25-سبتمبر-2018

الإنسان والقطار، كلاهما مسكينٌ في الجزائر (رويترز)

كان القطار السّريع بطيئًا. كلّ التكنولوجيات الحديثة تفقد وتيرتها الحقيقية في البيئات التي تستعملها بتعسّف، ذلك أن المسكين كان يحمل فوق طاقته. لقد جعلته إنسانًا فَمَسْكَنْتُهُ، بشر هؤلاء أم سردين؟ كلاهما مسكين: القطار والإنسان. الأوّل بسبب الحمولة الزّائدة، والثاني بسبب ما يترتب عن تلك الزيادة في الحمولة من أتعاب، لذلك فكلاهما يشتركان في حلم واحد: لو كان في أوروبا.

 في الجزائر، كلاهما مسكين: القطار والإنسان، الأول بسبب الحمولة الزائدة والثاني بسبب ما يترتب عن تلك الزيادة من أتعاب

كثيرًا ما نتحدث عن حسد إنسان الجزائر لإنسان أوروبا، لأنه يتمتع ـمثلًاـ بنقل سهل ومريح، لكننا لا نتحدث عن حسد قطار الجزائر لقطار أوروبا لأنه يتمتع بالحمولة العلمية، وبأطفال يلوحون له، لا أن يرموه بالحجارة.

اقرأ/ي أيضًا: حافلات الجزائر.. الموت يسير على عجلات

أخرجتني حجارة أصابت نافذة القطار، من غرقي في الاستماع لشباب كانوا يتحدثون عن حفل الفتى ريفكا بشغف وحرارة، إلى جمع من الأطفال كانوا يقفون على حاشية السكة مدججين بالحجارة.  تمنيت لو تم تصوير المشهد ليكون دليلًا على تقاعس الوزارات المعنية به: وزارة النقل التي لم ترسم سياسة إنسانية للقطارات حتى تماهى البشر مع السردين، ووزارة التربية التي لم تنتبه إلى تسرب هؤلاء الأطفال، إذ لم نكن في يوم عطلة، أو في وقتٍ خارج الدراسة، وبالتالي فمكانهم الطبيعي هو المدرسة لا حواشي السكك الحديدية يقذفون الناس بالحجارة.

تخيلت نفسي صرت أعمى بسبب كُرْد من رمياتهم، فرحت أتحسس عيني، لعل الطفل الذي يصيبني هو نفسه سيعيّرني: أيها الأعمى، تمامًا كما السلطة عندنا، تخصي النخبة القادرة على تشكيل وعي حضاري للناس، ثم تلومها على تقاعسها وانعزالها حين يتم فلتان الشارع.

 نمت بعد أن فرغ المقعد الذي أمامي، لأنني في لاوعيي كنت أدرك أن القطار لن يصل سريعًا. علينا أن ننتبه إلى أننا مبرمجون في لاوعينا على أن كل شيء ليس على ما يرام، لذلك لا أحد منا يقوم بعمله كما يجب، وهذه عقلية ما وقع فيها شعب من الشعوب إلا تفاقمت أزماته، فرأيت فيما يرى النائمُ الرئيسين بومدين وجمال عبد الناصر يتبادلان النرجيلة ويضحكان، كانا يضحكان بغزارة.

سألتهما عن السبب فقال لي أحدهما، نسيت من منهما فعل ذلك: كان الاستعمار الغربي يصف ثوراتنا الوطنية في القرن العشرين بالشغب والتخريب، وها هم الحكام العرب اليوم يطلقون الوصفَ نفسَه على الثورات العربية، فهم يتشابهون مع الاستعمار في العقلية (تشويه الثورة وتمييعها)، وفي المصير (الهروب من الأرض)، فانفجرت أنا أيضًا أضحك وأضحك، وأضرب على يديهما. 

كنت أفعل ذلك في المنام وفي الواقع أيضًا، لذلك فقد صفعتني الفتاة الجميلة التي كانت بجنبي ظنًا منها أني أتحرش بها. التمست الرئيسين لأسألهما: هل تتنصّلان من مسؤوليتكما عمّا هو واقع اليوم؟ فلم أعثر لهما على أثر.

ما نعانيه اليوم هو ثمرة لتصفيق آبائنا بالأمس لحكّام فاسدين، وتصفيقنا اليوم أو سكوتنا، سيثمر غدًا مشوّهًا لأولادنا

ما نعانيه اليوم هو ثمرة لتصفيق آبائنا بالأمس لحكّام فاسدين، وتصفيقنا اليوم أو سكوتنا، سيثمر غدًا مشوّهًا لأولادنا. لماذا نكره أولادنا إلى هذه الدّرجة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

النقل المدرسي في الجزائر.. هم الطلاب قبل الدرس

المشاريع في الجزائر.. سلطة الارتجال والتشويه