15-يونيو-2019

صورة مركبة، رئيسا حكومة سابقين، عبد المالك سلال على اليمين، أحمد أويحيى على اليسار (الترا جزائر)

يُسابق القضاء الجزائري الزمن، منذ أزيد من شهرين، لفتح مزيد من ملفّات الفساد ومتابعة أسماء ثقيلة في السياسة والمال من رموز النظام السابق، وإصدار أوامر قضائية تقضي باعتقالهم وتوقيفهم في عدّة قضايا، ارتبطت تحديدًا بالعقدين الماضيين من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي استقال في الثاني من نيسان/أبريل الماضي.

طرحت حملة التوقيفات هذه، عدّة تساؤلات لدى المتابعين؛ إن كانت مجرّد تصفية للحسابات، أم خطوة لإرضاء مطالب شعبية؟ 

حفلة توقيفات

 آخر التطوّرات؛ كانت أكثر حلقة في مسلسل مكافحة الفساد إثارةً، هي الزجّ برئيسين سابقين للحكومة في الحبس المؤقّت بسجن الحراش بالعاصمة، وهما أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، يضاف إليهما وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس، والجنرال المتقاعد علي غديري، المرشّح السابق للانتخابات الرئاسية.

اقرأ/ي أيضًا: أحمد أويحيى .. نهاية خدمة "رجل المهام القذرة"

طرحت حملة التوقيفات هذه، عدّة تساؤلات لدى المتابعين؛ إن كانت مجرّد تصفية للحسابات، أم خطوة لإرضاء مطالب شعبية؟ وما إذا كانت الشجرة التي تُغطّي الغابة في مسلسل طويل ستشهده هذه الصائفة؟، أو ربّما هي إغفالٌ لأهمّ مطالب الحراك الشعبي برحيل الرئيس المؤقّت عبد القادر بن صالح واستقالة حكومة نور الدين بدوي المرفوضة شعبيًا.

كلّها استفهامات مشروعة بحسب الناشط الحقوقي عبد المالك جنادي، إذ يراها -التوقيفات والحبس المؤقّت- خطوة كبرى لإبداء نيّة محاسبة الضالعين في ملفّات وقضايا فساد طيلة فترة حكم الرئيس الأسبق، مضيفًا في تصريح إلى "الترا جزائر"، أنها كانت محطّة تاريخية احتفى بها الشعب ولبّت رغبته الأولى والأخيرة، وهي أن تتمّ محاكمة من هضموا حقّه واستنزفوا الخزينة العمومية، ومحاسبتهم كمواطنين عاديين، بعيدًا عن ما كان يسمّى بـ " شخصيات فوق العادة" على حدّ قوله.

ولم يغفل جنادي، أن العدالة الجزائرية تحرّكت مستندةً إلى تطمينات المؤسّسة العسكرية، بعد أن دعاها قائد الأركان الفريق قايد صالح، إلى فتح ملفات الفساد لرجال السلطة، موضحًا بأن سيناريو المتابعات القضائية سيحتاج  نَفَسًا طويلَا لدى القضاة والمواطنين الجزائريين على حدٍّ سواء، بعد مرور سنوات طويلة على فساد استشرى في دواليب بعض الوزارات التي كانت تسير بـكبسة زرّ، من شخصيات محسوبة على شقيق الرئيس السابق السعيد بوتفليقة، يقول جنادي.

هذه القضايا لن تتوقّف عند قرارات الحبس المؤقّت، يضيف المتحدّث، "بل ننتظر متابعة كل حلقات الجلسات وعدد القضايا والمتورّطين فيها من رجال الأعمال في عدد من القطاعات، ويُنتظر أن تُطيح برؤوس أكبر وأسماء ثقيلة أخرى".

ترحيب شعبي

توقيف وزيرين شغلا منصب وزير أوّل في الحكومة الجزائرية، وإيداعهما الحبس المؤقّت، يعتبر سابقة في تاريخ الجزائر المستقلّة، إذ يظلّ الثاني عشر من شهر جوان/ يونيو الجاري راسخًا في ذاكرة الجزائريين، بعد إيداع  كل من أحمد أويحيى السجن وعبد المالك سلال خلال أربع وعشرين ساعة الأخيرة.

هذه المشاهد، تعطي انطباعًا أن الشعب راضٍ على قرارات قائد الجيش قايد صالح، يقولُ المحلّل عبد القادر بلحسن، أستاذ العلوم السياسية في حديث إلى "الترا  جزائر"، موضحًا أن "السلطة التي يعتبر فيها الجيش الفاعل الأقوى، فازت بالتفاف الشعب الذي تجاوب مع الحدث في الشوارع أو في مواقع التواصل الاجتماعي".

وأضاف بلحسن، أن على السلطة مواطلة عملية المحاسبة، مستدركًا، أن هناك هامشًا من الخوف لدى قطاع واسع من الجزائريين، أن تكون القضايا والمحاكمات صورية أو للتسويق الشعبي فقط، وطالب المتحدّث، بمحاكمات عادلة للمتّهمين واسترجاع أموال الشعب المنهوبة حتى يطمئن الشعب.

 

 

الحراك متواصل

من جهته، لفت الناشط السياسي عبد الوكيل بلام، استياء كثير من الجزائريين في الجمعات الأخيرة، من تعطيل المحاسبة وملاحقة المسؤولين، قائلًا في حديث إلى "الترا جزائر"، إن "صورة قايد صالح خلال مظاهرات الجمعة بدأت تهتزّ، وهو ما جعل بعض المتظاهرين يشكّكون في نائب وزير الدفاع، ويتّهمونه بخداع الشعب".

يستطرد بلّام، أن الردّ على حملة التشكيك هذه، كان في اليومين الأخيرين، إذ أبدت السلطة الفعلية في الجزائر، نيّتها ملاحقة 18 وزيرًا في الجهاز الحكومي خلال فترة حكم الرئيس السابق بوتفليقة، وكبار رجال الأعمال والمال، معتبرًا أن الاعتقالات السابقة لشقيق الرئيس، وقيادات من جهاز المخابرات لم تكن كافية لطمأنة الحراك الشعبي، يقول بلّام.

كما شدّد الناشط السياسي، أن هناك ضمان معنوية قُدمت للحراك، عقب حبس رئيسي حكومة سابقين، ووزير التجارة عمارة بن يونس، مبديًا رغبته في تحقيق مطلب استقالة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح وحكومة نور الدين بدوي.

في هذا السياق، يعتقد رياض هويلي، الصحافي المتابع للشأن السياسي، أن الجانب المضيء من الحراك الحراك الشعبي هو عملية محاربة الفساد وملاحقة المتورّطين فيه، وأضاف هويلي في حديث إلى" الترا جزائر" أن الحراك سيواصل الضغط لتحقيق مطالبه، "والذهاب نحو انتخابات نزيهة، وتنظيم مؤسّسات نظيفة لم يسبق تورّطها في تزوير استحقاقات سابقة".

يتخوّف متابعون، من أن تكون حملة التوقيفات ضدّ مسؤولين في النظام السابق مجرّد تصفية حسابات بين أجنحة السلطة

محاكمات وفرضيات

على الأرض، يتّفق كثير من الجزائريين على أنه لم يكن متوقّعًا أن يخطو القضاء هذه الخطوة في يوم ما، لمتابعة رموز نظام الرئيس بوتفليقة ورجالاته وكوادره، وهو ما يحسب للجيش اليوم في تاريخ الجزائر المستقلة، غير أن البعض تمسّك بخيط الشكّ، إذ تحاشت بعض الحساسيات السياسية التعليق على القرارات، بسبب بروز عدّة فرضيات؛ أهمّها تصفية الحسابات بين أجنحة السلطة، والعودة إلى سيناريوهات العشرية السوداء بعد أن تنتهي المؤسّسة العسكرية من خصومها، إذ توجّه إليها عدّة اتهامات بضلوعها في أعمال عنف، بينما تُشير آراء أخرى إلى توغّل الجيش في السلطة، والبحث عن غطاء سياسي لخياراته في المستقبل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قايد صالح يدعو إلى مزيد من التنازلات ويرفض المرحلة الانتقالية

المجلس الدستوري ينسف طموحات المعارضة في الجزائر