كثيرًا ما شكّل تعلم اللغة الصينية للعديد منا أمرًا صعبًا وغير ممكنًا، بل مستحيلًا، غير أن هذه النظرة تختلف عند العشريني مولود شاعور الذي استطاع أن يتعلّم لغة العملاق النائم بطريقة عصامية، ويصبح أستاذًا يقدم الدروس فيها وطالبًا بجامعاتها، في قصّة ملهمة لكل من صادفته في حياته عديد العقبات والعثرات، فمولود تخلّى عن دراسة العلوم السياسية وأوقف مساره الجامعي من أجل لغة أغلبنا لا يفكّر حتّى في تعلمها.
مولود شاعور: تخليت عن دراستي الجامعية وشرعت في تعلم اللغة الصينية عصاميًا ووصفت بالمجنون
في هذه المقابلة المقتضبة، يعود بنا أستاذ اللغة الصينية مولود شاعور في حكايته من نظرته السلبية على كل ما هو صيني، إلى أن أصبح من الداعين لتعلّم هذه اللغة عبر دروس وفيديوهات ينشرها على الإنترنيت، ويتطرّق إلى مؤلّفه حول هذا الموضوع، ومخطوطات أخرى يرغب في إصدارها تتحدّث كلها عن لغة أكبر بلد من حيث الكثافة السكانية.
اقرأ/ي أيضًا: شهلة بدروح تفتك الميدالية الذهبية في المسابقة العالمية لصناعة الروبوت
- كيف بدأت رحلة مولود شاعور مع اللغة الصينية، وتوجه إلى تعلمها؟
رحلتي مع اللغة الصينية انطلقت عام 2016 لما تحصلت على البكالوريا، لكن هذا التوجه له حكاية سابقة، فطوال حياتي كنت تلميذًا عاديًا متوسطًا، كان ما يهمني الانتقال إلى المستوى الأعلى فقط ولو بمعدل عادي، بالرغم من أن الجميع كانوا متفقين أنّ بإمكاني تقديم الأفضل، ومنذ صغري كنت أحلم أن أدرس الإعلام الآلي، لكن علاماتي في الرياضيات لم تكن جيّدة لأنني كنت لا أحبها، ولا أحد أعلمني أنها ضرورية لتوجيهي لشعبة علوم بدل آداب التي وجهت لها بسبب معدّلي المتوسط، لذلك اخترت تخصّص اللغات، ولما حصلت على البكالوريا كان كالعادة بمعدل متوسط 10/20، فتم توجيهي لدراسة العلوم السياسية.
لما وُجهت إلى هذا التخصص أصبت بإحباط كبير، لأنني كنت أعتقد سابقًا أن الحصول على البكالوريا سيمكنني من دراسة التخصص الذي أريد كالإنجليزية مثلًا، ووجدت نفسي مجبرًا على دراسة السياسة التي أكرهها، لذلك أصبت بصدمة وأصبحت لا أستطيع النوم، لكن كل شيء بدأ يتغير لما اصطحبني أحد أصدقائي لحضور معرض للاحتفال باليوم الوطني الصيني نُظم بجامعة بوزريعة، حينها بهرت بثراء ثقافة هذا البلد الذي كانت لي أحكامًا مسبقة عليه تروجها بعض المواقع على الإنترنيت، مثل أن شعبها همجي وحكايته تتلخص في أنه من آكلي الحيوانات النيئة.
منذ ذلك اليوم، قررت الغوص في ثقافة هذا البلد وشرعت في تعلم لغته عصاميًا في المكتبات وعبر الإنترنيت والتخلي عن دراستي الجامعية، قرار قابله الجميع بالرفض والسخرية بدءًا من الأصدقاء وصولًا إلى الأقارب، ووصفوني بالمجنون، مرددين سؤالًا واحدًا "ماذا ستفعل باللغة الصينية".
وبعدها نظمت السفارة الصينية بالجزائر مسابقة حول اللغة الصينية شارك فيها منافسون من كل ولايات الوطن، والتي تحصلت فيها على المرتبة الأولى وتفوقت حتى على من كانوا يتلقون دروسًا في معاهد، عندها ازددت اقتناعًا بأن الدراسة الجامعية والنظامية في الجزائر لن تقدّم لي شيئًا، وطول هذه المدة كنت أخفي مقاطعة الجامعة عن والدتي، فالساعات العشر التي كانت تعتقد أنني أقضيها بمقاعد الجامعة، كنت أخصّصها لتعلم الصينية في المكتبات.
عقب فوزي في المسابقة حصلت على منحة للمشاركة في مسابقة بعنوان "جسر الصين" بالصين شارك فيها منافسون من 150 دولة، لم أكن من الأوائل فيها لأن الجميع درسوا الصينية منذ الصغر، لكني تحصلت على منحة لدراسة اللغة بالصين لمدة ستة أشهر، ثم على منحة جامعية للحصول على شهادة الليسانس، وأنا الآن أواصل دراستي هناك، حيث استفدت من البدء مباشرة في السنة الثانية جامعي، والحمد لله نتائجي ممتازة.
- انطلاقًا من تجربتك،هل تعلم اللغة الصينية أمر صعب؟
تعلم الصينية ليس أمرًا صعبًا ولكنه في الوقت نفسه ليس سهلًا، أعتقد أن المسألة تتعلق فقط بتعلم لغة مختلفة عن اللغات اللاتينية التي تعودنا تعلمها كالفرنسية والإنجليزية وغيرهما، لأن اللغات الآسيوية ليست لها حروف إنما لها نغمات.
في البداية، قد يصدم المتعلم بهذا الاختلاف، لكن عند الاعتياد عليه، يصبح الأمر سهلًا، كونها لغة مباشرة ولا يوجد بها تصريف للأفعال. بالنسبة لي، أعتقد أن الصينية أكثر اللغات قربًا للمنطق، وعلى العموم لا يمكن إجادة أيّة لغة دون تعب وصبر.
- بما أن لسانك عربي، هل لاحظت وجود أوجه تشابه بين لغة الضاد والصينية؟
لا يوجد أي تشابه بين اللغتين، ربما وجه التشابه الوحيد بينهما صعوبة حروفهما، لكن بناء على تجربتي، أعتقد أن ترجمة الصينية إلى العربية يكون أسهل من ترجمتها إلى لغات أخرى، بالنظر إلى غنى العربية بمفردات كثيرة مقارنة بباقي اللغات.
- من حديثك، يظهر أنك تشجع على إتقان اللغة الصينية، فما هي الدوافع التي تجعل الواحد منا يُقبل على تعلمها؟
هناك دوافع كثيرة، وأعتقد أن كل إنسان عليه أن يبحث عن دافعه الشخصي لتعلمها ويجده، فأنا على سبيل المثال تعلمتها من باب حبي للاكتشاف والاختلاف بعد أن أبهرتني وأدهشتني الثقافة الصينية.
في عالم الاقتصاد، صار من الضروري اليوم إجادة الصينية، فحتى الأمريكيين يقبلون على تعلمها، إنها لغة تفتح لمتقنها أبواب دراسة كل ما له علاقة بالتكنولوجيا، وكذا للعمل مع الصينيين الذين يحبون العمل كثيرًا ويحترمون من يتحدّث بلغتهم لأنك ستخاطب قلبهم قبل عقلهم.
- كيف جاءتك فكرة خوض تجربة تقديم دروس في اللغة الصينية على مواقع التواصل الاجتماعي؟
لما سافرت إلى الصين، تعرّفت على أجانب من كل الدول، فحاولت إطلاق مشروع عالمي لتعليم مختلف اللغات، خاصّة أنني أحب التعليم وأدرسه اليوم في الجامعة، وأعتقد أن هذا الحب استمرار لعملي كمدرب رياضة وتغذية الذي أقوم به.
أردت إنشاء منصّة تجمع كل اللغات بمشاركة أساتذة، وانطلقت فيها، لكن لما تكون مغتربًا يأتي شعور ما يحرّك فيك غريزة جزائريتك وانتماءك ويذكرك أنك جزء من هذا الشعب، وبعد ظهور وباء كورونا، اضطررت للعودة إلى الجزائر، وفكرت باستئناف مشروعي السابق في الجزائر، وبدأته أيضًا وكان صديق يجيد الإنجليزية يقدما دروسًا فيها معي، وحاولت الاستعانة بأساتذة آخرين لكن لم يفهموا فكرتي، فتوجهت بعدها لتقديم دروس في مواقع التواصل الاجتماعي في مختلف اللغات، لكن لما تفرغت للصينية وبفيديوهات قصيرة اكتشفت أن هناك تجاوبًا جيدًا مقارنة مما كان سابقًا.
- كيف تقيم تجاوب الجزائريين مع دروس اللغة التي تقدمها على الإنترنيت؟
أنا شخص يؤمن بالفكرة، وبالنسبة لي لو أستطيع إفادة شخص واحد فسأستمر في عملي، لأن مواقع التواصل الاجتماعي أثبتت لنا أن الأرقام الكبيرة قد تكون أحيانًا مرادفة للتفاهة، في حين يمكنك أن تغزو العالم بعشرين شخصًا فقط، لذلك لم اهتم في البداية لبعض الآراء التي لم تنقد الفكر والعمل، إنما انتقدت العرق بالنظر لأحكامها المسبقة عن الصينيين.
ورغم كل هذه الانتقادات، فإن أهم ما شجعني على الاستمرار هو أن كل من انضموا إلى برنامجي لم يندموا على هذه التجربة التعليمية، وبعدها أصبحت فيديوهاتي باللغة الصينية التي انطلقت من تيك توك تلقى رواجا بآلاف المشاهدات، خاصة بعد تغيير طريقة الإلقاء وكشف وجهي في الفيديوهات الأسبوعية الثلاثة التي أنشرها بحساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي.
- هل تعتقد أنه صار من الواجب اليوم تعليم اللغة الصينية في المدارس والجامعات؟
دون شكّ، أعتقد أنه أصبح من الضروري تعليم اللغة الصينية في الجامعات، فكثير من الدول بدأت هذه التجربة، لأن نماذج تدريس الصينية الموجودة اليوم عندنا ليست تعليمًا إنّما تجارة، لذلك من الضروري تعليمها حكوميًا لأنّها المستقبل بكل بساطة.
مولود شاعور: أصبح من الضروري تعليم اللغة الصينية في الجامعات فكثير من الدول بدأت هذه التجربة
- ما هي مشاريعك المستقبلية بشأن تعليم اللغة الصينية في الجزائر؟
من المؤكد، أنني سأواصل نشر الفيديوهات التعليمية على الإنترنيت، وتأليف الكتب التي تيسر تلقينها، لكن طموحي هو أن أفتح مدرسة لتعليم اللغة الصينية، فأنا أدرس اليوم ببكين طرق تعليم الصينية لغير الناطقين بها. كما سأسعى إلى تنقيح كتابي الذي صدر في 2020 حول تعلم اللغة الصينية للمبتدئين ليصدر في شكّل جديد، وهو أوّل مؤلف بالجزائر في هذا الموضوع.
اقرأ/ي أيضًا:
"تشاينا تاون".. الحي الصيني في قلب الجزائر
اللغة الصينية.. كيف تضع 5000 رمز على لوحة مفاتيح