى أن حراك اليوم يعرف مشاركة من جميع الفئات العمرية الشباب والشيوخ والنساء، على عكس احتجاجات 5 تشرين الأوّل/ أكتوبر التي كان أغلب المشاركين شبابًا.

خالد زياري: "المؤسّسة العسكرية تعاملت بسلمية مع حراك 22 شبّاط الأوّل/ فيفري"

يضاف إلى كلّ هذا، أن المؤسّسة العسكرية تعاملت تفاعلت بسلمية مع حراك 22 شبّاط الأوّل/ فيفري، فرغم مرور أكثر من 7 أشهر لم تسقط ضحيّة واحدة، عكس ما قام به خالد نزار، الذي فضّل إطلاق الرصاص لإيقاف الانتفاضة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حراك الجزائر.. ثورة الشباب على بوتفليقة والأبوية

حرب كلامية بين هيئتي دفاع حنون والجنرال توفيق تكشف أسرارًا جديد