07-يونيو-2019

الحراك الشعبي في العاصمة (أ.ف.ب)

ألقى عبد القادر بن صالح (1941)، ثلاثة خطابات رسميّة، منذ خلف الرّئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، مطلع شهر نيسان/ أبريل الفارط، بصفته رئيسًا مؤقّتًا للدّولة، كما ينصّ عليه الدّستور في حالة تطبيق المادّة 102 منه، التّي تقضي بأن تؤول رئاسة الدّولة إلى رئيس مجلس الأمّة لمدّة ثلاثة أشهر يشرف خلالها على تنظيم انتخابات رئاسيّة، في حالة وفاة رئيس الجمهوريّة أو استقالته أو إعلان المجلس الدّستوريّ عن عجزه.

قوبل خطاب رئيس الدولة عبد القادر بن صالح بموجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي

رفض الجزائريّون ما ورد في خطابيه السّابقين، بحكم أنّه في طليعة الباءات التّي يُطالبون برحيلها، لأنّها تنتمي إلى بقايا المرحلة البوتفليقيّة، خاصّة بن صالح الذي قضى هذه المرحلة بصفته رئيسًا لمجلس الأمّة، أي الرّجل الثّاني في الدّولة حسب التّرتيب الدستوري، لكنّهم غرقوا في السخريّة في تفاعلهم مع خطابه الثّالث، الذّي ألقاه، الخميس، ونقله التّلفزيون الحكومي، بمناسبة تمديد المجلس الدستوري العهدة الرئاسيّة المؤقّتة، حتّى يتمكّن بن صالح من تنظيم الانتخابات الرّئاسيّة، في موعد لم يُعلن عنه، بعد فشله في تنظيمها يوم الرّابع من الشّهر الدّاخل.

اقرأ/ي أيضًا: صرخة "ما راناش حابسين" تحول طالبة إلى أيقونة للحراك

تسريحة جديدة

تجنّبت معظم تعليقات الجزائريّين، في مجالسهم الواقعيّة والافتراضيّة، على خطاب عبد القادر بن صالح، دعوته إلى الاحتكام إلى "الذّكاء الجماعي" و"الحكمة" في التّعاطي مع المرحلة، بـ"الذّهاب إلى حوار وطنيّ تشرف عليه شخصيات سياسيّة  ووطنيّة"، وركّزت على الجوانب الشّكليّة المحيطة بالخطاب، الذّي خلق حالة انتظار في أوساطهم، متوقّعين قبل بثّه أن يأتي بجديد، في منحى حلّ الأزمة العالقة، خاصّة أنّه كان مسبوقًا بانتشار إشاعة تقول إنّ حكومة نور الدّين بدوي سوف تستقيل، لتخلفها حكومة يشرف عليها وزير الثّقافة الأسبق والدبلوماسي المعارض عبد العزيز رحّابي.

وكان حلق الرّئيس المؤقّت لرأسه تمامًا، في مقدّمة ما ركّز عليه روّاد موقع التّواصل الاجتماعي فيسبوك، والذّين شاهدوا الخطاب في المقاهي.

في مقهى شعبي في مدينة برج بوعريريج شرقيّ الجزائر العاصمة، ما أن تأكّد الجالسون من كون بن صالح باقٍ في منصبه من خلال خطابه، حتّى تجاوزوه إلى التّعليق على التّسريحة الجديدة، التّي لم يسبق له أن ظهر بها طيلة مساره المهني. وفي لحظة ما صاح أحد الشّباب: أقسم إنّ الرجل مصاب بالسّرطان. وما هذه التسريحة إلا دليل على العلاج الكيمياويّ. لقد بات ممكنًا لنا أن نطالب المجلس الدّستوريّ بأن يُزيحه بحجّة المرض.

الحالة الصحيّة للرئيس

في السّياق، كتبت النّاشطة بشرى بوخالفي في تدوينة فيسبوكيّة لها أنها لا تُلقي بالًا لما أسمتها لغة الخشب، التّي جاء بها خطاب بن صالح، بل لحالته الصّحيّة، "واضح أنّه مريض وأنّه بحاجة إلى الرّاحة. للابتعاد عن كلّ هذه الضّوضاء. فلم هذا الإصرار على تعذيب المسكين في هذا العمر؟". وتساءل الإعلامي محمّد دلّومي: "هل يُعاني عبد القادر بن صالح من مرض ما؟ بدا شاحبًا وهزيلًا ؟".

ونجد في تدوينة للكاتب لونيس بن علي أنّ الاختلاف في خطاب بن صالح الأخير عن الخطابين السّابقين "أنّه في هذا الخطاب ظهر دون شعر". فيما كتب المربّي شعيب شيخاوي أن تحليقة بن صالح تختصر خطابه، "لا داعي لتضييع الوقت". وذهب الجامعي حمزة زيرايبي إلى أنّ الرّسالة، التّي أراد أن يبعث بها رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح هي أنّه سيحلق للجزائريين مثل تحليقة بن صالح إن لم يقبلوا بالانتخابات. 

 من جهته أبدى باعث مبادرة السّترات البرتقاليّة توفيق عمران أسفه على أنّه قصد المقهى، فاشترى بيتزا وقهوة وقارورة ماء، حتّى يبرّر وجوده ليشاهد خطاب بن صالح في تلفزيون المقهى، فلم يسمع إلّا عبارة "أيّها المواطنون. أيّتها المواطنات". وفي سياق السّخرية نفسه كتب المصمّم زبير فارس: "لم أسمع الخطاب. كنت مركّزًا على ملامح الرئيس، التّي تبدو أنّها ساءت للغاية، منذ خطاب أوّل رمضان. كنت مشغولًا أيضًا بلوحة الزّلّيج في الخلفيّة. استطعت أن أجد فيها خطأً في التّركيب".

تعاليق ساخرة

ويُرجع الطّالب الجامعيّ والنّاشط عمر دريوش لـ"الترا جزائر"، هذا التّركيز على الجوانب الشّكليّة المرافقة لخطاب رئيس الدّولة عبد القادر بن صالح إلى ما اعتبرها جملة من العوامل الموضوعيّة ذكر منها أنّ الخطاب كان خاويًا من أيّة مبادرة جادّة تُلفت الانتباه الشّعبيّ، "ثم إنّ الجزائريّين أحسّوا بأنّ السّلطة، من خلال بن صالح، تستهزئ بهم وتضحك عليهم، فردّوا عليها من خلال السّخرية من شكل الرّئيس، فكأنّهم أرادوا القول إنّكم أعطيتمونا أمورًا شكليّة في الخطاب، فلا تنتظروا منّا غير الشّكليّات".

يضيف دريوش: "لقد فهم الجزائريّون أنّ خطاب بن صالح هو امتداد وترجمة لخطاب رئيس الأركان، الذّي يرفض الذّهاب إلى حلّ سياسيّ يكرّس مرحلة انتقاليّة بوجوه مقبولة شعبيًّا، فأرادوا الردّ عليه، بالسّخريّة من حامل الرّسالة".

دخلت مسيرات الحراك الشعبي في الجزائر شهرها الرابع ولازالت السلطة الحاكمة عاجزة عن إيجاد حلول للأزمة

يبدو أنّ الاستهزاء والسّخريّة باتا أكثر ما يُميّز تفاعل الجزائريّين مع خطابات ومبادرات رجال السّلطة الحاكمة باسم الواقع الدّستوريّ. وهو السّلاح الذّي يعزز به الجزائريّون مسيرات الجمعة، التّي دخلت شهرها الرّابع بالضّبط، من غير أيّة قراءة رصينة من السّلطة الحاكمة للإشارات الصّريحة والمبطّنة، التّي ظلّ الحراك الشّعبيّ والسّلميّ يرسلها، منذ انطلاقه يوم 22 شباط/ فبراير الفائت.  

اقرأ/ي أيضًا: 

"الرايس قورصو" والرئيس بوتفليقة.. جدل السياسة والكوميديا

الحراك الشعبي يحرر الصورة الفوتوغرافية!