لم تكن الصورة التراجيدية التي ظهر عليها مسؤولون جزائريون وهم يُقتادون إلى السجن متوقّعة؛ ولم يكن في الحسبان أن يجمع سجن الحراش في العاصمة، أسماء ثقيلة من رجال السياسة والمال؛ إذ تصدّر القائمة وزراء وإطارات في الدولة ورجال أعمال من "الكارتل المالي" في الجزائر.
أمام باب سجن الحراش بالعاصمة، رشق جزائريون الشاحنة التي كانت تقل أحمد أويحيى بعلب الياغورت
هنا، وعقب قرار المحكمة العليا الجزائرية القاضي بإيداع الوزير الأوّل الأسبق أحمد أويحيى الحبس المؤقت، يعلّق الناشط الحقوقي رياض فاتح، أن سجن الحرّاش تحوّل إلى "بيت الظالمين"، معتبرًا أن كثيرًا من الجزائريين انتظروا هذه اللحظة منذ فترة طويلة، وجاء خبر إيداع "رجل المهام القذرة" كما كان أويحيى يصف نفسه، مؤكّدًا على ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: إيداع أحمد أويحيى رهن الحبس المؤقت
سياسيًا؛ تقلّد أحمد أويحيى عدّة مناصب في الدولة الجزائرين لأزيد من أربعين سنة، أهمّها؛ رئيسًا للحكومة، ورئيسًا للديوان الرئاسي، ووزيرًا للعدل، ولكن ما بقي عالقًا في ذاكرة الجزائريين، هو خطاباته "المستفزّة" التي كان يُطلقها بين الحين والآخر، إمّا مسؤولًا في الدولة، أو أمينًا عامًا لحزب التجمّع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر حزب في البلاد.
من أبرز التصريحات التي يتداولها جزائريون عنه، قوله "إنه ليس ضروريًا أن يتناول كل المواطنين الياغوورت"، ويقصد الزبادي، معتبرًا أن سعره ليس في متناول كل الأسر الجزائرية، وباستطاعتها التخلّي عنه.
ترحيب شعبي بالقرار
بعلب الياغورت أو الزبادي، رشق جزائريون الشاحنة التي كانت تقل أحمد أويحيى، أمام باب سجن الحراش بالعاصمة، حيث كان في استقباله عشرات الجزائريين على وقع هتافات "كليتوا البلاد يا السراقين"، والتي تعني أكلتم البلاد أيّها اللصوص. وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عقب قرار إيداعه الحبس، موجة تعاليق تباينت بين الترحيب والسخرية، مستذكرين خطاباته ومواقفه، خاصّة تجاه الحراك الشعبي، حين هدّد أويحيى بأن الوضع سيؤول إلى ما حدث في سوريا.
استقبال غير مسبوق حظي به أحمد أويحيى أمام مدخل السجن، خلافًا لما حدث مع مسؤولين آخرين ورجال أعمال، إذ كان أويحيى الشخصية الأكثر اهتمامًا من طرف الشارع الجزائري. هنا يعتبر الشاب علي، أحد المواطنين الذي حضروا إلى المكان في حديث إلى "الترا جزائر"، أن هذه الحشود جاءت لتردّ على الخطابات المستفزّة لوزير الحكومة السابق.
من جهتها، علّقت سيّدة في العقد السادس من عمرها، كانت تُطلق الزغاريد أمام باب السجن، أن الشباب يريدون إيصال رسالتهم، ليشعر أويحيى بما يشعر به الجزائريون البسطاء من قهر وظلم، على حدّ تعبيرها.
في حيّ الحرّاش، بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، يقع مبنى السجن الذي يثير الخوف في الأوساط الشعبية، ولكنّه أصبح اليوم مكانًا للتندّر والسخرية، إذ بات يضمّ قائمة طويلة لمسؤولين هم أنفسهم من وضعوا قوانين تجعلهم فوق المحاسبة.
انفجر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بالتعليقات الساخرة على خبر وصول أويحي إلى السجن، إذ تهكّم الصحفي مروان الوناس على صور الاستقبال بالقول إن" الحراشية استقبلوا الوافد الجديد بما يليق"، في إشارة إلى تجمهر المواطنين بالقرب من السجن لرؤية الوفاد الجديد الذي تُنسب إليه مقولة "جوّع كلبك يتبعك"، رغم أنّه نفى ذلك في عدّ مناسبات.
من جهته، وصف النائب في البرلمان السابق محمد صالحي سجن الوزير السابق بالمعجزة قائلًا في تدوينة له عبر وسيلة التواصل الاجتماعي، إن "الحراك يحققّ انتصارًا استراتيجيًا بسجن قائد حزب الأرندي، الذي ابتكر التزوير الانتخابي وجعله ممنهجًا طيلة ثلاثين عامًا الماضية".
في هذا السياق، وبعد إيداع "رجل المهام القذرة" سجن الحراش، دعا البعض عبر الفضاء الافتراضي إلى تثبيت يوم الثاني عشر من شهر جوان/ يونيو، عيدًا سنويًا ضدّ الفساد.
رجل الأزمات
ارتبط اسم أحمد أويحي بقرارات صادمة للجزائريين، يقول المختص في الاقتصاد الكمي محمد الأمين أمقران جعدي في حديث إلى " الترا جزائر"، إن "وزير الحكومة السابق، اشتهر بغلق المصانع والمؤسّسات العمومية في تسعينيات القرن الماضي، بعد اتفاق وقعته الجزائر مع صندوق النقد الدولي، ونتج عن هذا القرار غلق 30 ألف مؤسّسة حكومية وتسريح أزيد من 320 ألف عامل، وحوكم مئات الإطارات في تلك الفترة منذ ترأسه للحكومة ( 1995- 1998 )، وكلّما أعيد أويحي للحكومة إلا وكانت النتائج وخيمة على الحالة الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري، آخرها كانت عملية طبع الأوراق النقدية في نهاية العام الماضي".
يعترف كثيرون، أن أحمد أويحي كان قويًا في خطاباته السياسية، وفي ردوده على أسئلة الصحافيين، وتهرّبه الناجح من استجوابات نوّاب البرلمان. كانت ردود فعله محسوبة ويتجاهل كل ما يعكّر مزاجه، فهو كان رجل النظام القويّ، والفاعل الأكبر في عملية رسكلة الحكومة الجزائرية.
من الرئاسة إلى السجن
بقي أويحيى في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة رجل الحكومة الأولى، كان يُبعد ويعود مرّة أخرى، ولطالما ارتبطت عودته إلى الحكومة باشتداد الأزمات، غير أنه ترك وراءه رصيدًا من التصريحات، جعلته من أكثر الشخصيات المغضوب عليها في الأوساط الشعبية.
كثيرًا ما تردّد إسم أويحيى في أغاني الألتراس، في مدرجّات الملاعب الجزائرية، وبقي إسمه لصيقًا بمحطّات قاسية في تاريخ الجزائريين، وبسياسات أضرّت بحياة المواطنين، وما هذا "الحنق" الشعبي، إلا ردّة فعل عفوية للذاكرة الشعبية الجزائرية.
لطالما ارتبطت قرارات إبعاد أويحيى من الحكومة، بحديث عن تخوّف صنّاع القرار من طموحاته السياسية
كان يدور حديث في فترات سابقة، أن أويحيى هو الرجل البديل للنظام بعد بوتفليقة، وأنه يطمح إلى قصر المرادية، ولكنّه كان كمن يتمنّع وهو راغب في ذلك، إذ لطالما ارتبطت قرارات إبعاده من الحكومة، بحديث عن تخوّف صنّاع القرار من طموحاته السياسية العالية في الحكم، إذ كان يردّد عبارة "الرئاسة موعد الرجل مع قدره"، غير أنّ قدره هذه المرّة كان خارج حساباته السياسية.
اقرأ/ي أيضًا: