28-أغسطس-2021

(صورة أرشيفية: فيسبوك/الترا جزائر)

 

أعلنت الحكومة الجزائرية في مرات عدة التوجه نحو فتح قطاع النقل الجوي للاستثمار الخاص، لكن أرجأت ذلك دائمًا بتقديم حجج متباينة، إلا أنها تبدو هذه المرة عازمة على رفع احتكار الدولة لقطاع الطيران منذ الاستقلال.

أظهرت الأزمة الصحية التي تعيشها الجزائر أنه لا يمكن المراهنة فقط على المؤسّسات الحكومية

في هذا السياق، أظهرت الأزمة الصحية التي تعيشها الجزائر أنه لا يمكن المراهنة فقط على المؤسّسات الحكومية، ممثلة في الخطوط الجوية الجزائرية وطاسيلي للطيران لتحمل الأزمات التي تمس قطاع النقل واحتوائها، لذلك تسعى الحكومة لفتح ملف النقل الجوي للقطاع الخاص بشكلٍ جدي هذه المرّة.

اقرأ/ي أيضًا: السفر بعد كورونا.. الخطوط الجوية الجزائرية تكشف عن مخططها

تدابير استعجالية

في اجتماع مجلس الحكومة الأخير، شكل ملف النقل أحد المحاور التي محل دراسة من قبل الجهاز التنفيذي، فقد قدم وزير القطاع التدابير الإستعجالية لإنعاش نشاطات النقل.

وحسب بيان الوزارة الأولى، يهدف الـمخطط الاستعجالي للنقل إلى "تنشيط هذا القطاع الحساس الذي يشكل مكونًا حاسمًا للتنمية الاقتصادية للبلاد ومحفزًا حقيقيًا للنمو الاقتصادي".

ومن ضمن ما يقترحه هذا المخطط، هو فتح النقل البحري والجوي أمام الاستثمار الوطني الخاص، حيث شدّد الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان على ضرورة القيام بهذه الخطوة، وزيادة حصة الأسطول الوطني في السوق، بالإضافة إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وبهذا يتأكد أن باب الاستثمار سيخصّ القطاع الخاص المحلي فقط، حتى وإن كان ذلك قد لا يمنع من إمكانية السماح بإنشاء مؤسسات شراكة بين متعاملين جزائريين وآخرين أجانب، وهي تفاصيل لم تكشفها الحكومة، وستعرف عند عرض مشروع القانون على مجلس الوزراء.

هنا، يؤكد القرار الحكومي، تصريحات سابقة لمسؤولين تعتبر أن التوجه لفتح قطاع الطيران أمام النقل الجوي لا مفرّ منه، فقد سبق لوزير النقل السابق المقال لزهر هاني أن أعلن في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أن "فتح المجال الجوي أمام شركات خاصة، قرار سياسي لا رجعة فيه، كما لن يقتصر فقط على الخطوط الداخلية، بل يتعداه للرحلات الدولية".

وقبل اجتماع الحكومة، كان وزير النقل عيسى بكاي قد استقبل وفدًا عن فيدرالية أرباب العمل للنقل واللوجستيك المنضوية تحت لواء الكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين، والذي طرح مشكل العراقيل التي تقف أمام أرباب العمل  لتطوير قطاع النقل بما فيه الجوي منه.

ضرورة أم خيار؟

لا يعد قرار فتح قطاع النقل الجوي للخواص مجرّد خيار اعتباطي اتخذته الحكومة، بل يعد ضرورة حتمية بالنظر إلى عدم استطاعة المؤسّسات الحكومية، وبالخصوص الخطوط الجوية الجزائرية تلبية الطلب المحلي، دون الحديث عن غزو أسواق أجنبية مهمة للجزائر، وضروري التواجد بها ليس اقتصاديًا فقط إنما سياسيًا، خاصة بالقارة الأفريقية، لأن الأهداف التي تتحدث عنها الحكومة للعودة إلى الساحة القارية تتطلب أيضًا وجود إمكانات تتعلق بتسهيل التجارة البينية المرتبطة أولا بتيسير عملية تنقل الأشخاص.

وتقوم الخطوط الجوية الجزائرية برحلات نحو 43 وجهة دولية في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، إضافة إلى 32 وجهة داخلية، ويحصي أسطولها الجوي 58 طائرة، في حين تبقى رحلات طاسيلي للطيران المملوكة لشركة سوناطراك النفطية محدودة بوجهات محددة نحو الخارج والداخل.

واظهرت الأزمة الصحية التي تعيشها الجزائر والعالم أن الحكومة لن تستطيع على الدوام تحمل تبعات توقيف الرحلات الجوية، وغيرها من الأزمات التي تسببت في خسائر بملايين الدولارات للخطوط الجوية الجزائرية التي لم تستطع مختلف خطط الإصلاح وإعادة الهيكلة إخراجها من الضائقة المالية التي تعيشها، بسبب تسييرها بعقلية اجتماعية لا اقتصادية، ومنها صار اللجوء إلى شركات خاصة تسير وفق منطق العرض والطلب ضروريًا لتخلص الدولة من جانب من مسؤولياتها الاجتماعية والخدماتية تجاه المواطنين.

تجارب سيّئة

عند  الحديث  في الجزائر عن دخول القطاع الخاص مجال النقل الجوي، تعود إلى الأذهان تجارب فاشلة لا تشجع على خوض هذه الخطوة التي لا بد منها، وفي مقدمة هذه التجارب " الخليفة للطيران" التي لم تدم طويلًا في بداية الألفية، والتي انتهت في 2003، فقد لازمت الاستفهامات والغرابة تجربة أوّل شركة طيران خاصة في الجزائر من بداية قصتها إلى نهايتها.

ظهرت الخليفة للطيران على يد عبد المؤمن خليفة مالك بنك الخليفة الذي بني على الوهم وعلى ظهر الخزينة العمومية، وهو الذي كان يعرف عنه أن عائلته من المقربين للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكن هذا القرب انتهى بعد 3 سنوات فقط وانتهت معه قصّة إمبراطورية الخليفة وشركته للطيران التي كانت وقتها المحبذة للجميع عند السفر بدءًا من الوزراء ورجال الأعمال وصولًا إلى المسافرين العاديين.

وعند جلب عبد المؤمن خليفة من بريطانيا ومحاكمته بالبليدة، أظهرت التحقيقات مدى الفساد الذي جرى في أول تجربة  شركة طيران خاصة في الجزائر، والتي لم تستطع الحكومة استرجاع الأموال الخاصّة بها التي أتت من بنك الخليفة أو مؤسّسات عمومية حتى الآن.

وبعد انهيار امبراطورية الخليفة، وصعود علي حداد كرجل أعمال فتحت أمامه مختلف الأبواب، كثُر الحديث عن دخول صاحب إمبراطورية الأشغال العمومية المنهارة مجال الطيران بتأسيس شركة خاصة وذلك في السنوات الأخيرة الماضية قبل استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

 الحذر من تكرار تلك النماذج السيئة يستلزم من الحكومة وضع دفتر شروط مكتمل الجوانب يكون قادرًا على حماية الخزينة العمومية 

ورغم أن ظروف اليوم تختلف عن تلك التي أوجدت الخليفة في قطاع الطيران، وحاولت إدخال حداد النقل الجوي، إلا أن الحذر من تكرار تلك النماذج السيئة يستلزم من الحكومة وضع دفتر شروط مكتمل الجوانب يكون قادرًا على حماية الخزينة العمومية من التعرض لعملية نهب جديدة، لكن دون أن يكون منفرًا لأي استثمار حقيقي في هذا المجال الحيوي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

38 مليار دينار خسائر الجوية الجزائرية بسبب كورونا

إجلاء الجزائريين العالقين في تركيا نهاية الأسبوع الجاري